دعت منظمة العفو الدولية حكومة إقليم كردستان العراق إلى كبح جماح ميليشيات تابعة للحزبين السياسيين الحاكمين تواجه المظاهرات المناهضة بالرصاص، كما دعت السلطات الى فتح تحقيق مستقل وفوري في أعمال القتل التي جرت، وتقديم الجناة إلى ساحة العدالة، إذا ما تبيّن أن أعمال القتل كانت خارج نطاق القانون كما هو ظاهر.


محتجون أكراد يطالبون بإصلاحات

طالبت منظمة العفو الدولية، ومقرها في لندن، حكومة إقليم كردستان العراق برئاسة برهم صالح إلى كبح جماح الميليشيات التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، قالت إنهاقتلت محتجيْن اثنين يوم الأحد مع تواصل المظاهرات المناهضة للحكومة في في شمال العراق.

وأشارت المنظمة إلى أن الصبي سيركو محمد البالغ من العمر 17 سنة قد فارق الحياة أمس عقب إطلاق النار عليه أثناء مصادمات بين مئات المتظاهرين وقوات أمن حكومية وميليشيات مسلحة تابعةللديمقراطي الكردستاني في مدينة السليمانية، (330 كم عن شمال بغداد). وأضافت في بيان أن محتجًا ثانيًا قد توفي في المستشفى يوم الثلاثاء عقب إصابته بعيار ناري أثناء الاحتجاجات التي خلَّفت وراءها 30 جريحاً، كما قبض على محتجين آخرين على ما يبدو.

أوضاع قابلة للانفجار

تعليقاً على عنف قوات الأمن والميليشيات، قال مالكولم سمارت مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن quot;أعمال القتل هذه تصبّ الزيت على نار أوضاع قابلة للانفجار في السليمانية، وتمثل تطوراً يبعث على القلق الشديد أيضاً، إضافة إلى مأساويتهاquot;.

وشدد على أنه من الضروري تماماً أن تتدخّل السلطات لمنع وقوع المزيد من أعمال القتل وغيرها من الانتهاكات، ولكبح جماح ميليشيات quot;الحزب الديمقراطي الكردستاني ومحاسبة أعضائها بموجب القانونquot;.

quot;العفو الدوليةquot; لفتتإلى أن قوات الأمن فتحت النار واستخدمت الغاز المسيل للدموع ضد محتجين كانوا يحاولون الوصول إلى مقر quot;الحزب الديمقراطي الكردستانيquot;، وعلى ما يبدو بغرض إضرام النار فيه، مما أدى إلى إطلاق حراس المقر النار على المحتجين، وقتل ثلاثة منهم، بينهم صبي يبلغ من العمر 15 سنة منذ بدء الاحتجاجات خارج مكاتب المقر الرئيس للحزب الخميس الماضي، وكان المحتجّون يدعون إلى وضع حد للفساد.

وأضاف مالكولم سمارت quot;يتعين على السلطات الكردية أن تأمر على الفور بفتح تحقيق مستقل وفوري في أعمال القتل هذه، كما ينبغي تقديم الجناة إلى ساحة العدالة، إذا ما تبين أن أعمال القتل كانت خارج نطاق القانون، كما هو ظاهرquot;.

وقد شهدت الاحتجاجات إحراق مبان عدةلحركة quot;التغييرquot; الكردية المعارضة ومقر محطة الراديو والتلفزيون الرئيسوحديث العهد. ويتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتحالف مع الاتحاد الوطني الكردستاني زمام السلطة في حكومة إقليم كردستان العراق ذي الحكم الذاتي.

واختتم مالكولم سمارت بالقول quot;إن الحزبين السياسيين اللذين يحكمان شراكة الأقاليم الكردية الثلاثة في العراق ما برحا يحتفظان بميليشيات مسلحة تتصرف وكأنها فوق القانون، وقد سُمح لها بأن ترتكب انتهاكاتها لحقوق الإنسان دونما عقابquot;.

متظاهرون يطالبون بإصلاحات جذرية

محتجون في السليمانية

وقد تجددت اليوم التظاهرات التي دخلت يومها الخامس في مدينة السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق، وضمّت آلاف الأشخاص، مطالبة بإجراء إصلاحات سياسية ومكافحة الفساد وتحسين الأوضاع في الإقليم.

وتجمع المتظاهرون بعد منتصف النهار في ساحة التحرير في وسط المدينة السليمانية وهم يهتفون بسقوط الحكومة، ويطالبون بإصلاحات جذرية. كما رفع المتظاهرون لافتات كتب على إحداها quot;عندنا ساحة تحرير لا تنسوا حسني مباركquot;، وأخرى quot;نطالب بإصلاحات وتغييرات فورية قبل فوات الأوانquot;.

