بعد جولات من الأخذ والرد، والتمسك بالسلطة والمكابرة، يبدو أن إشارات تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بدأت تتبلور، خصوصاً مع ما أعلنه أمس عن لقاءات جرت مع المعارضة للخروج من الأزمة التي يعانيها اليمن، وذلك بعد قرابة ستة أسابيع من الإحتجاجات التي تشهدها البلاد. لكن يبدو أن صالح يناور وفق ما تراه المعارضة من خلال تمسكه بالسلطة لأنه يضع الشروط لتنحيه ونقل السلطة.
علي عبد الله صالح


صنعاء:بدأت إشارات تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بدأت تتبلور، خصوصاً مع ما أعلنه أمس عن لقاءات جرت مع المعارضة للخروج من الأزمة التي يعانيها اليمن، وذلك بعد قرابة ستة أسابيع من الإحتجاجات التي تشهدها البلاد. لكن يبدو أن صالح يناور وفق ما تراه المعارضة من خلال تمسكه بالسلطة لأنه يضع الشروط لتنحيه ونقل السلطة.

في سياق متصل، أعلن وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي لرويترز في وقت سابق انه قد يتم التوصل قريباً إلى إتفاق بخصوص إنتقال السلطة سلمياً في اليمن، إستناداً الى عرض الرئيس اليمني ترك السلطة في نهاية العام. ولكن لا يبدو ان هناك إتفاقاً وشيكاً لأن معارضي الحكومة شددوا من مطالبهم.

وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أطل أمس في أول مقابلة له منذ بداية الثورة اليمنية، مع قناة quot;العربيةquot; التي وصفها في بداية اللقاء بـquot;القناة المتوازنةquot;، وأشار إلى أنه مستعد للخروج المشرف من السلطة، قائلاً quot;إذا خرجت من السلطة بطريقة سلمية سأخرج مرفوع الهامة مش منحنيquot;.

وقال صالح ان quot;رحيله عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبى العام لا يجوز شرعًا لأنه لن يتخلى عن أنصاره ومؤيديه الذين يقدرون بالملايينquot;، وأضاف quot;أنا مسؤول عن أمن وسلامة البلاد، وأنا ملزم بالوصول بالبلد الى شاطئ الأمان.. لن ابحث عن مسكن في جدة ولا باريس ولا في أوروبا، سأبحث عن مسكن في مسقط رأسيquot;.

وفي حين تجري المحادثات بين السلطة والمعارضة على مسارين لصياغة تفصيلات صفقة لنقل السلطة سلميا، أشار ياسين نعمان زعيم ائتلاف المعارضة اليمنية إلى وجود خلافات كبيرة بين الجانبين، وانه في الوقت الذي توجد فيه بعض الاتصالات فإنه لا يعتبرها مفاوضات.

وقال ياسين نعمان، الذي يتولى الرئاسة الدورية لتحالف المعارضة اليمنية، انه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الجانبين، مضيفا أن صالح يناور.

وقالت مصادر سياسية يمنية ان من القضايا التي قد تعطل التوصل لإتفاق ما اذا كانت المعارضة ستقدم ضمانات بعدم ملاحقة صالح وعائلته ملاحقة قانونية. ويريد معارضو صالح أيضا ضمان أن يترك أفراد عائلته المقربون مواقعهم في السلطة.

وقال القربي في مقابلة مع رويترز quot;آمل أن يحدث ذلك (التوصل الى إتفاق) اليوم لا غداquot; مضيفا أنه يمكن التفاوض على اطار زمني لنقل السلطة.
تظاهرات معارضة للرئيس اليمني

وقال صالح الذي أشرف على اعادة توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990 وخرج منتصرا من حرب أهلية بعد أربع سنوات لوفد من القبائل في صنعاء يوم السبت انه يعمل على تجنب إراقة الدماء مستخدما كل الوسائل الممكنة.

وقال القربي quot;الرئيس صالح يرغب في النظر الى كل الاحتمالات ما دامت هناك التزامات جادة من جانب احزاب اللقاء المشترك (المعارضة) بأن تأتي وتبدأ حوارا جادا بينها وبين الحزب الحاكمquot;.

وقال القربي ان المناقشات تركز على الاطار الزمني لانتقال السلطة الى جانب قضايا اخرى. وأضاف quot;اعتقد ان الاطار الزمني شيء يمكن التفاوض عليه. يجب ألا يكون بالفعل عقبة أمام التوصل لإتفاقquot;. وعبر عن إعتقاده بأن quot;الأشياء قريبة جدا اذا كانت النية الحقيقية هي التوصل الى اتفاق بالفعل. لكن اذا كانت هناك أطراف تريد عرقلته فلا يمكن بالطبع للمرء حينئذ ان يتوقع ماذا سيحدثquot;.

