شن صحافيون وسياسيون عراقيون هجوما مقذعا ضد الحكومة العراقية بسبب ما رافق التظاهرات التي جرت في البلاد خلال الايام الاخيرة من إنتهاكات واعتقالات لاعلاميين ومحاولات إغلاق مقرات تابعة لبعض الاحزاب واتهموا القوات الامنية بتعذيبهم في وقت اشار احدهم الى تهديده بالاغتصاب. فيما اكد ممثلا الحزب الشيوعي وحزب الامة أن ما حصل لهما هو أخطر بكثير مما جرى إستعراضه وما تعرض له الإعلاميون من انتهاكات لحقوق الإنسان.


أوصت ندوة تشاورية نظمتها مؤسسة المدى بمعاقبة المسؤولين عن تعرض صحافيين ومتظاهرين إلى الضرب والاعتقال غير القانوني، كما نددت باستخدام العنف ضد الاحتجاج السلمي خلال الأسبوعين الماضيين. وقدم أربعة صحافيين شهادات عن ظروف اعتقالهم وتعرضهم إلى التعذيب من قبل الأجهزة الأمنية بعد انقضاء تظاهرة جمعة الغضب في 25 شباط.

وتحت شعار (لنتشاور معا من أجل توحيد كلمتنا وتحويل الاحتجاج إلى قوة دعم للديمقراطية) عقدت يوم الأربعاء في قاعة المركز الثقافي النفطي ببغداد ندوة تشاورية لتأييد الاصلاح وصيانة الديمقراطية في العراق اقامتها مؤسسة المدى خاصة مع الاحداث التي رافقت التظاهرات التي انطلقت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.

إفتتح الندوة الصحافي عامر القيسي قائلا: ان هذه الندوة تعبر عن حال الشعب بعيدا عن الولاءات والاحزاب للمطالبة بحقوقه التي ضاعت ، انهم يطالبون بعدم تقييد الحريات العامة، انهم يطالبون بمحاسبة المفسدين ومحاربة الفساد ، انهم يطالبون بمطالب مشروعة بالقضاء على البطالة وبتحسين البطاقة التموينية وفي مختلف جوانب حياتهم التي انتظروا منها الكثير بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان / ابريل عام 2003 ، ولكن مع الاسف ان هذه التظاهرات الجماهيرية العفوية قوبلت من قبل المؤسسات الحكومية وتحديدا المؤسسات الامنية بعنف غير مبرر وانما افراط في العنف وصل الى حد استخدام الرصاص الحي.

واضاف: نحن هنا كنا نتمنى ان يكون من بين الحضور ممثل عن الحكومة وقد دعونا اكثر من مسؤول حكومي على اعلى المستويات بالاجهزة الامنية ومجلس الوزراء ولكنهم اعتذروا وكما يبدو ان هذه القضية غير مكترثين بها تماما . وتابع : الظاهرة التي رافقت هذه الاحتجاجات هي عملية اعتقال الصحفيين العراقيين واكرر هنا على عملية تعذيب الصحفيين التي جرت بطريقة (صدامية) ولدينا شهود ، نحن لسنا مع اسقاط النظام ، نحن مع النظام الجديد ، مع الديمقراطية الجديدة مع عراق التغيير بعد 2004 ولكننا لسنا مع هذه الممارسات التي اكلت كثيرا من جرف الديمقراطية .

ثم ارتقى المنصة الاربعة الذين تحدثوا عن ظروف اعتقالهم . فقال المخرج والإعلامي هادي المهدي : اريد ان اقول من خلال هذا اللقاء العراقي المبارك انني ارى عراقا يبزغ من بين التظاهرات ، من المطالب المشروعة ، عراق يبزغ من دم وحيد امه وابيه الذي سقط في البصرة ، عراق يبزغ من دم الطفل الذي قتل في السليمانية ، ثمة من يصر الى يومنا هذا والى هذه اللحظة ان يقود العراق بالقوة ولكننا مصرين على المطالبة بدولة المواطن بدولة كرامة المواطن المساواة والعدالة، ثمة من اختطف البلد ويريد ان يعسكر وأن يورط الجيش العراقي الشريف الذي هو سور للعراق ، ثمة من يريد ان يورط جنرالات الجيش العراقي بدماء وكرامة المتظاهرين العراقيين، الى هذا المهووس الموهوم اقول : اياك ان تورط الجيش العراقي بحكومة فشلت بكل وزراراتها وصباتها واحتلالها وعملائها واجنداتها ان توفر ابسط متطلبات العيش الكريم للعراقيين . واضاف : ما حدث معي من اعتقال وتعرض للصدمات الكهربائية والتهديد بالاغتصاب والاهانة هو فيلم اخر شاهدته من ايام البعث البغيض عندما اعتقلت مرتين.

