أفرجت السلطات السورية الثلاثاء عن الناشط الحقوقي المحامي هيثم المالح، الملقب بـquot;شيخ الحقوقيينquot; في سوريا، وفقاً لما أكده مصدر مسؤول، ونجل المالح، وذلك بموجب عفو رئاسيّ أصدره الرئيس بشار الأسد الاثنين الماضي.
دمشق: أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء الإفراج عن الناشط السوري في مجال الدفاع عن حقوق الانسان المحامي هيثم المالح الذي كان يمضي عقوبة بالسجن ثلاث سنوات، وذلك بموجب العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد امس.
ووصل المالح الى بيته بعد أن أفرج عنه بموجب العفو الذي اصدره الرئيس الاسد، لأنه تجاوز السبعين من العمر والحكم بحقه صدر قبل السابع من آذار- مارس كما نص القرار.
وقال المحامي المالح بعد وصوله الى منزله ظهر اليوم quot;خرجت مساء أمس من سجن عدرا المركزي قرب دمشق وتم نقلي الى إحدى الجهات الأمنية السورية ثم أطلق سراحي عند الساعة 12 بتوقيت دمشقquot;.
وكان الأسد أصدر أمس عفوا عاما عن الجرائم الصغرى (الجنح) المرتكبة قبل تاريخ يوم الاثنين السابع من آذار مارس، لا يشمل المعتقلين السياسيين بإستثناء الناشط هيثم المالح لتجاوزه سن السبعين.
وطالب المالح (80 سنة) السلطات السورية بإغلاق quot;ملف الاعتقال السياسي الى الأبد لأن المساجين هم أصحاب رأي وليس لديهم طروحات تدعو إلى العنف، واعتقد ان كل إنسان له الحق في ان يعبر عن رأيه ، وآمل من السلطات ان تفهم هذا الأمرquot;.
وقال المالح ان سجناء الرأي في سجن عدرا بدأوا إضرابا عن الطعام منذ أمس الاثنين ورفعوا عريضة إلى مدير السجن تطالب quot;بطي ملف الاعتقال السياسي نهائياً ورفع المظالم ورد الحقوق التي سلبت من الحياة المدنية والسياسيةquot;. وأضاف انه وقع على العريضة مع بقية المعتقلين وهم: حبيب الصالح، ومصطفى جمعة وعلي العبد الله ومحمود باريش وكمال اللبواني ومحمد سعيد العمر ومشعل التمو وأنور البني وخلف الجربوع وسعدون شيخو وإسماعيل عبدي وكمال شيخو.
تاريخ نضالي طويل
يلقب هيثم المالح بشيخ الحقوقيين السوريين وهو من مواليد دمشق في العام 1931، حاصل على إجازة في القانون ودبلوم في القانون الدولي العام. وقد بدأ عمله كمحام عام 1957. وانتقل عام 1958 إلى القضاء. وأصدرت السلطات السورية في العام 1966 قانوناً خاصاً سرح بسببه من عمله كقاض، فعاد إلى المحاماة التي ما زال يمارسها إلى اليوم.
بدأ المالح نشاطه السياسي في العام 1951 إبان الحكم العسكري للرئيس أديب الشيشكلي.
وإستهل مسيرته مع المعتقلات السياسية عام 1980 عندما إعتقل مع عدد كبير من النقابيين والناشطين والمعارضين السياسيين السوريين بعد أن طالبوا بإصلاحات دستورية في البلاد في عهد الرئيس حافظ الأسد. ونفذ خلال إعتقاله إضراباً عن الطعام مرات عدة بلغ مجموعها 110 أيام، منها سبعون يوماً متواصلة أشرف خلالها على الموت. إلى أن تم الإفراج عنه عام 1986.
أصبح هيثم المالح منذ العام 1989 من الناشطين في منظمة العفو الدولية. كما ساهم في العام 2001 في إنشاء جمعية حقوق الإنسان في سوريا. لكن أنشطة هذه المنظمة جرى تجميدها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
الإعتقال الأخير
كان المالح قد إعتقل في الرابع عشر من تشرين الاول أكتوبر 2009، بتهمة quot;نشر أنباء كاذبة من شأنها ان توهن نفسية الأمةquot;، وأحيل في 27 من الشهر نفسه إلى النيابة العامة العسكرية التي استجوبته حول عدد من اللقاءات الإعلامية ومجموعة من المقالات التي كتبها.
وبعد إدانته صدر الحكم من محكمة عسكرية بسجنه ثلاث سنوات في حزيران- يونيو 2010.
وقد أعلنت منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان في لندن ودمشق يومها أنه معتقل من قِبَل فرع الأمن السياسي بدمشق، على خلفية حوار هاتفي أجرته معه فضائية بردى السورية المعارضة، وقد انتقد المالح في حواره الوضع السوري الراهن ودعا إلى محاربة الفساد. وقال: quot;في سوريا، يزداد الفقير فقراً، بينما يزداد الغني تخمةً، إضافة إلى نهب المال العام والفساد المستشري.. وبسبب هذا الوضع غير المقبول، تفكّر كل مجموعة بالتحرّك بصورة من الصورquot;.
وأضاف: quot;المستقبل مرهون بيد الشعب، وعلى الناس أن تدافع عن مصالحها، وأنه على كل مواطن أن يعي حقوقه ويدافع عنهاquot;، وquot;ويجب أن لا نتنكّر عن الحقّ وإلا تدمّر البلدquot;.