وتميزت تظاهرة الثلاثاء بمشاركة عدد كبير من الفنانين في الإقليم، الذين ارتدوا ملابس بيضاء، كتب عليها quot;جدار السلامquot;، ووقفوا حاجزًا بين قوات الأمن والمحتجين. ووزّع الفنانون الورود على قوات الأمن والمحتجين الذين بدأ عددهم يتزايد.

إلى ذلك، أعلن مصدر مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن الحزب قرر تغيير مسؤول فرعه في السليمانية هيوا أحمد على أثر إصابة عدد من المتظاهرين في احتجاجات الخميس الماضي.

وكان رئيس حكومة إقليم كردستان برهم صالح وصف التظاهرات في السليمانية ضد الحكومة بـquot;الفتنة والقائمين عليها بمثيري الشغبquot;. وأكد عقب اجتماع ضم مسؤولين في الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية في الليلة الماضية quot;أنا أسمّي هذه الحالة بالفتنة لأنها تحاول خلق فوضى، سيتضرر منها جميع الشعب الكرديquot;.

وقال صالح quot;أنا كرئيس لحكومة إقليم كردستان أؤكد أن حماية تجربة الإقليم مهمة تقع على عاتق حكومة كردستان، مشيرًا إلى أن التظاهر حق مشروع للمواطنين، وأنه لن يتم منع المواطن من ممارسة هذا الحق، لكن يجب أن يكون التظاهر في إطار القانون، وقال quot;إن الحرية لاتعني التجاوز على حقوق الآخرينquot;.

وحذر صالح من أنكل الأعمال الإستثمارية والتجارية قد توقفت في الإقليم بسبب الأحداث،وقال إنه quot;حتى حركة العمل الديبلوماسي والسياحة والسفر في طريقها إلى التوقف، ودعا مواطني إقليم كردستان النظر إلى هذا الوضع بضمير ووجدان، وأرجو أن لا ينهار وضعناquot;.

وحول محاربة الفساد وبرنامج الحكومة في هذا الإطار، قال رئيس حكومة إقليم كردستان quot;إن الفساد مسألة مطروحة، ونحن في إقليم كردستان وضعنا خطوات جدية لمحاربة هذه الآفةquot;. وأضاف quot;نحن لاننكر وجود فساد، لكن المبالغة فيه أمر غير جيد، علينا إحالة هذا الملف إلى القضاء لكي يأخذ القانون مجراهquot;. وشدد على ضرورة العمل معًا لمعالجة هذه الظاهرة في إطار المؤسسات الشرعية.

برهم صالح وقع قرارات بإصلاحات حكومية

جاء اجتماع القوى الكردية هذا في وقت وقّع صالح على قرارات بإصلاحات حكومية تلبية لمطالب المتظاهرين من بينها إحالة ملفات الفساد إلى القضاء وتعديلات في الرواتب وتوسيع سلطات الإدعاء العام. ومن بين هذه القرارات إحالة ملفات الفساد الذي رفع من قبل هيئة الرقابة المالية إلى القضاء وإجراءات متعلقة بالعدالة في الرواتب وتوسيع سلطات الادعاء العام.

وكان الحزبان الكرديان الرئيسان بزعامة طالباني وبارزاني اتهما الجمعة الماضي حركة التغيير المعارضة بتنفيذ هذه الاحتجاجات. لكن الحركة ردت بالقول إنها لم تشارك في هذه التظاهرات، وأكدت سيطرة قوات الأسايش التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني على ثمانية من مقارها في محافظة أربيل.

وأشارت الحركة إلى أن أحداث الأيام الأربعة الماضية في اقليم كردستان كانت نتاج أزمة سياسية اقتصادية ادارية متراكمة منذ سنوات عدةفي ظل انعدام ارادة حقيقية لمعالجتها. وقدمت في بيان الى الراي العام الكردستاني يتضمن سبع فقرات مشروعا للاصلاحات الجذرية.

ودعت المسؤولين في الاقليم الى انهاء كل مظاهر التوتر وتطبيع الاوضاع فورًا، من خلال سحب جميع القوات المسلحة التي جرى تحريكها أخيرًا، واعادتها الى ثكناتها السابقة، واطلاق سراح جميع المواطنين المعتقلين والمحتجزين على خلفية المظاهرات. كما طالبت بمقاضاة جميع القادة والمسلحين الذين وجّهوا نيران اسلحتهم ضد المواطنين او اصدروا اوامر بذلك، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمتابعة صريحة وواضحة للأعتداءات التي تعرضت لها المقار الحزبية في السليمانية واربيل ودهوك،اضافة الى التجاوب مع مطالب المتظاهرين والشروع في تنفيذها فورًا ومن دون تاخير.

في الإطار نفسه، وافق مجلس النواب العراقي على إدراج أحداث محافظة السليمانية ضمن جدول أعمال جلساته المقبلة، بعدما قدم ثمانين نائباً طلباً إلى رئاسة المجلس في هذا الشأن، مع توجه إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في أحداث السليمانية.