وقّعت نخبة من الجزائريين على عريضة تضامن مع الشعب الليبي وثورتهم، في محاولة للتعبير عن الصوت الحقيقي لأبناء الجزائر المختلف عن الموقف الرسمي الذي لا يعكس تقاليدهم في الانحياز لثورات الشعوب، حسب تعبيرهم.


باريس: اختار مثقفون جزائريون، محسوبون على قطاعات مهنية مختلفة، أن يقدموا للرأي العام وجهة نظر هذه الشريحة حول الثورة الليبية، بإطلاق عريضة لجمع توقيعات نساء ورجالات النخبة في البلاد تعكس الموقف الطبيعي لجميع الجزائريين.

الصوت الحقيقي لأي شعب لا يمكن أن يجسده إلا مثقفوه، وهذه الفئة لوحدها قادرة أن تعكس موقف أمة، قد يخالف في الكثير من الأحيان ما يعرف بالموقف الرسمي الصادر عن أصحاب القرار الذين كثيرًا ما يراعون حساباتهم السياسية الضيقة في إصدار المواقف.

غموض الموقف الجزائري الرسمي بخصوص الثورة الليبية، وما قيل وكتب بخصوصه يكفي لأصحاب الضمائر الحية من أبناء ثورة المليون والنصف مليون شهيد أن يتعبؤوا ضد كل ما يمكن أن يمس بتاريخ شعب،ولا سيما عندما يتعلق الأمر بمطالب شعب آخر كالشعب الليبي في التحرر والانعتاق.

وتسليط الضوء على مضامين وأبعاد هذه العريضة، لم يكن ممكنا إلا باستضافة أحد موقعيها، للتوسع أكثر في موقف أصحابها من المثقفين، واستجلاء كل لبس يمكن أن يتسرب إلى ذهن أي جهة تتعاطى سلبًا مع هذه العريضة، ما قد يحفز بقية المثقفين إلى الالتحاق بها.

لقد ضمت هذه العريضة أسماء لها ثقلها في الحياة الثقافية الجزائرية، وأخرى لها صوتها في النضال الحقوقي الجزائري، إضافة إلى إعلاميين يشكلون في عمومهم رموز الصحافة الجزائرية المستقلة، التي عادة ما يكون لها موقفها من الأحداث التي تهز محيطها سواء القريب منها أو البعيد.

quot;التحام ثوريquot;

أعرب موقعو هذه العريضة quot;عن التحامهم الثوري مع أحفاد المختار الذين اختلطت دماؤهم بدماء الجزائريّين في أسمى صور التلاحم عبر التاريخ...quot;، على حد تعبير بيان هؤلاء المثقفين.

وبررت العريضة هكذا موقف quot;بالقيم الإنسانيّة المشتركة والحتميّة التاريخيّة والقرابة الجغرافيّة وعدالة قضية الشعب الليبيّ، الذي من حقه أن يعيش حياة حرّة، يقرّر فيها مصيره مثل كلّ شعوب العالم ..quot;، تفيد العريضة.

quot;وهذا يحتم علينا الوقوف إلى جانبه في محنته الإنسانية وهو يواجه أقدارًا مأسوية، بين التجويع والحصار والتشرّد في حرب غير متكافئة يدفع ثمنها الشعب الليبي...quot;، يقول الموقعون هذا البيان.

