ما زالت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تمارس لعبة توازن صعبة مع مصر، بينما تتواصل الإحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك من دون أن تُبدي علامات إنحسار في يومها السابععشر.

بعدما إقتربت إدارة أوباما من الإشارة إلى أن موعد الرحيل قد حان (دون أن تقول ذلك بصراحة)، طمأنت حلفاءها في المنطقة من إسرائيل وحكام مستبدين بدعم إختيار عمر سليمان على عجل نائباً للرئيس يشرف على عملية إنتقال سياسية quot;منتظمةquot;.
لكن مراقبين يرون أن نقل السلطة ليس وارداً في تفكير سليمان. فهو لم يتعاط جدياً مع أي من مطالب المعارضة الأساسية بل بدأ يحذر من إستمرار الإحتجاج فترة أطول.

وهكذا وجدت الإدارة الأميركية نفسها تنتقد سليمان الذي رحبت به وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بوصفه قائد عملية الإنتقال. وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس يوم الأربعاء ان ما قدمته الحكومة المصرية لا يلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب المصري داعيًا إلى المزيد.

وكان قرار الإدارة دعم عملية إنتقالية يقودها سليمان لاقى انتقادات من خصومها في واشنطن، وإنتقادات أشد من الذين يخاطرون بحياتهم على الأرض في مصر للمطالبة برحيل مبارك.
ويقول توني كارون في الطبعة الإلكترونية لمجلة تايم إن سبب هذه الإنتقادات يتمثل في أن سليمان الذي كان رئيس الإستخبارات في دولة مبارك البوليسية، ليس متحمسًا لتحويل مصر إلى بلد ديمقراطي. ويلفت كارون إلى ان سليمان نفسه أعلن ذلك قائلاً إن مصر ليست جاهزة للديمقراطية.

عوضًا من ذلك أجرى نائب مبارك محادثات غير جادة مع بعض قوى المعارضة رغم أنه تجاهل توصياتها، كما تقول، وشكل ثلاث لجان بإشراف الحكومة لبحث تعديل الدستور.
في هذه الأثناء تواصل قوى الأمن مضايقاتها وإعتقالاتها بحق الصحافيين والناشطين.وحذر سليمان يوم الثلاثاء من أن السلطات لن تسكت على إستمرار الإحتجاجات بلا نهاية، ملمحاً الى أن قوى خارجية تعمل على تأجيجها. كما شدد على ان النظام لن يزول ومبارك لن يتنحى في الحال.

تحذيرات سليمان ومبادراته لا تنفع

لا مبادرات سليمان ولا تحذيراته كانت مجدية مع حركة الاحتجاج، التي شهد يوم الثلاثاء أكبر حشودها مع إصرار المشاركين فيها على رحيل مبارك. وستُنظم تظاهرة كبرى يوم الجمعة، فيما تلقى المحتجون دعمًا قويًا من إضراب العمال في قطاعات مختلفة. ورغم أن الدافع المباشر لإضراب عمال السكك الحديد وسائقي الحافلات وعمال المصافي كان مطلبيًا يتعلق بالأجور وتحسين الأوضاع المعيشية، فإن منظميه يقيمون علاقة واضحة بين تحركهم المطلبي وحركة الإحتجاج الأوسع.

ويعيد الكاتب كارون التذكير بأن سوسيولوجيا الثورة تذهب الى ان نظام الحكم يكون مهددا بخطر أكبر عندما يكون تحدي شباب ينتمون الى الطبقات الوسطى والفئات المهنية، مدعوما بعمال لديهم القدرة على شل قطاعات اقتصادية وتعطيلها.

الضغط على سليمان

هكذا تجد الولايات المتحدة نفسها تضغط على سليمان لإتخاذ خطوات لا يريد الإقدام عليها.وكتب مارك لينتش الخبير في الشؤون العربية في جامعة جورج واشنطن في مجلة فورين بولسي يوم الثلاثاء ان الخلاف مع سليمان والمحيطين به حول حدود التغيير ينبغي ألايفاجئ مسؤولي الإدارة، وأن الحقيقة التي لا مفر منها هي quot;اننا قد لا نبلغ لحظة الذروة المتمثلة بإقلاع طائرة مبارك على وقع هتافات الملايين من المصريين المحتفلين ببزوغ عهد جديدquot;.
وأضاف لينتش أن الصراع ينتقل الآن إلى حلبة أعقد بكثير هي حلبة المفاوضات حول شروط الإنتقال في مصر، ولا أحد في الإدارة لديه أوهام عن نيات سليمان في العودة إلى المناورات القديمة للدولة المصرية بتقسيم المعارضة واستيعابها وممارسة القمع الإنتقائي وإذكاء الخوف من مجيء الإسلاميين وكسب الوقت مع إبداء الرغبة في العودة إلى الحياة الطبيعية وتقديم إصلاحات رمزية يمكن التراجع عنها أو افراغها من محتواها، وحماية السلطات والإمتيازات الأساسية لنظام الحكم. ويبدو أن لدى الجيش خطة لا تشمل الإصلاحات الجذرية التي دعا إليها المتظاهرون أو ادارة اوباما، بحسب الخبير لينتش.

ويدعو لينتش الإدارة الأميركية إلى توسيع ضغوطها على سليمان لتشمل إلغاء حالة الطوارئ واتخاذ خطوات تهدف إلى إيجاد فضاء قانوني للنشاط السياسي الذي كان يُمارس حتى الآن رغم أنف السلطات.كما يتعين على الولايات المتحدة مواصلة ضغوطها للإفراج عن الناشطين والصحافيين المعتقلين والتفاوض مع ممثلي حركة الاحتجاج.

ورغم إصرار المحتجين على رحيل مبارك لحل الأزمة السياسية فإن آليات تحقيق ذلك في النظام الدستوري المعمول به حاليا آليات معقدة، لا سيما وأن المعارضة لم تتقدم بموقف موحد من طريقة عزل مبارك وإطلاق عملية انتخابية ديمقراطية. فالانتخابات الرئاسية ستجري على ما يُفترض في أيلول- سبتمبر، لكن الأنظمة والقواعد السارية تقصر حق الترشح على أعضاء حزب مبارك الحاكم نفسه. وإذا تنحى مبارك بصورة مفاجئة ستنتقل الرئاسة إلى رئيس البرلمان الذي عليه إجراء انتخابات جديدة في غضون 60 يومًا.
ويريد بعض أقطاب المعارضة حكومة مؤقتة تتولى التحضير للإنتخابات. وسيتقرر مآل هذه السجالات في الشارع أساسًا، بمدى وحدة المعارضة وميزان القوى بينها وبين النظام. لكن النضال لتنحية مبارك يتحول بصورة متزايدة إلى معركة لتحديد شكل حقبة ما بعد مبارك.
ويرى الكاتب توني كارون أن سليمان سياسي صلب وماكر، وهو لا يعير إهتمامًا لنصائح واشنطن بشأن حل الأزمة. وإضافة إلى شكه في نضج مصر للديمقراطية، فإنه يصرّ على أن حالة الطوارئ لن تُلغى إلا إذا سمحت الظروف.
وبالتالي فإن السؤال الذي يواجه إدارة أوباما هو قوة الضغط المستعدة لممارسته من أجل مطلبي الإصلاح والتفاوض، وبصورة أشد إلحاحًا من أجل ضبط النفس. فإن مئات الآلاف يعتزمون التظاهر مجددًا يوم الجمعة، رغم لغة التهديد الذي يستخدمها سليمان. وهؤلاء المتظاهرون لا ينتظرون الإنقاذ على يد إدارة أوباما.