إسدال ستار الختام على حكم الفرد المطلق في مصر يمثل خطوة هائلة واسعة نحو حلول الديمقراطية في الشرق الأوسط. والمفرح أنه حتى في حال فشل النموذج المصري فستبقى آفاق الديمقراطية ماثلة للعيان في المنطقة.


يسود اعتقاد، في الغرب على الأقل، أن الإسلام لا يتناسب مع الديمقراطية بسبب تعاليمه الثابتة التي لا يطالها التغيير.

ويذهب البعض إلى حد القول إنه يتنافر أيضًا مع حكم القانون. لكن laquo;ربيع العربraquo; الحالي يرسم صورة مختلفة ويبشّر بآفاق جديدة.

ذلك أن إقامة المؤسسات الديمقراطية في الدول ذات الغالبيات المسلمة ممكنة، إذ أثبت بعضها هذا بالفعل.. وربيع العرب المطالب بالحريات العامة وحقوق الإنسان يعني السير على هذا الطريق نفسه. والديمقراطية تتلاءم مع الثقافات الدينية السائدة. لكنها تتطلب من هذه الثقافات أن تسمح لنفسها بقبول التعليم والحكم العلمانييْن والمجتمع الحر، وفقًا لما تراه صحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية، يضمن حرية العبادة وسلامة العباد، ويحمي نفسه ضد اولئك الذين يقولون إن دينهم يبيح لهم هضم حقوق من لا يدينون به.

ويمكن إعتبار الهولندية - الصومالية آيان حرسي علي - من أشد منتقدي الإسلام وسابقًا عضو البرلمان الهولندي عن الحزب الليبرالي الديمقراطي - مثال ساطع على الآثار المدمرة للدوغمائية. فعندما كانت طفلة تلقت تعليمًا دينيًا صرفًا وأخضعت إلى الختان، (يسمونه في الغرب laquo;التمثيل بأعضاء المرأة التناسليةraquo;). ولاحقًا رفضت الزواج المرتب عائليًا واستقرت أولاً في هولندا، ثم في الولايات المتحدة، بعد مقتل صديقها السينمائي ثيو فان غوخ على يد أصولي إسلامي.

هذه التجارب هي التي تصبغ آراء آيان وفلسفتها في الحياة. وبينما نعتقد أن آراءها المتشددة عن الإسلام وتنافره مع الحداثة خطأ، فلا مراء في أنها تنطلق من أرضية معرفتها الشخصية به. ولا مراء أيضًا في أن الثقافات ليست متساوية. فالمجتمعات التي تزيل التمييز الجنسي وتقدس الحق في الاختلاف والاعتراض ليست هي المستنيرة وحسب، وإنما هي أيضا تلك التي تشخّص مفهوم الحرية.

هذا المفهوم نفسه يطبّق - بشكل غير مثالي لكنه يطبّق على أية حال - في دول ذات غالبيات إسلامية مثل تركيا وماليزيا وأيضا عراق ما بعد صدام حسين. وبينما تنصبّ أنظار العالم على محاولات دكتاتور ليبيا الدامية التشبث بالسلطة، بدأ الإصلاحيون في مصر مهمة التغيير السياسي بدون عوائق أساسية على الطريق. فأجرت لجنة قضائية استفتاء على تغييرات دستورية، ووعدت المؤسسة العسكرية الحاكمة بإجراء انتخابات مبكرة. أضف الى هذا أن المصريين امتنعوا عن اي أعمال ثأرية ضد رموز النظام السابق.

ومما لا شك فيه هو أن إسدال ستار الختام على حكم الفرد المطلق في مصر يمثل خطوة هائلة واسعة نحو حلول الديمقراطية في الشرق الأوسط. والمفرح انه حتى في حال فشل النموذج المصري فستبقى آفاق الديمقراطية ماثلة للعيان في المنطقة.

وفي ثلاث من قارات العالم، أظهرت الدول الإسلامية تنوعًا تاريخيًا مجيدًا ورفضاً، عبر القرون، للاضطهاد الديني بشكل تفوّق على ما كان عليه الحال في التاريخ المسيحي. ويبقى السؤال الآن معلقًا بالمدى الذي يمكن ان تذهب اليه الدول الإسلامية في قبول الحقوق الإنسانية والمساواة بين الجنسين وفصل السلطة الدينية عن المدنية، وربما الاحتفال بهذا القبول.

سيستدعي هذا الأمر الاستقرار داخل الإسلام نفسه بشكل يشبه ما حدث في فترة ما بعد عصر التنوير في التاريخين المسيحي واليهودي. فليس من شأن الحكومات اي معتقدات تؤمن بها شعوبها. وكما أظهر توماس جيفرسون (ثالث الرؤساء الأميركيين) في laquo;تشريع فيرجينيا للحرية الدينيةraquo;، الذي استنه في العام 1786، فليس للمؤمنين وحدهم الحق في الحصول على المناصب العامة لأنها - بموجب تركيبة المجتمع الحر نفسه - يجب أن تكون مفتوحة للجميع بغضّ النظر عن العقيدة.

هذا المبدأ يصون الحرية الدينية نفسها لأنه لا يعير اهتمامًا لآراء الناس عن أصل الكون ومعنى الحياة وكيف يجب أن تُعاش. والعديد من المسلمين الورعين الذين يحرصون على شعائر دينهم يعترفون بحق غيرهم في الحرية العقائدية. وتستطيع الدول الإسلامية - وبعضها يفعل - بناء مؤسساتها الديمقراطية على هذا الأساس... وكل هذا لأن العدو أمام الإسلام ليس هو الحرية، وإنما الدكتاتورية.