صارت الباكستانية مختار ماي رمزا لمحنة النساء في الأرياف الباكستانية بعد جريمة اغتصاب مروعة عانتها وقرارها الشجاع تقديم المعتدين عليها الى القضاء. لكنها تقول الآن إنها تخشى على حياتها مع إطلاق سراح الجناة.

بعض المعتدين على مختار في المحكمة


لندن: بدأت القصة الغريبة قبل 9 سنوات في قرية صغيرة بإقليم البنجاب الباكستاني. وقتها أصدر laquo;مجلس الكبارraquo; هنا أمرا لـ14 رجلا باغتصاب فتاة تدعى مختار ماي عقابا لها على أن شقيقها (12 عاما) laquo;مسّ بشرف عائلة نافذةraquo; في القرية. فقد قيل إنه كان يقيم علاقة غير شرعية مع إحدى نسائها.

وقتها كانت ماي حائكة أميّة مغلوبة على أمرها. ومع ذلك فقد نالت إعجاب العالم المتحضر لأنها اوتيت الشجاعة الكافية للحديث صراحة عن مأساتها وشكواها المعتدين عليها الى القضاء. وقالت إنهم أخذوها الى اسطبل في 2002 واغتصبوها الواحد تلو الآخر... على مرأى من الكل. وحكم القضاء على ستة منهم بالإعدام وأخلى سبيل الباقين بسب غياب الدليل الدامغ.

وبالطبع فقد تقدم محامو الستة المحكوم عليهم بالإعدام باستئناف ضد القرار القضائي، بينما تقدم محامي مختار باستئناف ضد الحكم بتبرئة الآخرين. والآن، بعد تسع سنوات، وصلت فيها القضية الى المحكمة العليا في لاهور العام 2005، صدر قرارها ليس بتأييد حكم البراءة وحسب، وإنما بتبرئة خمسة من الستة المدانين أيضا، وهكذا أفلت 13 من مغتصبيها الـ14 من العدالة. وحتى المُدان الوحيد تلقى تخفيف حكم الإعدام الى السجن المؤبد.

ونقلت الصحف البريطانية عن مختار قولها: laquo;أنا في غاية الإحباط والخوف. بوسع الجناة قتلي وقتل أفراد أسرتي لدى عودتهم الى القرية. فقدت الثقة تماما في عدالة قضائنا، وليس بوسعي الآن غير أن أترك القضية لدى عدالة الله. أنا على يقين من انه سينتقم لي من اولئك الذين اعتدوا عليّraquo;. ويذكر أن وزارة الداخلية الباكستانية وعدت الآن بحمايتها وحماية أسرتها من أي أعمال انتقامية، ولكن تبقى كيفية توفير هذه الحماية موضع تساؤل.

وتقول الصحافة البريطانية إن شجاعة مختار تمثل تحديا خارجا عن المألوف لقرون من التقاليد القبلية الباكستانية حتى في المجتمعات المدينية. ويذكر أن قرارها مقاضاة مغتصبيها عاد عليها بالعديد من الإشادات من الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان عموما والمرأة خصوصا باعتبارها نموذجا يحتذى للباكستانيات.

مختارماي تحمل في باريس كتابها laquo;العارraquo; مترجما للفرنسية

كما انها أصدرت كتابا بعنوان laquo;العارraquo; روت فيه قصتها وترجم الى جميع اللغات الحية ونال عددا الجوائز. وفي 2005 اختارتها مجلة laquo;غلامورraquo; الأميركية laquo;امرأة العامraquo; ودعتها لزيارة الولايات المتحدة. لكن السلطات الباكستانية حظرت سفرها laquo;خشية أن تسيئ الزيارة الى صورة البلادraquo;. على أن احتجاجات دولية صارخة أجبرت إسلام أباد على السماح لها بالسفر فزارت أيضا عددا من الدول الغربية الأخرى.

ويذكر أن مختار (30 عاما) تزوجت شرطيا قبل عامين، وتدير الآن مدرسة للبنات في قريتها بتمويل جزئي من الحكومة وتبرعات أهل الخير داخل باكستان وخارجها. وهي تصر - رغم خوفها من انتقام الجناة - على أنها لن تغادر البلاد تحت ضغط هذا الخوف ولن تهرب حتى من منزلها بالقرية. وتقول: laquo;الموت والحياة بيد الله. لن اغلق مدرستي ولن اتوقف عن أعمالي الساعية لتوعية النساءraquo;.

وقد أدانت laquo;هيومان رايتس ووتشraquo;، المعنية بحقوق الإنسان، قرار المحكمة العليا الأخير قائلة إن الاعتداء على مختار laquo;جريمة نفذت على مرأي من الجميع في القرية وارتكبت بقرار مسبق من مجلس كبارهاraquo;. وقال علي ديان حسن، ناطقا باسم الهيئة في نيويورك: laquo;القرار القضائي يكشف الخلل في المحكمة العليا والنظام القضائي الباكستاني. نهيب بالحكومة الآن اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية مختار ماي وأفراد أسرتهاraquo;.

عدالة القبيلة

لمذا يفضل الباكستانيون اللجوء الى عدالة القبيلة ومجالس الكبار في القرى؟ يقول الخبراء إن الأسباب وراء هذا الأمر تصب في خانة أن نسبة الإدانة في محاكم الدولة منخفضة. وهذا، من جهة، لأن أفراد الشرطة والادعاء القضاة قليلو الإعداد والتدريب، ومن الجهة الأخرى لأن الفساد ينتشر وسط عدد كبير منهم فيوالون الأثرياء وأصحاب النفوذ السياسي على حساب الفقراء والضعفاء.
وهذه عوامل تشجع العديدين، خاصة في الأرياف، على وضع الأمور في أيدي مجالس الكبار القبلية التقليدية. ولأن هذه المجالس مرآة للمجتمع الذكوري، فهي تفترض، في السواد الأعظم من الحالات، أن المرأة مذنبة لأنها laquo;ناقصة العقلraquo; ولا تتورع عن الأمر بضربها فترعوي وربما قتلها فترعوي الأخريات.