واكد صالح في حديثه مع quot;العربيةquot; ان اجتماعات عقدت خلال اليومين الماضيين وشملت مناقشة بشأن خطاب رئاسي للبرلمان. وقال quot;كان هناك اجتماع يوم امس وامس الاول في بيت نائب الرئيس يضم قيادات اللجان المشترك واللواء علي محسن والسفير الامريكي للبحث عن كيفية الخروج من هذه الازمة.quot;

واضاف صالح انه يرحب بالوساطة السعودية او الخليجية لحل الازمة، لكنه انتقد المعارضة التي قال انها مؤلفة بشكل اساسي من الاشتراكيين والاسلاميين الذين يحاولون الوصول الى السلطة على ظهر حركة الاحتجاج الشبابية. وقال quot;انتم اقلية اعتصامهم في الشوارع لا يشكل 2.5 % من 25 مليون اذا كان هو معتصم بأربعة آلاف، أنا معتصم بمليون، وإذا كان يعمل مسيرة بعشرين ألفا أنا اعمل مسيرة بمليونين او ثلاثة ملايين، فكيف الأقلية تلوي ذراع الغالبيةquot;.

ورد صالح على التظاهرات الحاشدة ضد حكمه بحملة عنيفة وسلسلة من التنازلات رفضتها جميعًا أحزاب المعارضة بينها عرض الاسبوع الماضي بنقل السلطة بعد صياغة دستور جديد واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بنهاية العام.
وتظاهرات مؤيدة للنظام

ويساور الدول الغربية القلق من أن متشددي القاعدة قد يستغلون اي اضطراب ينشأ من انتقال فوضوي اذا تخلى صالح، وهو حليف محوري للولايات المتحدة والسعودية، عن الحكم، بعدما أمضى 32 عاما في المنصب. وتعتبر واشنطن والرياض صالح درعا ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي حاول شنّ هجمات خارج اليمن منذ عام 2009 في السعودية والولايات المتحدة.

لكن المدّ تصاعد ضد الرئيس اليمني بعدما قتل قناصة موالين له 52 متظاهرًا قبل أسبوع عقب صلاة الجمعة. وأدى ذلك الى سلسلة من الانشقاقات التي اضعفت موقف صالح، وشملت قادة عسكريين كبارًا مثل اللواء علي محسن وسفراء ومشرعين ومحافظين وزعماء عشائر بعضهم من العشيرة، التي ينتمي اليها صالح.

وقال صالح ان الانشقاقات جاءت اساسا من بين اسلامي جماعة الاخوان المسلمين، وعاد البعض الى صفه. واضاف ان محسن تصرف بشكل عاطفي بسبب اراقة الدماء التي حدثت يوم الجمعة، ولكن قوات الامن لم تكن وراء عمليات القتل تلك. واعتبر أن هناك مبالغة في عدد القتلى الذين بلغوا 52، قائلاً quot;مبالغ في الرقم أنا معلوماتي حوالي 41quot;.

وأكد صالح أن quot;اليمنيين كلهم قناصة، ما في واحد الا وهو مدرب على السلاح، وهذه من ضمن الدعاية يلفقوها اذا أرادوا أن يلفقوها على الامن المركزي، وأوصلوها حتى الى الحرس الخاص.. يعني ما يعرف يرمي الا الامن المركزي أو الحرس الخاص أو من الوحدات الخاصة وصلت بهم الدعاية الى هذا المستوى، لكن شعبنا يعرف والمواطن يعرف من الذي رماهم، والآن هناك مجموعة تم القاء القبض عليهم التحقيق معهم، والبقية يطاردون حتى يتم تسليمهم للعدالةquot;.

جولات مفاوضات

وكانت صحيفة quot;الحياةquot; قد أشارت اليوم إلى أن صالح أجرى ثلاث جولات من المفاوضات مع زعماء المعارضة، في منزل نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، من دون ان يتوصل الطرفان إلى اتفاق محدد في شأن طريقة تسليم السلطة والمرحلة الانتقالية. ولفتت إلى أن مصادرها قالت إن المفاوضات جرت برعاية أميركية، وإن بعضها تم في حضور السفير الأميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين.
وطُرحت، في هذه الاجتماعات، خيارات أهمها تشكيل مجلس رئاسي موقت، غير أن خلافات على بعض الأسماء التي اقترحتها أحزاب المعارضة والفترة الزمنية المطلوبة للبدء بالمرحلة الانتقالية أفشلت تلك المفاوضات، رغم أن الرئيس صالح وافق من حيث المبدأ على نقل السلطة الى مجلس انتقالي من خمسة أعضاء.

