رأى الدكتور الشرقاوي الروداني أنه لا يمكن وضع نهاية حقيقية لمعمر القدافي ونظامه إلا quot;بتدخل عسكري كما حصل في كوسوفوquot;. واعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي في حديث لايلاف ان انقلابا عسكريا ضد القذافي يمكن ايضا ان يحد من المجازر.


إعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي الشرقاوي الروداني وضوح فرنسا في موقفها تجاه نظام القدافي، كونه quot;محاولة منها لتدارك الأخطاء التي وقعت فيها خلال ثورتي تونس و مصر...quot;، وتجاوزت بذلك حتى العلاقات الاقتصادية الكبيرة التي تجمعها مع ليبيا في مجالات متعددة.

وتعي باريس أن الاستمرار في هكذا وضع لا يخدم مصالحها الاقتصادية في علاقتها مع طرابلس لا الآنية و لا المستقبلية، وبالتالي يقول الشرقاوي، quot;أصبحت هذه الأحداث الليبية تقلق الاقتصاد العالمي خاصة وأنها دولة منتجة للنفط حيث أنها تصدر يوميا 1.6 مليون برميل من النفط إلى أوروبا ،ولم يعد من الجدي التعامل بالحيادquot;.

وأضاف هذا المحلل السياسي أن quot;استمرارية الأحداث لن تؤدي إلا لإرتفاع أسعار النفط وهذا سيكون له انعكاسات على القدرة الشرائية للمواطن الأوروبيquot;.

دوافع انسانية

وإلى جانب الدوافع الاقتصادية، يثير الشرقاوي الروداني، الهواجس الإنسانية على أنها بدورها ساهمت في هز الضمير الفرنسي، إذ يرى أن quot;خطاب القدافي الأخير كان تهديدا واضحا وألمح بحرب إبادة وكان كله وعيد بالتصفية لمدن بكاملها، وهو ما جعل فرنسا تخرج عن صمتهاquot;.

كما يؤكد الشرقاوي أن quot;العالم لا يريد إبادة جماعية جديدة على شاكلة ما وقع في البوسنة من خلال مذبحة سربرنيتشاquot;، مضيفا أن quot;القدافي و بعد خطابه الدموي تبين أن احتمالات مذبحة في مدن ليبية شيئ وارد وهذا ما يجعل ذكرى راتكو ملاديتش، الجنرال الصربي، تلقي بظلالها على صيرورة الأحداث في ليبيا...quot;

ويقرأ في الأخير هذا الموقف الفرنسي، الذي حمل نبرة قوية، في مبادرة من باريس لإدانة أوروبية و دولية لمجازر القدافي على أنه كان، quot;نتيجة لقراءة تاريخية و مستقبلية للأوضاع في منطقة تعرف تحولات جيوسياسية مهمةquot;.

سوق النفط مهدد

الدكتور الشرقاوي الروداني

وإن كانت باريس تجاوزت، هذه المرة، عقدة التردد أو التباطؤ، كما ظل ينتقدها البعض في حالة كل من تونس و مصر، يعود الدكتور الشرقاوي ليؤكد أن quot;ليبيا ليست هي مصر و لاهي تونسquot;.

quot;ليبيا هي دولة منتجة للنفطquot;، يفسر الشرقاوي،quot;و أي تسويف من قبل نظام القدافي لمطالب الشعب الليبي سيكون له انعكاسات قوية على السوق المالية العالمية الذي لم يتعاف بعد من أضرار الأزمة الماليةquot;.

ويشرح الشرقاوي ذلك بكون quot;أسعار النفط سترتفع وترفع بدورها تكاليف الإنتاج وضرائب الاستهلاك، وهذا ما سيضر بالقدرة الشرائية للمواطن الأوروبي. وهذا بدأنا نلمسه، في الوقت الحالي، بعد توقف كبريات الشركات المنتجة للنفط هناكquot;.

ويوضح أكثر دور ليبيا في السوق النفط العالمي بقوله،quot;تعتبر ليبيا عضوا في أوبك وهي من كبرى الدول المنتجة للنفط في القارة السمراء، وتصل التقديرات العالمية لاحتياطاتها المؤكدة إلى 44 مليار برميل، و تمثل بذلك 3.2% من الاحتياطيات العالميةquot;.

كما أنquot;إيطاليا تستورد نسبة قرابة 25% من احتياجاتها من النفط الخام من ليبيا، وكل استمرار للنظام الليبي سيكون له انعكاسات خطرة على اقتصاديات الدول الغربية خاصة مع التوتر الذي تشهده دول كالبحرين واليمنquot;.

خسائر اقتصادية

ومن الصعب، بحسب هذا الأكاديمي، الحديث اليوم quot;عن الخسائر التي يمكن أن تتكبدها باريس جراء هذا الوضعquot;، مشيرا إلى وجود quot;شركات فرنسية معروفة في هذا البلد المغاربي كطوطال البترولية وشركات تعمل في مجال الخدمات وأخرى في مجال الطاقةquot;.