وعبر هؤلاء عن رفضهم quot;لإخراس الضمائر تحت أي ذريعة كانتquot;، ملوحين برسالة تجاه أصحاب القرار في الجزائر تقول: quot;مادامت سياستنا على مدى عقود ترفع شعارquot;مغرب الشعوبquot; فإننا نعلن، كأبناء للشعب الجزائري، رفضنا التواطؤ صمتاً، إزاء ما يتعرّض له الشعب الليبيّ الشقيق...quot;

وفي السياق نفسه، توضح العريضة، quot;إن الموقف الرسمي تجاه هذه الأحداث، لا يعكس مشاعر الشعب الجزائري، وتقاليده في الانحياز لثورات الشعوب، لكونه يرى نفسه في كل ثائر...quot;

كما أكدت quot;إن ليبيا ليست مجرّد جاٍر بالمعنى الجغرافي، لنزيد على محنتها جور لامبالاتنا، إنها بلاد حدودها قلوبنا، وحين يموت أهلها هناك، ينزف لهم وجداننا هناquot;، مضيفة، quot;فوالله ما قُصف بيت فيها إلا وكنّا من ساكنيه، وما أطلقت فيها رصاصة إلا وتلقتها صدورنا في الجزائر...quot;

وضمت العريضة أسماء جزائرية لامعة على الصعيد المغاربي والعربي من أبرزها الروائية المعروفة أحلام مستغانمي، الإعلامية الشهيرة خديجة بن قنة، علي هارون: عضو بمحكمة التحكيم الدولي ndash; باريس / وزير سابق لحقوق الإنسان، الدكتور أحمد بن بيتور رئيس حكومة سابق، واسيني الأعرج روائي معروف، الزميل الصحافي في جريدة القدس العربي بلندن توفيق رباحي وغيرهم.

الشعب الليبي لا ينتظر من أشقائه العرب إلا التعاطف والتضامن

توفيق رباحي أحد الموقعين على عريضة التضامن

وتوقيع عريضة من هذا النوع، يقول توفيق رباحي، يعني quot;تسجيل موقف... ما يحدث في ليبيا خطر ومخيف وظلم لشعب تواق للحرية والديمقراطية، مثله مثل الشعب السوري واليمني والموريتاني والمصري والمغربي والجزائري.. الخ، وربما أكثرquot;.

وأضاف، في تصريح لإيلاف، quot;ليبيا بلد جار وأقل ما يحدث فيه ينعكس على الجزائر. لو كنت مواطنًا عاديًا لاكتفيت بالحديث في المقاهي والحارات، لكن أزعم أنني صحافي وكاتب عليه أن يعبر عن موقفه بشجاعة واستقلالية في هذه الأحداث التي تغيّر تاريخ المنطقة برمتهquot;.

وعن الدعم الذي يمكن أن تقدمه النخبة الجزائرية للشعب الليبي، يرى رباحي أن quot;إبادة يتعرض لها ليبيون لمجرد أنهم قالوا quot;بركاتquot; لديكتاتور يحكمهم منذ 42 سنة وينوي توريثهم لأولاده، هذا وحده يكفي لنتضامن معهمquot;.

ويستطرد في المنوال نفسه، quot;لدي أصدقاء ليبيون يقولون لي إنهم لا ينتظرون شيئا من الشعوب والنخب العربية غير التضامن والتعاطف، لا مال ولا سلاح ولا غذاء.. أعتقد أن أضعف الإيمان أن تسجل موقفًا بصوت عال شجاع كأن تقول: من حق الليبيين أن يعيشوا بكرامة وحرية ويعبروا بحرية ويختاروا من يحكمهم. من حقهم أن يقولوا للقذافي ان 42 سنة تكفي وتفيض...quot;

وشبه الإعلامي الجزائري الموقف الغامض لأصحاب القرار في الجزائر من الثورة الليبية quot;بمواقف نظرائهم في الدول العربية الأخرى أو أغلبها...quot;، بحسب رأيه.

موضحًا أن quot;هناك نوع من الانقسام: الشعوب انحازت لبعضها والحكام انحازوا لبعضهم. التغيير يزعج أصحاب القرار في الجزائر وفي العواصم الأخرى. الخوف من البديل يربك أيضًا، وفي النهاية القذافي حليف طبيعي لأصحاب القرار في الجزائر مثلما كان حليفا لمبارك وبن علي والآخرينquot;، يقول الزميل توفيق رباحي.