الأنباء التي تحدثت عن مرتزقة أفارقة يوظّفهم العقيد القذافي لقتل المتظاهرين الليبيين أتت وبالاً على المهاجرين من القارة السوداء المستقرّين منذ زمن لأسباب اقتصادية أو سياسية. لكن العداء تجاه السود ينبع من وباء العنصرية الذي يسود، ليس ليبيا وحدها، وإنما في مختلف أرجاء العالم العربي العريض.


بينما تنزلق ليبيا بلا كابح إلى أتون الحرب الأهلية، يجد المهاجرون من دول أفريقيا السوداء أن حياتهم العادية صارت جحيمًا تحت خطر تعرضهم للتعذيب والقتل في جريرة المرتزقة، الذين قيل إنهم يقتلون الثائرين على القذافي بأموال وأوامر منه ومن أبنائه.

ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة في ليبيا بحوالي 2.5 مليون شخص، يعمل سوادهم الأعظم في الوظائف الدنيا، ولا يجدون أي نوع من السند أو الحماية من حكوماتهم، ولا يملكون ما يكفي من المال لعودتهم إلى بلادهم. وحتى أولئك الذين يملكون المال لا يجرؤون على الخروج إلى الطرقات خوفًا من البطش الفوري بهم.

على أن صحيفة laquo;كريستيان ساينس مونيتورraquo; (سي إس إم) الأميركية تتناول المسألة من زاوية أخرى عريضة، وتنسب إلى الخبراء وإلى الأفارقة أنفسهم القول إن العداء تجاه السود ينبع من وباء العنصرية، الذي يسود ليس ليبيا وحدها، وإنما في مختلف أرجاء العالم العربي العريض أيضًا.

في ما يتعلق بليبيا تحديدًا، تقول الصحيفة، فقد زاد بلة الطين توجّه القذافي لشراء ولاء السود في جنوب بلاده. وتكتمل الصورة بجهود العقيد الهائلة لسنين طويلة سعيًا إلى بناء شبكة أفريقية سوداء تحت رعايته بلا أي راع لمصالح الغالبية العربية في بلاده.

وتنقل الصحيفة عن نعيم جناح، المدير التنفيذي لمركز أفريقيا والشرق الأوسط في جوهانسبرغ، قوله laquo;ثمة مستويات من العنصرية داخل المجتمع الليبي، تتصف بقدر كبير من الإشكالية. فهي لا تقتصر على كونها موجّهة نحو الأفارقة السود، وإنما نحو الليبيين السود أيضًا. وخذ الحارسات الشخصيات للقذافي، هن يأتين بمعظمهن من جنوب ليبيا لأنه يثق في أهل الجنوب أكثر من ثقته في أهل الشمال لأسباب قبلية وعوامل أخرىraquo;.

يوافق أيزاكا سواري، من معهد الدراسات الأمنية في جوهانسبرغ، أيضًا هذا الرأي، مضيفًا إن عداء الليبيين العرب للسود مرتبط بتحالفات القذافي القبلية، وأيضًا بالاعتقاد السائدبين الناس من أنه يفضل جنوب البلاد على شمالها، إضافة إلى تفضيله laquo;الأفريقيةraquo; على laquo;العروبيةraquo; عمومًا. ويقول إن الإحساس السائد وسط الناس في شرق ليبيا laquo;المحررraquo; هو أنه لا يوجد laquo;ليبيraquo; يؤيد القذافي، وبالتالي فإن من يُسمّون مؤيدين ما هم - بالنسبة إليهم - إلا مرتزقة أفارقة.

وقد تمكنت الحكومة الغانية من إعادة نحو 500 من رعاياها العاملين في ليبيا، وعددهم أكثر من 10 آلاف. ويقول ابراهيم زكريا، وهو أحد هؤلاء العائدين: laquo;لم يغمض لنا جفن منذ إنتشار الأحاديث عن مرتزقة أفارقة. وحتى عندما كنا نتوخى شيئًا من الراحة فقد كنا نحتفظ بنعالنا على أقدامنا استعدادًا للهروب الفوري في حال مهاجمتنا داخل ديارناraquo;. ويشير الى ما يرتديه من ثياب قائلاً laquo;هذا هو كل ما عدت به من ليبيا. لكنني محظوظ لأنني على قيد الحياة وفي وطنيraquo;.

وتنقل الصحيفة عن غاني آخر اسمه حسين قوله إنه ظل يعمل لشركة إنشاءات تركية في بنغازي على مدى السنوات الثلاث الماضية، وإنه عانى في تلك الفترة شتى أشكال العنصرية اللفظية والجسدية. ويضيف قوله laquo;قذفوني بالحجارة أكثر من مرة، وكانوا يسمّونني laquo;العبدraquo; من وراء ظهري، وأحيانًا في وجهيraquo;.

وتمضي الصحيفة قائلة إن العنصرية تجاه العمال المهاجرين من أفريقيا السوداء ليست ظاهرة جديدة في ليبيا. وتستشهد بأن laquo;الكونفيدرالية الدولية لنقابات العمال الحرةraquo;، التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، أصدرت بيانًا في العام 2000 أدانت فيه ما وصفته بالعنصرية المتفشية في البلاد.

وقالت الكونفيدرالية إنه بعد انقضاض الحكومة على المهاجرين بشكل غير شرعي وقتها، استهدف الشباب العمال من العديد من دول أفريقيا السوداء، خاصة في شرق ليبيا. وقال البيان إن هذا حدث بسبب ما يشاع عن أن هؤلاء المهاجرين يتاجرون في المخدرات والكحول.

وتضيف الصحيفة القول إن laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; المعنية بحقوق الإنسان سجلت أيضًا انتهاكات ضد الأفارقة السود من العمال وطالبي اللجوء السياسي في ليبيا في العامين 2006 و2009. وتشير الى أن laquo;لجنة الأمم المتحدة لمحاربة التمييز العنصريraquo; بذلت جهودًا عديدة للضغط على الحكومة الليبية من أجل التصدي لما أسمته laquo;التمييز البيّن ضد المهاجرين الأفارقة السودraquo;. وتختتم بالقول إن مجلس حقوق الإنسان أثار الموضوع نفسه في فبراير/ شباط 2010.