الحملة الدولية لتجميد الأصول الأجنبية للنظام الليبي تواجه مقاومة شديدة في أجزاء كثير من العالم، وبعض الدول لم تحرّك ساكناً في هذا الإتجاه، الأمر الذي يسمح للقذافي بالاستفادة من كميات كبيرة من المبالغ النقدية.


القاهرة: مع قيام طائرات حلف شمال الأطلسي quot;ناتوquot; بشنّ غارة خلال الساعات الماضية على مجمع باب العزيزية، وهدمها مبنى في داخله، في ما وُصِفت بأنها محاولة لقتل الزعيم الليبي معمّر القذافي، قال اليوم مسؤولون إن بعض الدول لم تفعل شيئاً يذكر لتجميد عشرات المليارات التي نجحت أسرة القذافي في نشرها حول العالم، وهو ما أتاح الفرصة أمام العقيد الليبي المحاصر للوصول إلى كمية كبيرة من الأموال النقدية.

في هذا السياق، ذكرت اليوم صحيفة لوس أنغليس تايمز الأميركية أن الحملة الدولية لتجميد الأصول الأجنبية للنظام الليبي تواجه مقاومة شديدة في أجزاء كثير من العالم، وهو ما يسمح للقذافي بالاستفادة من كميات كبيرة من المبالغ النقدية، تساعده على التشبث بالسلطة، في الوقت الذي يخوض فيه عمليات قتالية ضد الثوار.

ورغم الإجراءات التي بادرت باتخاذها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحيلولة دون الوصول إلى ما يزيد عن 60 مليار دولار في صورة استثمارات وحسابات مصرفية خارجية تخصّ الجانب الليبي، إلا أن دولاً أخرى لم تتحرك على المستوى المطلوب أو لم تفعل شيئاً يذكر لتجميد عشرات المليارات الإضافية التي قام القذافي وأفراد أسرته بنشرها حول العالم على مدار العِقد المنقضي، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون وأوروبيون وأمميون من المهتمين بالبحث عن الأصول الليبية.

وأوضح المسؤولون أن القذافي أعاد مليارات الدولارات مرة أخرى إلى طرابلس، منذ بدء حركة الثوار في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي. ولم تتضح الصورة بشأن القيمة الإجمالية لتلك المبالغ، وهو ما يعود جزئياً إلى أن المحققين يعتقدون أن الزعيم الليبي استثمر بشكل كبير في الشركات والمؤسسات المالية التي تحمي هويته.

ومضت الصحيفة الأميركية تقول إن نجاح القذافي في الإفلات من العقوبات قد عمل على تقويض المحاولات التي تبذلها إدارة أوباما لإجباره على التنحّي بعد أربعة عقود قضاها في سدة الحكم. واعترف مسؤولون في هذا الشأن بأن وصول القذافي إلى أموال جاهزة أعاق الجهود التي تبذل لإقناع كبار مساعديه وقادته العسكريين بأن ينشقوا ويتخلوا عنه، مع تواصل الاشتباكات وأعمال القتال بين قواته والثوار.

وأماط المسؤولون النقاب عن أن العديد من الدول التي كوَّنت علاقات اقتصادية قوية مع ليبيا، بما في ذلك تركيا وكينيا، جنباً إلى جنب مع العديد من الدول الأفريقية الأخرى، قد رفضت تنفيذ عملية تجميد الأصول والأرصدة الخاصة بالقذافي، التي صدرت بقرارات من مجلس الأمن الدولي في شباط / فبراير وآذار / مارس الماضيين.

كما تصدت ثلاثة من أكبر اقتصاديات دول العالم ndash; وهم الهند والصين ووسيا ndash; للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بغية توسيع نطاق العقوبات. وأوضحت تلك الدول أن مثل هذه الإجراءات من الممكن أن تؤثر على الصناعات الخاصة بهم، وكذلك على الموردين أو المواطنين، الذين سبق لهم العمل في ليبيا.

وأشار المسؤولون أيضاً إلى أن دولاً أخرى لا تربطها أي علاقات سياسية أو اقتصادية واضحة بطرابلس لم تحاول أن تحدد أو تمنع الوصول للأصول الليبية. وفي بعض الحالات، كانت تفتقر الحكومات ربما القدرة التقنية التي تؤهلها لتتبع الأصول المخفية.

في هذا الصدد، قال دبلوماسي يعمل في مجلس الأمن، بعد رفضه الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع quot;لم تتحرك سوى حفنة قليلة من الدول في ما يتعلق بالتعامل مع حسابات القذافي في الخارج مع إحدى لجان مجلس الأمن، المنوطة بالإشراف على العقوبات، من خلال الإجراءات التي اتخذتها لمنع الوصول إلى الأصول الليبية. لقد أبلينا بلاءً حسناً. لكن حين تتعامل مع ثمة شخص مثل القذافي، ومع مثل هذه المصالح التجارية مترامية الأطراف، فإن المهمة تكون شاقة وصعبةquot;.

ووفقاً لقواعد الأمم المتحدة، فإن الحكومات غير ملزمة بأن تكشف عن الجهود التي تبذلها للامتثال مع العقوبات لمدة 120 يوماً، ما يعني أواخر شهر حزيران/ يونيو المقبل. ومن المنتظر أن يبدأ فريق من الخبراء، الذي يتم تشكيله حالياً، بإشهار، وفضح الدول التي فشلت في الامتثال. ثم عاود الدبلوماسي ليقول quot;يعتبر التأخير لمدة 4 أشهر أحد نقاط الضعف الكبرى في النظام، الذي يفهمه القذافي تماماًquot;.

وقال فيكتور كومراس، أحد أبرز مسؤولي إنفاذ العقوبات في وزارة الخارجية حتى عام 2001، ثم في الأمم المتحدة حتى عام 2004 quot;حقيقة المسألة هي أن ليبيا ستظل قادرة على الاستفادة من الأموال الموجودة في البنوك التي تقع خارج نطاق سيطرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض البلدان الأخرى التي عرقلت الوصول إلى الأموالquot;.

في السياق نفسه، نوهت لوس أنغليس تايمز إلى أنه قد تبين وجود صعوبة في تقفي أثر أو تجميد استثمارات أخرى تخصّ الجانب الليبي خارج البلاد. وقال محققون إن القذافي استثمر ما لا يقل عن 5 مليارات دولار منذ العام 2006 في شركات نفط إفريقية، وخطوط أنابيب، وشركات اتصالات، وفنادق، ومصافي نفط، وعقارات.

وأكد في هذا الصدد رونالد بروس جون، المحلل المخضرم في الشؤون الليبية في ولاية نيو مكسيكو الأميركية، أن الاستثمارات قد تمت جزئياً بدافع تعزيز بعض أهداف السياسة الخارجية الليبية، أو بدافع المصالح الشخصية والرغبات والأهواء الخاصة بعائلة القذافي.

وأشار دبلوماسيون إلى أن الموقف الذي اتخذته نيودلهي وموسكو وبكين، المتعلق برفض تجميد أصول القذافي، نابع جزئياً من مخاوف اقتصادية، ولكن أيضاً من شكوك سياسية إزاء جدوى التمرد وعملية الناتو ضد القذافي.