وأوضح الشرقاوي أنه quot;في مثل هذه الظروف الجميع يتكبد خسائر و الأضرار الجانبية لا بد من التعامل معهاquot;،ملمحا إلى الاستثمار الفرنسي في ليبيا من خلال quot;شركة طوطال التي لها قوة إنتاجية كبيرةquot;.

وبلغ إنتاج هذه الشركة الكلي في ليبيا، يفيد المحلل السياسي،quot;في السنة الماضية 55.000 برميل يوميا من النفط، و هو ما يشكل نسبة 2.3% من إجمالي الإنتاجات اليومية على الصعيد العالمي للمجموعة النفطية الفرنسيةquot;.

ليبيا والمجتمع الدولي

quot;التعاطي الايجابي لفرنسا مع الأحداث في ليبياquot;، يقول الشرقاوي،quot;سيكون له تأثيرا على مستقبل العلاقات الثنائيةquot;، مستبعدا أن يكون بمقدور quot;ليبيا اليوم ممارسة حظرا شاملا على جميع التبادلات التجارية والاقتصادية على غرار مع ما وقع مع سويسرا سنة 2008quot;.

و يقرأ الشرقاوي quot;الموقف الذي اتخذته فرنسا وكذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على أنه دليل على رفض العالم استمرار وجود نظام القدافي، وأكد هذا بجلاء تصريحات بان كي مون الأخيرة التي تبرز بأن نظام القدافي انتهىquot;.

وقال المحلل السياسي في ذات الاتجاه، quot;اليوم العالم ينتظر خبر سقوط نظام القدافيquot;، لكن ليس بالسهولة الذي يمكن أن يراها البعض،quot;فالقدافي لا يمكن أن يسقط نتيجة عقوبات دوليةquot;، بحسب الدكتور الشرقاوي.

و يرى أن العقوبات الدولية هي quot;إجراءات يمكن أن تنفع مع دولة لها مؤسسات، لكن مع نظام يستمد مرجعيته من كتاب أخضر تافه، لا يمكن خلخلته إلا بتدخل عسكري كما حصل في كوسوفوquot;،على حد تعبيره.

ويقول الشرقاوي quot;لا يمكن أن توقف هذه العقوبات هذه المذبحة التي ترتكبها ميليشيات القدافيquot;، مضيفا أن quot;القدافي في نظري سيتخلى عن الحكم في حالتين: إما نتيجة انقلاب مدبر من حاشيته العسكرية، أو تدخل عسكري أوروبي أميركي من خلال ضربة عسكريةquot;.

ويوضحquot;تخلي القدافي عن الحكم على شاكلة بن علي أو حسني مبارك أمر مستبعد...quot;، متحدثا عن طبيعته النفسية، quot;الشيزوفرينيةquot; بكونه، quot;يعيش في عالم افتراضي صنعه لنفسه و يشاطره في ذلك مجموعة من الميليشيات العسكرية الليبيةquot;.

إلى هنا، تحدث الشرقاوي بلغة ما عرفت لدى البعض في الدبلوماسية quot;بحق التدخلquot;، والذي كان يؤمن به وزير الخارجية السابق برنار كوشنير، إلا أن هذا الخطاب توارى إلى الخلف في الوضعية الراهنة على خلاف زمن الحرب الأميركية على العراق.

من جانب آخر، يطرح الدكتور الشرقاوي، معطى آخر حاضر اليوم في ظل هذه الظروف التي يعيشها العالم العربي، بقوله quot;نحن أمام مشكل يدخل في إطار موجة التغيير التي يشهدها العالم العربي ودول كثيرة تواجه نفس المطالبquot;.

ويضيف، في ذات السياق،quot;البحرين دولة لها موقع جيوسياسي مهم في الخارطة العالمية. وأي محاولة تدخل دولي في ليبيا وخاصة من أميركا سيكون له تبعات كبيرة في الشرق الاوسطquot;.

فالولايات المتحدة، يقول الشرقاوي الروداني،quot;لا تريد لرياح التغيير أن تصل بنفس السرعة إلى دول أخرى كالأردن و البحرين لأن هذا سيقوي من الوجود الإيراني في المنطقة، وهذا ما يؤرق دول كإسرائيلquot;.

سياسة فرنسا تجاه العالم العربي

على صعيد متصل، يلاحظ المحلل السياسي ان إدارة الظهر لاحتجاجات الهيئات الحقوقية عند زيارة القدافي لباريس سنة 2007 quot;ستشكل مادة دسمة للصحافة الفرنسية عند سقوط القدافيquot; في الأيام القادمة.

وإعتبر الشرقاوي أن quot;راما ياد، وزيرة الدولة السابقة لحقوق الإنسان، والتي أدانت أواخر 2007 هذه الزيارة، ما زالت تلقي بظلالها على الساحة الفرنسية خاصة مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسيةquot;.

من جهة أخرى، يتابع الشرقاوي أنquot;اليسار الفرنسي وكذلك اليمين المتطرف سيعملان على استغلال هذه الورقة لضرب سياسة ساركوزي الخارجيةquot;، سيما وأن quot;الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والتي سيكون نيكولا الرئيس الحالي طرفا فيها، ستعرف بالتأكيد نقاشا حادا حول العلاقات الفرنسية العربيةquot;.