أما السينمائي والإعلامي علي السومري فقال : الجميع يعرف ما حصل لنا من اختطاف في شارع الكرادة ، لا نريد ان نعود للقصة المرعبة التي كادت ان تتكرر يوم امس الاول معي ومع الزميل احمد عبد الحسين بعد ان تم اعتقالنا لمدة لا تزيد عن الساعة في سيارة (همر) وعصب اعيننا ، ولكن الحمد لله خرجنا سالمين.

واضاف: أن ما حصل خلال التظاهرات مرعب وهو بداية كارثة حقيقية كادت تتسبب في انهيار نظام ديمقراطي ناضلنا من اجله وحاربنا من اجله وكتبنا طوال السنين الثمان، اننا مع البناء الديمقرطي. وتابع : منذ لحظة اعتقالي وأنا أفكر بما تحدثنا به انا وزميلي الشاعر حسام السراي عندما التقينا مثقفين عرب في بيروت وقلنا لهم ان العراق الجديد يختلف كثيرا عن العراق القديم ، قلنا لهم ان العراق متحرر وفيه من مناخات الحرية ما يجعلنا نفتخر فكتبوا في صحفهم أنهم يتمنون أن يحصل لهم ما حصل لنا، لكن ماذا أقول لهم الآن؟ ، وعلى الرغم مما حصل لي حيث قاموا بتعذيبي وضربي وإجباري على أن القول بأنني بعثي.. لست بعثياً ، يسقط البعث ، نحن مع إصلاح النظام .

أما الشاعر والصحافي حسام السراي فقال إن ما حصل معنا طريقة مختلفة في الطغيان وفي الاستبداد ، نعم اقول ذلك عندما ينهال عليك اكثر من 15 جنديا عراقيا باخمصات بنادقهم فاعرف ان العراق نحلم به قد مات . واضاف : عندما ذهبت الى ايطاليا لتسلم جائزة في الشعر سئلت عن العراق الجديد فقلت انه يختلف عما كان في السابق ، لكن لا أدري ما الذي أريد أن أقوله عن الحكومة.. هل أقول إن بغداد صارت مكبا للنفايات ومرتعا للفساد ومكانا للتعذيب هذا ما يؤسفنا حقا .

من جهته قال القاص والصحافي علي عبدالسادة : ان ملامح جديدة لصناعة دولة بوليسية، عبر تواصل اعتماد الطرق الوحشية في معاقبة الرأي الآخر. وقال عبدالسادة إن حالة من الإحباط الشديد تنتاب النخبة المثقفة ومعهم الوسط الديمقراطي والمدنيين من أن الدولة تضيق فعلا بمن لا يشاطرها الرضا على حال المحاصصة والفساد.

وأضاف: أثناء الاعتقال، وبعد ضرب مبرح أنهك قواي، سألني محقق لم أره بسبب عصاب الأعين.. لم أنت ضد دولة رئيس الوزراء، صمت وقلت في نفسي هل أنا في زمن صدام حسين.

على صعيد آخر، نفى قحطان عدنان ممثل قناة الديار الفضائية أن تكون الفضائية مدعومة من جهة ما، لكنها، رغم ذلك، تعرضت خلال تظاهرات يوم الغضب إلى مداهمة من قبل قوات الأمن، وأثناء بث أحداث ساحة التحرير ، وقال إن القوات الأمنية عبثت وحطمت الأثاث والأجهزة، فضلا عن اعتقال احد ضيوف القناة وعشرة اخرين من الزملاء العاملين فيها.

وقال عدنان إن المداهمة تمت من قبل 150 رجلا من رجال الأمن، وتابع:quot;اخذوا يضربونني على ظهري ورأسيquot;.

