جندي فرنسي في ساحل العاج

يبدو أن تدخّل فرنسا العسكري في ليبيا وساحل العاج فتح شهية الرئيس نيكولا ساركوزي على سياسة الإستعمار التي كانت تعتمدها بلاده في ما مضى في القارة الأفريقية. لكن الحكومة تعتبر أن عملياتها العسكرية الأخيرة كانت بموجب تفويض من مجلس الأمن أجاز استخدام القوة لحماية المدنيين.


باريس: بعد إشراك قواته على نحو مفاجئ في الحروب التي تشهدها ليبيا وساحل العاج، يبدو أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في طريقه إلى الأيام الخوالي الخاصة بسياسة بلاده في أفريقيا، التي تعرف في بعض الأحيان بـ quot;فرانس آفريكquot;، حين كانت تملي باريس وجيشها الأمور السياسية في مستعمراتها السابقة، وتحصد الفوائد الاقتصادية، على حسب ما ذكرت اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية.

وقد لعبت القوات والمروحيات الفرنسية دوراً محورياً في إنزال الستار على ما تشهده ساحل العاج من أحداث، باستهدافها القوات الثقيلة والقصر الرئاسي لمرشح الرئاسة المنهزم، لوران غباغو، وإتاحة الإمكانية أمام اعتقاله. كما كانت فرنسا أكثر الدول التي سعت إلى إقرار عملية التدخل العسكري في ليبيا نيابةً عن المعارضين للزعيم الليبي معمّر القذافي.

لكن ساركوزي ووزارة الخارجية رفضا الأحاديث التي تدور حول العودة إلى ردود الفعل الاستعمارية، مؤكدَين أنه في كلتا الحالتين، تصرفت فرنسا بموجب تفويض من مجلس الأمن أجاز استخدام القوة لحماية المدنيين.

وأوضح مسؤولون فرنسيون أيضاً أن ليبيا كانت مستعمرة إيطالية، ولم تكن أبداً مستعمرة فرنسية؛ بمعنى أن القوات الفرنسية لم تلق القبض على غباغو؛ وأن باريس كانت بطيئة في فهم عمق مشاعر الغضب التي كانت سائدة في مستعمرتها السابقة تونس.

ثم قالت الصحيفة إن الخط السياسي الذي ينتهجه ساركوزي بشأن أفريقيا لم يتسم بالتدخل أو اللامبالاة. كما غطت إمبراطورية فرنسا الاستعمارية جزءًا كبيراً من شمال وغرب القارة الأفريقية، من الجزائر إلى ساحل العاج. ثم حصلت المستعمرات تدريجياً بعد ذلك على استقلاليتها خلال ستينات القرن الماضي، لكن ما زال لفرنسا قوات متمركزة في أفريقيا، وكذلك روابط تجارية وسياسية ولغوية وشخصية وطيدة بمستعمراتها السابقة، التي تمنح فرنسا مزيداً من الأهمية في العالم.

ولا تزال تواجه فرنسا اتهامات بالتحيز إلى أحد الأطراف لجلب رؤساء جدد أو الإطاحة بآخرين قدامى، وكذلك اتهامات بتقديم مساهمات سياسية غير قانونية ورشاوى، وانتهاج سياسات موازية، لكن منفصلة من جانب الإليزيه وكاي أورسيه.

في هذا السياق، قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إنه حتى وإن تمت التعامل مع الأوضاع في ساحل العاج بقرار من الأمم المتحدة وحظي بالدعم من جانب دول في المنطقة، فإن تلك المهمة الفرنسية تشبه تدخلات الماضي، ويُخشى من أن يُنظَر إليها بتلك الطريقة من جانب الأفارقة صغار السنّ. وأضافت الصحيفة أنه بعد مرور 50 عاماً على استقلال أفريقيا، وجدت فرنسا نفسها جديدة على خط الجبهة في قارة، وعد ساركوزي أن يجدد العلاقة بها، وأن ينهي الامتيازات القديمة، ويفك الارتباط عسكرياً.

ونقلت النيويورك تايمز في هذا السياق عن أشيلي مبيمبي، مؤرخ كاميروني المولد وناقد للتدخل الفرنسي في ساحل العاج، قوله إن فرنسا واصلت دعم حكام أفريقيا المستبدين، متحدثاً عن قادة دول الغابون والكاميرون والكونغو وتشاد وتوغو. وأضاف quot;هناك استمرارية في انتهاج سياسية فرانس آفريك ndash; ذلك النظام المتعلق بالفاسد المتبادل، الذي ومنذ نهاية الاحتلال الاستعماري، يربط فرنسا بأنصارها الأفارقةquot;.

أما ألبيرت بورغي، أستاذ القانون وشقيق روبرت بورغي، المحامي الذي ساعد في إدارة الشؤون الأفريقية لفرنسا إبان حقبة الرئيس جاك شيراك وخلفائه، فكتب في صحيفة لوموند quot;تنعش ساحل العاج الذاكرة، المدانة أحياناً، تجاه العديد من التجاوزات المتعلقة بالسياسة الفرنسية في أفريقيا خلال الفترة ما بين عام 1960 وحتى اليومquot;.

في المقابل، قال مؤرخون ومحللون آخرون إن ساركوزي كان صادقاً حين قال إن سياسته الأفريقية من شأنها أن تؤكد على الشراكة، وليس على الأبوية، وأكدوا أنه لا يرتبط بالعلاقات نفسهاالتي كانت تجمع سابقوه بأفريقيا، لاسيما جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان، الذي اشتهر بفضيحة الماس الأفريقي، الذي تردد أنه تلقاه كهدية.

في هذا الشأن، قال أنطوان جلاسر، رئيس التحرير السابق للنشرة الإفريقية quot;Lettre du Continentquot;، والمؤلف المشارك في عدد من الكتب عن سياسات ساركوزي في أفريقيا: quot;لا يوجد لساركوزي حنين للمستعمرات السابقة، ولا أعتقد أن هناك أي تغيير حقيقي في السياسة التي ينتهجها في القارة السمراء. ولا تزال تتميز السياسة بالنهج الواقعي والبراغماتيةquot;.

وقال أيضاً ستيفن سميث، محرر الشؤون الأفريقية السابق لدى صحيفة لوموند الفرنسية والمؤلف المشارك مع جلاسر، والذي يعمل حالياً كمدرس في جامعة ديوك، quot;فرنسا ليست على طريق العودة إلى سياسة فرانس آفريك، التي انتهت إلى حد كبير في منتصف تسعينات القرن الماضي، وكانت ترتبط ارتباطاً كبيراً بجاك فوكارت، الذي كان يدير أفريقيا لشارل ديغولquot;.

وأتبع quot;ساركوزي ليس مهتماً بأفريقيا، حيث يراها مصدراً للإزعاج أكثر من كونها شيئًا ثمينًا. ورغم أهمية أفريقيا بالنسبة إلى الطاقة وصورة فرنسا الذاتية، إلا أن وجود ونفوذ فرنسا في مستعمراتها السابقة تراجع وبشكل كبير مع تغير الأجيال والسياساتquot;.