وكان الأمن السياسي قد استدعى المالح بتاريخ 13 تشرين الأول أكتوبر للاستجواب، لكنه رفض الذهاب حسب الاستدعاء. وغادر منزله في صباح اليوم التالي فلم يعد إليه. وحين حاول أصدقاؤه الاتصال به على هاتفه المتحرك في حدود الساعة 12:30 ظهراً، تبين أن هاتفه مغلق. ولم يتمكن أقاربه وأصدقاؤه من التوصل لأي معلومات عن مكانه، إلى أن تبين لاحقاً أن مسجون.
نفذ المالح إضراباً عن الطعام لعدّة أيام احتجاجا على ظروف اعتقاله والعنف الذي مورس عليه وعلى رفاقه في السجن. خاصة بعد التضييق عليه وعلى زيارات عائلته له مما أدى إلى تدهور حالته الصحية.
المقابلة التلفزيونية
لم تخل المقابلة التي اعتقل المالح إثرها من الآراء التي طالما جاهر بها، ففي 12 أكتوبر وعلى قناة بردى السورية المعارضة تحدث المالح ضمن برنامج بانوراما عن القبضة الأمنية التي تشتدّ من شهر إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى في سوريا، فقال quot;أحوالنا في هذا العام هي أسوأ من العام الماضي، فالإعتقالات تزدادquot;. وضرب مثالاً إعتقال زميله مهند الحسني لمجرد رصده للمحاكمات والأحكام التي كانت تصدر في محاكمات علنية. فتضايق منه الأمن واعتقله، وأصدر قاضي التحقيق مذكرة توقيف بحقه، في ظل قضاء سوري تمّت السيطرة عليه. ثم تحركت النقابة مع الأمن لترفع ضد الحسني دعوى مسلكية بالمواد نفسها المنصوص عليها في قضيته أمام قاضي التحقيق.
وأشار المالح إلى أنه كل من يتحرك في سوريا في الجانبين السياسي أو الاجتماعي، يتحرك بشكل سلمي. فإعلان دمشق مثلاً ينادي بالتغيير السلمي الديمقراطي المتدرج. وما من أحد يعتقد أن هناك طريق للتغيير بالعنف أو الثورة.
وأكد أن السلطة لديها إمكانيات ضخمة من حيث الجيش والمخابرات والشرطة والأسلحة ووسائل القمع، لكنها تتمترس خلف قوانين خارجة عن أي مفهوم حقوقي أو مفهوم عدالة. وأعطى مثالاً المرسوم رقم 14 من عام 1969 الذي أباح لعناصر الأمن ارتكاب الجرائم دون محاسبة، كذلك القانون 49 الخاص بالإخوان المسلمين، وفوق كل ذلك، حالة الطوارئ المعلنة استناداً إلى قانون الطوارئ.
وفي رده على عضو حزب البعث عمران الزعبي الذي سبق أن نفى وجود نية بالعفو عن معتقلي إعلان دمشق ووصفها بالشائعات التي تأتي من باب الأمل كما اعتبر المالح أن تحركات تجمع إعلان دمشق خاطئة بالتوقيت والمضمون، وقال أن الزعبي لا يمكنه الدخول إلى عقل السلطة ليعرف إذا كان لديها اتجاه بالعفو المذكور. وفي نفس الوقت، لم يعتقد المالح من حيث المبدأ أن السلطة تتجه نحو الانفتاح على الناس، حيث العفو هو جزء من الانفتاح. كما أكد ان اعتقال جماعة إعلان دمشق خاطئ.
وتحدّث عن واقع الحال في البلد قائلاً أن القوانين لدينا في الكتب فقط، وأن الكتب على الرف منذ زمن بعيد. ليس فقط القوانين التي تمثّل الحياة السياسية والاقتصادية، بل القوانين المدنية أيضاً. وأكد أن البلد تُدار بواسطة أوامر وبلاغات وتعليمات، وأنه ليس في سوريا أي شخص على رأسه مظلة تحميه من عَسْف السلطة وعدوان الأجهزة الأمنية. وأضاف أنه يجري تعطيل الدستور السوري في ظلّ حالة الطوارئ، فالأجهزة الأمنية الآن تصدر أوامر كي تصادر بيوت الناس.
واعتبر المالح في البرنامج أن حزب البعث مجرد واجهة، وبعض أفراده متنفذين ومستفيدين من السلطة، بينما من يحكمون البلاد هم خلف الستار. كما قال أنه لا يعرف من بيده الأمر في هذا البلد من أجل حلحلة مشاكل الناس، ومن بيده مفتاح المستقبل.
ولم يعتقد المالح أنه سيجري في المدى المنظور إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، كَوْن السلطة تتمترس به.
وعن حديث رئيس مجلس الشعب السوري محمود الأبرش عن عدم حاجتهم لإصدار قانون أحزاب جديد في سوريا معتبراً أنها سبّاقة في تطبيق الديمقراطية من خلال مجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية، عّق المالح أن في هذا الكلام استخفاف بعقول السوريين وضحك على البشر.
جوائز الكرامة والنضال
خلال وجوده في السجن، منحت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان ومقرها في سويسرا جائزة الكرامة لحقوق الإنسان لعام 2010 للمحامي هيثم المالح وذلك تكريما له وعرفانا بسنوات عمره التي كرسها للدفاع عن حقوق كل السوريين.
كما سبق أن حصل على جائزة اللجنة الاستشارية الوطنية (الفرنسية) لحقوق الإنسان عن بحثه quot;من التعذيب إلى منع التعذيبquot;. وتسلم الجائزة من السفير الفرنسي في دمشق في احتفال خاص في كانون الأول ديسمبر العام 2004 كون السلطات منعته من السفر إلى باريس لإستلام الجائزة.
وحصل المالح أيضاً على ميدالية جيزين الهولندية تكريما لنضاله الشجاع من أجل حقوق الإنسان في آذار مارس العام 2006.
التعليقات