أفضت التظاهرات الكبيرة التي تجري في محافظة quot;تعزquot; الأكثر سكانًا في اليمن، إلى استخدام النظام لوسائل عديدة، منها المناطقية التي نسيها الشعب اليمني منذ زمن، وذلك من خلال رفع شعارات quot;يرحل البراغلةquot;، وهو مصطلح ازدرائي لأبناء محافظة تعز.


جانب من مظاهرات تعز

صنعاء: يواصل الآلاف من مواطني مدينة تعز - 250 كيلو مترًا من جنوب العاصمة صنعاء - تظاهراتهم لليوم السادس على التوالي، مستمرين فياعتصاماتهم في شوارع المدينة، في حالة تعد الأولى في اليمن، وذلك للمطالبة بتغيير النظام.

واعتصم مساء الاثنين آلاف المتظاهرين في أحد أحياء المدينة رافضين تدخل الأحزاب في الأمر، ومعتبرين أنه تحرك اجتماعي شبابي بحت.

ويواجه المتظاهرون مقاومة عنيفة من أنصار النظام، الذين يتوقع أنهم عسكريون يرتدون زيًا مدنيًا وسلاحًا أبيض، ويحملون عصي كهربائية وخشبية، لكن المتظاهرين يبدون مقاومة شرسة لمواجهتهم.

وبلغ عدد المعتقلين في سجون المحافظة أكثر من 100 شخص من المتظاهرين. في السياق عينه،تدعم السلطات اليمنية مناصريها الذين يحملون الخناجر والعصي الكهربائية، وتمدهم بالأموال، كما أفاد عدد من الأنصار في ميدان التحرير في وسط العاصمة صنعاء.

وهتف المتظاهرين من أنصار النظام في جامعة صنعاء من أجل طرد المواطنين من أبناء تعز من العاصمة صنعاء تحت شعار quot;يرحل البراغلةquot;، وquot;البراغلةquot;، وهو مصطلح ازدرائي لمواطني محافظتي تعز وأب.

ويعتبر المحللون أن هذا التحول هو محاولة لشق الصف وزرع الفتنة بين أبناء quot;تعزquot; وغيرها من المناطق، خصوصًا القبلية.

المنظمات تندد بورقة المناطقية

نددت سبع منظمات مجتمع مدني بـ quot;تداعيات الخطاب الرسمي الذي يلجأإليه النظام في مواجهة الاحتجاجات الشعبية والمتمثل في إثارة الانقسامات والنزاعات بين المكونات المجتمعية اليمنية، وتشجيع مجموعات أمنية بزي مدني على ترديد شعارات مناطقية وجهوية من قبل عدد المتظاهرين المنتمين للحزب الحاكم، والذين قاموا بترديد شعار quot;أرحلوا يا براغلهquot; في مواجهة المحتجين من الطلاب، في إشارة إلى انتماء جزء كبير من مكونات الاحتجاج إلى المناطق الوسطى في اليمنquot;.

وقال بيان للمنظمات إن quot;هذه الورقة المناطقية الخطرة التي يلجأ إليها النظام تهدد بشكل خطر السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويأتي توظيفها في الشارع اليوم امتداداً لتحركات رئيس الجمهورية، وكذا بعض قيادات الحكومة بين مناطق القبائل خلال الأيام الماضيةquot;.

حمّلت تلك المنظمات quot;رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن أي تلاعب بورقة الانقسامات الاجتماعية والمناطقية في مواجهة الاحتجاجات المناهضة لحكمهquot;. ودعت المنظمات quot;القبائل اليمنية إلى عدم الانجرار إلى فخ التحريض الرسمي في مواجهة المحتجين وإلى إدراك المخاطر الشديدة التي سيؤدي إليها هذا الأمرquot;.

انهيار أخلاقي

من جانبه يقول نقيب الصحافيين اليمنيين السابق عبدالباري طاهر لـ quot;إيلافquot; إن نشر الشعارات المناطقية quot;علامة دالة على الانهيار الأخلاقي.. الانهيار الذي لا يمكن لأحد أن يتصوره، واليمن عبر التاريخ لا تعرف هذه اللغة، وعرفتها فقط أثناء الأزمات وفي حالات نادرة جدًاquot;.