ثم تحدث عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي محمد جاسم اللبان، قائلا : إن ما حصل للحزب الشيوعي وحزب الأمة هو أكبر بكثير مما جرى استعراضه وما تعرض له الإعلاميون من انتهاكات لحقوق الإنسان أو مداهمة الحزبين معا. واضاف : إن التجارب العراقية أثبتت انه لا يمكن بناء الديمقراطية بدون ديمقراطيين، فالديمقراطية ليست قميصا يرتدى أو باروكة توضع على الرأس فلو قارنا الوعود والكلام المعسول قبل الانتخابات أو شعارات الأحزاب حول احترام الديمقراطية واحترام المرأة فانه يختلف تماما عما يجري الآن.

وأوضح اللبان بان هذه العقلية امتداد لما جرى في البصرة وبابل وما جرى في رفع التماثيل في كلية الفنون والاعتداء على مقر اتحاد الأدباء ومقر نادي آشور وهو نفسه ما حدث لحزبي الأمة والشيوعي. وتابع:هذه الممارسات لا يمكن القبول بها في تجربة وليدة للديمقراطية ولا علاقة لها بالبعثيين فقد قلنا لرئيس الوزراء نوري المالكي قبل ايام عندما سألنا هل ستشاركون في المظاهرات، قلنا له نعم سوف نشارك مع شعبنا، فإذا كنتم خائفين من البعثيين الذين تعطوهم شرفا مطلقا في المظاهرة، فان مشاركة الشيوعيين ستكون لمحاربة الفساد والمحاصصة.

من جانبه، قال ممثل حزب الأمة العراقية نائب الأمين العام عادل الجبوري إن حزبه يستأجر المقر من مواطن ولا علاقة لنا بالحكومة ونؤكد أن القرار سياسي صرف اتخذه مكتب رئيس الوزراء لما لهذين الحزبين (الشيوعي والأمة) من اختلاف عن بقية الاحزاب، ذلك انهما لم يشاركا في الفساد المالي، ولم يشاركا في الفتنة الطائفية، ولم يمدا أيديهما إلى دول الجوار. وقال إن حزب الأمة يرى أن مجلس النواب لا يمثل الشعب في الوقت الراهن، بل هؤلاء الشباب الذين كانوا جالسين هنا ينطقون بشهاداتهم.. هم من يحمي الوطن وهم السياسيون.

وطالب الجبوري مجلس النواب بتعديل قوانين الانتخابات وشروط العمر من 30 الى 25 سنة لأن الشباب اكثر ثقافة من المجلس النواب الحالي.

وفي ختام الندوة خرج الحاضرون بعدة توصيات هي:

اولا - على الصعيد الإعلامي:

- الإسراع في تشريع قانون يضمن حرية التجمع والتظاهر.
- ضمان الحرية الكاملة للتغطية الصحفية.
- تغيير القوانين الموروثة من حقبة البعث والتي تضع قيودا عدة على حرية التعبير.
- معاقبة المسؤولين على الاعتداء على المؤسسات الصحفية لتجاوزهم على صلاحيات لم تخول بها إلا هيئة الاتصالات.
- تحرير وسائل الإعلام التي تمول من المال العام من قبضة وهيمنة السلطة التنفيذية. والدعوة إلى أن تكون فضائية العراقية وجريدة الصباح منبرا لكل العراقيين.
- تهيئة بنية قانونية تضمن حرية العمل الإعلامي، لاسيما قانون حق الوصول إلى المعلومات وقانون حماية العمل الصحفي.

ثانيا ndash; على صعيد حركات الاحتجاج السلمية :

- إدانة التعامل مع الاحتجاج السلمي بالعنف والقمع لأنه سمة من سمات الدولة البوليسية، ونطالب بإطلاق سراح النشطاء المدنيين الذين شاركوا في التظاهرات.
- التصدي لمحاولات تشويه صورة المتظاهرين باستخدام وسائل الترهيب والتخويل.
- عد التظاهر حقاً دستورياً وفقاً للمادة 38 لا يجوز تحديده زمنيا أو مكانيا أو تقييده بأي شكل من الأشكال.