وأضافت quot;الحياةquot; عن المصادر أن أحزاب المعارضة اقترحت اسم اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع الذي أعلن الأسبوع الماضي تأييده مطالب المعتصمين، ضمن المجلس الانتقالي، ما أثار إعتراض الرئيس الذي أصرّ على أن يقدم اللواء الأحمر استقالته شرطاً لتسليم السلطة.

وأشارت المصادر إلى أن اللواء الأحمر وافق على صفقة quot;الاستقالاتquot;، مؤكداً أنه لا يطمع في سلطة ولا يسعى إلى انقلاب عسكري، إنما إلى دولة حديثة مدنية، لأن زمن الانقلابات لم يعد مقبولاً ولا مطروحاً ولا مرغوباً في مختلف الاتجاهات السياسية والجماهيرية.

في المقابل نقلت quot;الحياةquot; عن مصدر رسمي في الحزب الحاكم أن رحيل الرئيس وفقاً لما تريده المعارضة quot;غير مقبول وغير منطقيquot;، لافتاً إلى أن الأزمة الراهنة في البلاد ناتجة عن المواقف المتعنتة لحزب quot;الإخوان المسلمينquot; (التجمع اليمني للإصلاح) وحلفائه في تحالف أحزاب quot;اللقاء المشتركquot; وجماعة quot;الحوثيينquot; وتنظيم القاعدة، متهماً تحالف المعارضة بالوقوف وراء الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة برحيل الرئيس وإسقاط نظامه.

وتناولت صحيفة quot;الرايةquot; القطرية في افتتاحيتها اليوم الأزمة السياسية في اليمن التي اعتبرت انها دخلت مرحلة جديدة بعد إعلان الرئيس اليمني قبوله الرحيل عن السلطة quot;ولكن بشكل مشرفquot;. ورأت الصحيفة ان الأوضاع المعقدة والصعبة التي تعيشها اليمن تتطلب من كل أطراف الأزمة السياسية اليمنية أن تتحلى بالمرونة وأن تسعى إلى تقديم تنازلات سياسية للخروج من هذه الأزمة التي تكاد تعصف باليمن وأهله ومستقبله.
واشارت quot;الرايةquot; الى معلومات تتحدث عن قبول الرئيس اليمني مبادرة أطراف عربية وغربية تقضي بنقل صلاحياته إلى نائب الرئيس خلال 60 يوما، وتشكيل هيئة وطنية عليا تشرف على عملية انتقال السلطة في اليمن بشكل سلمي، معتبرة ان هذه المبادرة تستدعي من المعارضة اليمنية ومن الشباب اليمني دراستها بشكل إيجابي ومحاولة البناء عليها وتطويرها بالتفاهم ودون تقديم شروط جديدة من قبل المعارضة لإنجاحها، خاصة أن هناك معلومات تقول إن تقليص مدة نقل السلطة في اليمن خاضع للتفاوض والتفاهم.

ولفتت الصحيفة القطرية الى ان صنعاء والمدن اليمنية الأخرى شهدت على مدى الأسابيع الماضية أحداثا دامية قادرة على تهديد وحدة اليمن ونسيجه الاجتماعي وتفتح الباب واسعا أمام فتنة وحرب أهلية ستلحق مزيدا من الدمار باليمن ومزيدا من الآلام والدموع للشعب اليمني الذي يستحق حياة كريمة أفضل.
وخلصت الى التاكيد على ان الشباب اليمني نجح في إيصال رسالته التي تضمخت بدماء الشهداء إلى رأس السلطة بشكل لا لبس فيه بأن موعد التغيير في اليمن قد حان، وأن على الرئيس أن يستجيب لمطالب الشعب اليمني بالرحيل. كما أشارت إلى أن مسألة رحيل الرئيس اليمني اصبحت مسألة وقت. وطالبت quot;الرايةquot; الأطراف اليمنية أن تكون أكثر حكمة في تعاطيها مع رحيل الرئيس اليمني الذي حكم البلاد 32 عاما، بحيث يكون رحيلا توافقيا يخرج اليمن من حالة الاحتقان السياسي ويجنبها مزيدا من الدماء.