يرى خبراء أن الانتفاضات وحركات الاحتجاج في العالم العربي ستدفع الدول الغربية إلى محاكاة المنطقة بنظرة جديدة تتبنّى تطلعات الشعوب إلى التغيير والحريات، بدلاً من دعم أنظمة متسلطة أو غضّ الطرف عنها لحفظ المصالح.
بيروت: يقول خطار أبو دياب الخبير في الشؤون السياسية والأستاذ في جامعة باريس 11 لوكالة فرانس برس quot;نحن أمام انهيار نظام قديم في العالم العربي، وبلورة نظام جديد قد يستغرق أسابيع او أشهر أو سنوات، لكن هذا التسونامي الديمقراطي، الذي انطلق من سيدي بو زيد في تونس، لن يتوقف عند حدود معينةquot;.
ويضيف أن quot;الشباب العربي الذي نزل الى الشارع فرض على الدبلوماسيات الغربية عدم اعتبار الأنظمة قدرًا نهائيًا، وعدم اعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والنفعية، بل الاستماع الى الشعوب والمعارضاتquot;.
ويوضح ان quot;الهاجس بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية في علاقاتها مع الدول العربية كان الاستقرار، لا سيما بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر 2001، وبروز خطر الإرهاب الذي أعطى صدقية للمخاوف الغربيةquot;.
ويقول مدير مركز كارنيغي - الشرق الاوسط للدراسات بول سالم ان quot;الانظمة العربية أقنعت الغربيين بأن التطرف الإسلامي هو البديل إذا رحلت هي، لكن تبين أن هذا غير صحيحquot;. ويتابع quot;دخل الإسلاميون الثورات بعد انطلاقها، لكنها ليست ثوراتهم، لا تنظيمًا ولا شعارات، وهم مدركون ذلكquot;.
ويضيف ان الإسلاميين quot;سيطروا خلال السنوات الثلاثين الأخيرة على الوعي العام بشعاراتهم الدينية، لكن تبين ان الشعب يريد أمورا أخرى: يريد الحرية والحداثة، يريد التنوع والديمقراطيةquot;.
في quot;ثورة الياسمينquot; في تونس وquot;ثورة 25 كانون الثاني/ينايرquot; المصرية، وفي كل الاحتجاجات التي تعمّ العالم العربي، تحرك الشارع المحبط والمهمش والساعي الى الحقوق بدفع من شبان وشابات منفتحين على التقنيات الحديثة ورافضين الفساد ومطالبين بفرص عمل وبالحريات.
ويأخذ الكثير من الناشطين والمثقفين في الدول الغربية على حكوماتهم سوء تقديرها، لا سيما في الاسابيع الاولى من الانتفاضات، للتغيير الذي يشق طريقه في الدول العربية، وترددها او تأخرها في تأييد مطالب الشعوب خوفاً على علاقاتها المميزة مع قادة هذه الدول.
وتوضح الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط أنياس لوفالوا صاحبة كتاب quot;الشرق الاوسط، دليل الاستعمالquot;، لفرانس برس ان التحركات الشعبية العربية quot;احدثت مفاجأة قوية على مستوى الحكومات الغربية التي كانت تنظر الى العالم العربي من خلال عدستين: مكافحة التطرف الاسلامي ومكافحة الهجرة غير القانونيةquot;.
وترى ان هذه النظرة quot;حجبت الرؤية عن قادة الغرب الذين حصروا حوارهم مع المسؤولين السياسيين لضبط الهجرة والتطرف، ولم يلمسوا التغيير الحاصل في المجتمعات على الضفة الجنوبية للمتوسط، لا سيما بين الشبابquot;.
واذا كانت عواصم، مثل واشنطن وباريس، استدركت إرباك الأسابيع الأولى، واتخذت مواقف أكثر حزمًا لجهة رفض العنف والمطالبة بالاستماع إلى صوت الشعب، وصولاً الى دعوة القادة، وآخرهم العقيد الليبي معمّر القذافي، الى الرحيل، فإن علاقاتها مع الديمقراطيات الناشئة في مرحلة ما بعد الثورات لا تزال غير واضحة.
وتقول لوفالوا quot;يجب ان يقبل الغرب حقيقة ان هذا العالم تغير، وان محادثيه التقليديين لم يعودوا مقبولين ومحترمين في مجتمعاتهمquot;.
وتضيف quot;بالتالي لا بد من إقامة حوار مع محادثين جدد ومع المجتمع المدني، والعمل معهم بجدية من اجل إعادة الثقة المفقودة وتحقيق تبادل متوازن مع شركاء حقيقيينquot;. وهي ترى ان quot;المشكلة الآن تكمن في معرفة من هم هؤلاء المحاورون الجددquot;.
وأثار محللون احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة في دول مارست القمع لعقود طويلة ضدهم، الا ان كثيرين يعتبرون ان النزعة الى الديمقراطية ستجرف في طريقها كل تطرف.
يقول سالم quot;تبين ان الشعب أوسع بكثير من التيار الإسلامي، ولو ان هذا الأخير هو اكبر تيار منظم واكبر كتلة منفردة في المرحلة الحالية، وسيجد له مكانا من دون شك في اي انتخابات ديمقراطية مقبلة بحجم محدد. غير ان هذه الثورات هي أفول لمرحلة صعود الإسلام السياسي. لقد سبقه الزمن والشعبquot;.
ويشير سالم الى ان من أهم الاعتبارات التي سيبني عليها الغرب في المرحلة المقبلة سياسته سيكون الموقف من إسرائيل والنفط والحفاظ على مصالح الشركات الأوروبية والأميركية العاملة في الدول النفطية.
ورى أن quot;موضوع النفط مهم، لكن الموضوع الإسرائيلي في مصر اهم من النفط الليبي مثلا. ففي مصر، ستكون واشنطن محبذة لأي نظام لا يكسر معاهدة السلام مع إسرائيلquot;. ويشدد خطار ابو دياب من جهته على ضرورة ان يتعاطى الغرب في المرحلة المقبلة مع الدول العربية على قاعدة المساواة والعدالة، لا سيما في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
ويقول quot;ثبت ان كل هذه الثورات والانتفاضات غير إيديولوجية، وتسعى فقط الى الكرامة، كما الى الحرية والخبز والعدالة الاجتماعيةquot;.
ويضيف quot;الا ان مدى صلابة التحولات يكمن ايضا في إنتاج مشهد اقليمي جديد اكثر استقرارا وعدالة، ومن ضمنه اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياةquot;. ورأى ان quot;ذلك سينزع الكثير من الصواعق المستقبلية حيال هذا الشرق الأوسط المتفجرquot;.
التعليقات