مع تجدد التظاهرات يوم أمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدأ القادة المحاصرون في المنطقة يصارعون من أجل احتواء شعوبهم المستاءة، ونشر مجموعة واسعة من التكتيكات، بدايةً من عروض الحوار وانتهاءً بالإجراءات القمعية الوحشية، بهدف كبح القوى المؤيدة للديمقراطية التي أطلقتها ثورتي تونس ومصر.


وسط تفاقم الإحتجاجات على مدار الأيام القليلة الماضية، بدا من الواضح أن الحكومة الليبية بدأت تفقد سيطرتها على مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية. وقامت القوات الأمنية هناك بإطلاق النار على مجموعة من الأشخاص أثناء تشييعهم جنازة 84 شخصاً تم قتلهم في اليوم السابق، في ردة فعل هي الأعنف حتى الآن للجولة الأخيرة من التظاهرات.
وسرعان ما قامت القوات أيضاً بكبح جماح الإنتفاضات الأصغر في الحجم التي انتشرت بعد ذلك في ضواحي العاصمة طرابلس، حيث استولى المتظاهرون على قواعد عسكرية وأسلحة. وكانت الاحتجاجات التي اندلعت هناك بمثابة المؤشر على أن هناك ثمة تهديد جديد على النظام.

كما اندلعت تظاهرات يوم أمس الأحد في كل من المغرب وتونس، وهي التظاهرات التي جاءت لتُشكِّل تحديات جديدة أمام الحكام، في حين واصلت السلطات في إيران والبحرين مواجهة النداءات التي تطالب بالإصلاح. لكن في وقت متأخر من مساء يوم أمس، ارتفع عدد القتلى في المواجهات التي تشهدها ليبيا إلى 233 على الأقل، معظمهم في بنغازي، على حسب ما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش. في حين قالت تقارير إخبارية أخرى إن عدد القتلى وصل إلى 200 شخص أو أكثر من ذلك بكثير.

وأدان المسؤولون الأميركيون ومسؤولو الإتحاد الأوروبي السياسة القمعية التي تنتهجها ليبيا، وطالبوا بوضع حد لأعمال العنف التي تمارس هناك ضد المحتجين. وقالت اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية إنه يستحيل التحقق من نطاق الإضطرابات التي تشهدها ليبيا الآن.
وفي ظل الإجراءات التي تنتهجها السلطات هناك حيال الصحافيين الأجانب، بالإضافة لقطعها خدمة الإنترنت والخطوط الهاتفية بصورة دورية، أكدت الصحيفة أن الوضع الراهن في ليبيا يمكن وصفه بأنه أكثر المحاولات وحشية لقمع الإحتجاجات المناهضة للحكومات التي تجتاح العالم العربي.
ويصف السكان والناشطون هناك مشهداً متقلباً يزداد عزلةً عن العالم الخارجي ويصبح أكثر دموية وفوضوية يوماً بعد الآخر، في وقت يحاول فيه المتظاهرون أن يطيحوا بالقائد الليبي معمر القذافي، الذي يحكم البلاد منذ مدة تزيد عن الأربعة عقود. ولفتت الصحيفة في الإطار ذاته أيضاً إلى الخطاب الذي أدلاه نجل القذافي سيف الإسلام، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الإثنين عبر التلفزيون الحكومي في البلاد، ليقول إن والده موجود ولم يلذ بالفرار، وأن الجيش يدعمه ويقف إلى جواره.
ورأت الصحيفة أن نظام القذافي قد تعرض على ما يبدو أيضاً للإنشقاق الأول يوم أمس الأحد، عندما تقدم مندوب ليبيا في الجامعة العربية بإستقالته من منصبه، نتيجة لغضبه من التكتيكات الوحشية التي تنتهجها الحكومة في بنغازي. وقال أحد سكان طرابلس الذي تحدث عن طريق خدمة التراسل على سكاي بي :quot;الأمور تزداد سوءاً بصورة تدريجية في غرب ليبيا. وخدمة الإنترنت بطيئة للغاية ولا يمكن تصفح المواقع في معظم الأوقات. ولم يعد بإمكاننا إجراء أي اتصالات دولية بعد الآنquot;.

إيران.. القمع العنيف

في إيران، قمعت قوات الأمن يوم أمس بصورة عنيفة المظاهرات المؤيدة للديمقراطية التي حاول أن يقوم بها البعض في طهران وغيرها من المدن. لكن في أماكن أخرى بمنطقة الشرق الأوسط، حاول الحكام المستبدون المحاصرون أن يُقدِّموا أغصان الزيتون، بعد فشل التكتيكات العنيفة في قمع غضب الشارع والمطالبة بتنحيهم.

اليمن.. الحوار بعد القمع

أما في اليمن، فقد جدد الرئيس علي عبد الله صالح، الذي يحكم البلاد منذ 32 عاماً، دعوته إلى الحوار السياسي مع أبرز أحزاب المعارضة، وهي الطريقة التي قد تؤدي إلى التوصل لإتفاق يقضي بتقاسم السلطة. وقد جاءت تلك الخطوة عقب وفاة خمسة متظاهرين على الأقل وجرح العشرات على مدار تسعة أيام متتالية من التظاهرات، التي انطوت على مصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين في العاصمة ومدينتي تعز وعدن الجنوبيتين.

البحرين.. الإصلاحات قبل الحوار

في البحرين، استمر ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في توجيه دعوته إلى إجراء حوار وطني مع أحزاب المعارضة وكذلك فترة حداد وطني من أجل التوفيق بين الغالبية الشيعية في البلاد وحكامها السنة. وقد جاءت تلك الدعوات بعد أن قمعت قوات الأمن البحرينية بعنف غالبية المتظاهرين الشيعة، ليسفر عن ذلك وفاة 6 أشخاص بعد دخول المملكة في حالة من الفوضى على مدار عدة أيام. وبعد أن غادرت قوات الأمن ميدان اللؤلؤة يوم السبت، حيث كانت التظاهرات، عاد المتظاهرون إلى المنطقة، وواصلوا اعتصامهم السلمي مطالبين بإصلاحات سياسية جذرية قبل الحوار.


المغرب.. وصلت الشرارة

ثم انتقلت الصحيفة لتلفت إلى التظاهرات المناهضة للحكومة التي اندلعت يوم أمس أيضاً في المغرب، وهي أول تظاهرات تشهدها المملكة منذ أن بدأت موجة الثورات الشعبية في المنطقة. ونقلت عن طالب دراسات عليا مغربي يدعى يحيي ويبلغ من العمر 25 عاماً، قوله: quot;ليس لدينا مساواة، أو حرية، أو ديمقراطية. ونحن نريد تغيير النظامquot;.

لا يمكن إخفاء مجزرة

في الختام نقلت الصحيفة عن سارة ليه ويتسن، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قولها: quot;من المحتمل أن تحدث كارثة متعلقة بحقوق الإنسان في ليبيا، في الوقت الذي يواجه فيه المحتجون بكل شجاعة الرصاص الحي والموت لليوم الثالث على التوالي. وتسعى السلطات الليبية الآن إلى فرض حالة من التعتيم المعلوماتي، لكنها لن تتمكن من إخفاء أنباء عن وقوع مجزرةquot;.