القاهرة: في خضمّ النقاش الذي دار حول الهجوم الجوي المدعوم من الأمم المتحدة ضد نظام العقيد الليبي معمر القذافي، توارت الحقيقة التي لم يُلتَفت إليها وتقول إن قرار مجلس الأمن الذي أجاز استخدام القوة فرض أيضاً عقوبات اقتصادية بعيدة المدى على أي دولة، منذ تلك التي تم فرضها على العراق قبل حرب الخليج التي اندلعت عام 1991.

وبالإضافة إلى صبغ التدخل العسكري بالدعم القانوني، فإن القرار رقم 1973 قد فرض تجميداً لأصول خاصة بالبنك المركزي الليبي، وهيئة الاستثمار الليبية، وصندوق الثروة السيادية الليبي، والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية. كما اشتمل القرار على بند يقضي بعدم تسيير أي طائرات تجارية ليبية.

ومثل العقوبات التي سبق وأن تم فرضها على إيران، قالت اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية إن الخطوة التي تهدف إلى قطع مصادر الدخل الرئيسة للقذافي قد تلحق أضراراً اقتصادية جانبية بالمواطنين العاديين.

كما أنها تمثل تحولاً على صعيد الجهود المبذولة من جانب مجلس الأمن على مدار العقد المنقضي لوضع عقوبات مستهدفة من شأنها أن تعاقب نخب الحكومات المارقة، وفي الوقت نفسه تعنى بتوفير الحماية للأناس العاديين من الصعوبات الاقتصادية القاسية.

ونقلت المجلة في هذا السياق عن دافيد كورترايت، الباحث في معهد كروك لدراسات السلام الدولية في جامعة سيدة اللويزة وواحد من أبرز خبراء البلاد المتخصصين في عقوبات الأمم المتحدة، قوله :quot; إذا استمر الجمود ولم يتغير النظام، فسيكون من شأن هذه التدابير أن تُجوِّع الاقتصاد. وعاجلاً أم آجلاً، وربما عاجلاً، ستبدأ ليبيا مواجهة صعوبات اقتصادية داخلية، وبالتالي، صعوبات إنسانيةquot;.

وبينما سبق لمجلس الأمن أن اتخذ قرارات سابقة بفرض عقوبات مماثلة على دول أخرى، أوضح كولين كيتينغ، المدير التنفيذي لتقرير مجلس الأمن :quot; الوضع مختلف في ليبيا، حيث استعانوا بطريقة ترتكز بشكل أكبر على quot;البنادقquot; لتقليص اقتصاد البلاد. ويجب عليّ القول إن ذلك يبدو بالنسبة لي شيئاً لم يسبق لي أن رأيته من قبل. وأعطى ذلك مجالاً للقيود الأوسع في النطاق التي نراها عادةً مع العقوبات المستهدفةquot;.

وفي وقت نجح فيه الحظر النفطي والتجاري الذي سبق لمجلس الأمن أن فرضه إبان فترة حكم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، عامي 1990 و 1991، في إجباره على إلغاء غزوه العسكري للكويت وتدمير برامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية، إلا أنه تسبب أيضاً في تعرض الأفراد لمشقة هائلة ndash; حيث أشارت بعض التقديرات إلى أن مئات الآلاف من الأطفال ربما توفوا نتيجة لسوء التغذية بسبب نقص الواردات الغذائية. وهو ما جعل مجلس الأمن يُقدِم على وضع برنامج إغاثة إنساني كبير في العام 1996، أتاح للعراق فرصة بيع إنتاجه النفطي ndash; تحت سيطرة الأمم المتحدة ndash; من أجل شراء أغذية وبضائع إنسانية وغيرها من الإمدادات الضرورية. ثم تم حلّ هذا البرنامج عام 2003 بعد غزو العراق، وقد أظهرت سلسلة من التحقيقات التي أجريت بعد ذلك أن إدارة هذا البرنامج كانت مليئة بالفساد.

أما جولة العقوبات التي تم إقرارها مؤخراً ضد ليبيا ndash; وتضمنت القرارين رقم 1970 و 1973 ndash; فلم تشكل حظراً تجارياً رسمياً، واستهدفت عدداً قليلاً من الشركات والأفراد المرتبطين بالعقيد القذافي. لكن في دولة تفرض هيمنتها على الأوضاع الاقتصادية مثل ليبيا، رأت المجلة أن استهداف الدائرة الداخلية للنظام خطوة كافية لوقف عجلة الاقتصاد بأكمله. وقالت في هذا الصدد كارني روز، الدبلوماسية البريطانية السابقة التي أشرفت على السياسة البريطانية في برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق :quot; نحن ننظر في واقع الأمر في إمكانية فرض حظر نفطي. وهذا يبدو لي بمثابة الخطوة التي تهدف إلى إحاطة عملية شراء النفط من العراق بالمشكلاتquot;.

وفي ختام حديثها، قالت المجلة إن ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل من النفط يومياً، لكن الصادرات تأثرت بشكل كبير منذ أن تم فرض العقوبات. ولفتت إلى أن الائتلاف الدولي بقيادة أميركا وفرنسا وإنكلترا يبحث الآن عن طرق لتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب الليبي، بما في ذلك احتمالية فرض السيطرة على موانئ رئيسة، من ضمنها الموجود في مدينة بنغازي، لضمان تسليم الغذاء والدواء والإمدادات الأخرى. ومن المحتمل أن يستفيد المجتمع الدولي من ثروة ليبيا النفطية الخاصة لتغطية التكاليف.