ورأى طاهر أن quot;هذه الشعارات ورفعها من أي كان، دلالاتها في منتهى الخطورةquot; معتبرًا أن quot;هذه البلد وحدتها أهم ما حققته وأنجزته، وحين تعود إلى هذه اللغة فمعنى ذلك أنه دليل على الانهيار الأدبي والأخلاقي والوطنيquot;. ودعا إلى quot;التصدي لهذه اللغة، معبّرًا عن أسفهلـ quot;خطاب التعبئة الجاري حاليًا من السلطة في الشارع والمسجد والإعلام الرسمي، لكونه يصبّ في هذا الاتجاه، إضافة إلى زيارة الرئيس للمناطق القبلية في هذه الأيامquot;.

وتابع عبد الباري طاهر إنهم quot;يتكلمون عن الحوار والتسامح وعن قطع التعبئة الخاطئة، وهم يشتغلون على هذه التعبئةquot;. وأضاف quot;إن الخطاب الرسمي أصبح يلاعن حتى بالقرآن الكريم في بياناته، كما جاء في بيان الحزب الحاكم وأنصاره حين أصدروا بيانهم قبل أيام وأوردوا آية quot;إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنونquot;.

ورأى أن quot;هذه أبشع إساءة إلى القرآن الكريم، وهو أنك تحول القرآن إلى أداة، تلاعن بها خصومك السياسيين والقرآن يقول quot;ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوبquot;.

وندد بطرح قانون يسنّ تشريعًا للشرطي بأن يقتل ولا يساءل، quot;الآن رئيس الجمهورية لايساءل، والوزراء يفسدون ولا يساءلون، وأيضًا الشرطي لا يساءل؟.. تصبح دولة خارج الدولة والدستور وخارج النظام يقتل فيها الجندي من يشاء ومتى يشاءquot;.

وذكر طاهر بما كان يفعل صدام حسين الذي quot;أستخدم الأسلوب نفسه، وأباح للعبثيين أن يقتلوا من يسيء للبعث وقادته وكان القتل مبادرة شعبية، عندما يحولوها في اليمن إلى قانون رسمي يقتل فيه الجندي ولا يساءل أو يكون خطأ غير جسيم وتدفع الدية الدولة، فهذا دليل على الانهيارquot;.

وطالب الجميع باليقظة quot;يجب على الناس أن يستيقظوا ويعلموا أن الدولة تنهار وتدمر مجتمعًا وتدمر بلدًا، مشيرًا إلى أنه quot;للأسف الشديد الذين يدعون إلى الحوار هم الذين يحشدون ويسلحون الناس ويعتدون على المواطنينquot;.

إشارات دولية

في السياق نفسه،قالت منظمة quot;هيومن رايتس ووتش quot;إن قوات الأمن اليمنية اعتدت على متظاهرين ونشطاء ومحامين وصحافيين في صنعاء العاصمة دون مبرر لذلك.

ورصدت هيومن رايتس ووتش وشهود آخرون الهجمات، وغالبيتها وقعت أثناء تظاهرة بدأت من جامعة صنعاء. تعرضت مجموعة من الصحافيين اليمنيين للضرب من قبل قوات الأمن ومجموعات من مؤيدي الحكومة ورجال أمن في ثياب مدنية، وقاموا باعتقال والاعتداء على ومصادرة مواد من صحافيين دوليين، منهم مراسل قناة quot;بي بي سيquot; العربية.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش quot;يبدو أن الرئيس صالح يقتبس من كتاب مناورات مبارك منتهي الصلاحية، عن كيفية التعامل مع المظاهرات. لو كان هناك ما يجب أن يتعلمه الرئيس صالح، فهو أن الهجمات العنيفة على المتظاهرين لن تُخمد المعارضةquot;.

ووصفت quot;نشر الأطفال كالقوات وفي أيديهم الأسلحة وسط ما قد يتحول بسهولة إلى مواجهة عنيفة، هو أسلوب خسيس ومتدن للغاية لإخماد الاحتجاجات العامةquot;.

وتابعت quot;هذا لا يعني إلا أن الحكومة اليمنية قد بلغت الحضيض في تعاملها مع التظاهراتquot;. ورأت المنظمة أن مجموعة جديدة تضم quot;صبية يبدو أنهم في المدارس الإعدادية أو الثانوية، يحملون العصي والهراوات ويرفعون صورة الرئيس، كما رصدت المنظمة وجود عناصر في ثياب مدنية وثياب رسمية من الأمن اليمني ينظمون ويوجهون مؤيدي الحكومةquot;.

وكان الصحافي عبدالله غراب مراسل بي بي سي قد تعرض لاعتداء من قبل أنصار النظام، وذلك خلال تغطيته المظاهرة، ونقلوه بسيارة لاند روفر بيضاء، حيث قابل حافظ معياد، رئيس المؤسسة الاقتصادية اليمنية، وقد نعته بالجاسوس.