تقف القوات المسلحة في قلب الدراما المصرية الدائرة الآن. وبينما آل جنرالات الجيش المصريّ على أنفسهم الامتناع عن مهاجمة المطالبين برحيل الرئيس حسني مبارك، فهم ينكبّون ولا شك على تعزيز وضعهم الذي يجعلهم بمثابة المحرك في سيارة السلطة.


لمتابعة أخبار ثورة مصر: أنقر على الصورة

القاهرة: يعلم الجميع في مصر، بمن فيهم الرئيس محمد حسني مبارك، يعلمون أن وضع القوات المسلحة الحالي هو الوضع الذي ظل سائداً منذ إطاحة الملكية في 1952، ولذا فقد حرص المتظاهرون على رفع شعار laquo;وحدة الشعب والجيشraquo;.

وللسبب نفسه دعا محمد البرادعي - في مسعاه للتأكيد للمتظاهرين أنه منهم وإليهم - الجنرالات لضمان سلامتهم.

وعندما أدلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدلويهما، فقد وجها نداءات حفظ الأمن والنظام لهؤلاء الجنرالات أنفسهم.

وبعد تولي اللواء عمر سليمان - رئيس جهاز الاستخبارات العامة - منصب نائب مبارك قبل أيام، كان الرأي السائد وسط الدبلوماسيين الغربيين هو أن سليمان، وجنرالات آخرين مثل المشير محمد حسين طنطاوي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، ورئيس هيئة الأركان سامي عنان، هم الضمانة الحقيقية التي يستند إليها مبارك في إصراره على عدم الرحيل فورا مثلما يطالب المنادون بالتغيير.

وما لا شك فيه هو انه في حال قرر كبار الجنرالات أن الوقت قد حان لتنحي مبارك لانتهى الأمر في لحظتها. لكنهم لم يبلغوا هذه المرحلة بعد على ما يبدو.

ونقلت صحافة الغرب عن دبلوماسيين إجماعهم على أن علاقات الصداقة والزمالة القديمة التي تجمع هؤلاء الرجال ومبارك هي مفتاح الباب في أي من اتجاهين متضادين.

فقد ينحازون، بناء على هذا، لرغبة مبارك في البقاء حتى سبتمبر / أيلول المقبل، أو يقنعونه laquo;كزملاء أصدقاءraquo; بأن صحته فوق كل شيء وأنه بحاجة للعلاج الطبي العاجل في أوروبا، قل ألمانيا مثلا، أو الولايات المتحدة. وسيفهم مبارك الرسالة ويتنحى في اليوم نفسه.

وقد ظل طنطاوي على اتصال مستمر في الأيام الأخيرة بوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس. وليُذكر هنا أن ثمة laquo;شراكة إستراتيجيةraquo; بين الطرفين تحصل مصر في إطارها على 1.3 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية كـlaquo;تعويض لا يُمسraquo; عن حفاظها على السلام مع إسرائيل.

ومعلوم أن الجيش - وهو الحادي عشر في العالم من حيث الحجم إذ يتألف من نصف المليون جندي - ظل يحكم مصر منذ إطاحة الملك فاروق في 1952 على يد تنظيم الضباط الأحرار بدءا من محمد نجيب وجمال عبد الناصر إلى أنور السادات وحسني مبارك. ولهذا قيل إن جنرالاته ظلوا ينظرون بقلق إلى اتجاه مبارك نحو laquo;توريثraquo; الحكم إلى ابنه جمال.

ووفقا لتحليلات غربية فثمة سببان لقلق الجنرالات هذا: الأول هو ان جمال مبارك غير عسكري وتوليه الحكم يعني انعطافة غير مسبوقة تعني إنهاء وجود الجيش في السلطة. والثاني هو أن أجندة تحرير الاقتصاد التي يلوّح بها جمال واتجاهه بالتالي الى وضع القطاع العام بأكمله في أيدي laquo;أصدقائهraquo; رجال الأعمال تشكل تهديدا مباشرا لمصالحهم التجارية.

وتسوق هذه التحليلات الغربية مثالا لهذا إن الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية ويديرها جنرالات متقاعدون تسيطر على قطاعات تجارية مثل الصناعات النفطية والبناء والأسمنت والفنادق وزيت الزيتون وحتى الماء. وهذا إضافة إلى تملكها قطاعات واسعة من أراضي الدلتا وساحل البحر الأحمر.

وينحو العسكر المتقاعدون أيضا لشغل المناصب العليا في مختلف الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية.

ولحسن حظ الجمهور فقد أجبرتهم المنافسة من جانب القطاع الخاص على رفع مستوى الشركات التي يديرونها ومختلف الخدمات التي يقدمونها.

لكن المؤسسة العسكرية المصرية ليست من دون مواجع. فبرقيات الدبلوماسيين الأميركيين التي سرّبها laquo;ويكيليكسraquo; أخيرا تكشف أشياء مثل أن جيل الضباط ذوي الرتب الوسطى لا ينظر بعين العطف إلى الكبار من أمثال طنطاوي الذي بلغ 85 سنة من العمر - متجاوزا الرئيس نفسه (83 سنة) - ويصفون بأنه laquo;بودل مباركraquo;.

وتقول برقية يعود تاريخها إلى 2008: laquo;ظل طنطاوي يعارض، داخل مجلس الوزراء الذي يتمتع فيه بنفوذ هائل، أي محاولة للإصلاح السياسي أو الاقتصادي باعتبار أي منهما خطرا على سلطة الحكومة المركزية. لكنه في الوقت نفسه مدافع شرس عن الوحدة الوطنية ويتصدى لأي تحرك يرى فيه خطر تقسيم المجتمع على أساس سياسي أو دينيraquo;.

ولكن، مهما يكن من أمر، فإن للجيش دورا في مصر لا ينكر أحد انه الدعامة الرئيسة في سائر المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية، وأنه الوحيد القادر الآن على إسدال ستار الختام على الدراما المصرية إذا اتفق جنرالاته على وجوب رحيل مبارك.