استطاع 35 ألف سجين من المجرمين الهروب من السجون المصرية أثناء الإنفلات الأمني الذي وقع منذ 28 يناير الماضي أو quot;جمعة الغضبquot;، وهم الآن يعيثون في البلاد فساداً، وينفذون عمليات السرقة والاغتصاب والقتل والحرق.


أحد السجون المصرية بعد اقتحامها خلال الثورة

القاهرة: قتل، اغتصاب، خطف أطفال والمقايضة على حياتهم مقابل المال، سرقة بالإكراه تحت تهديد السلاح نهاراً وليلاً، سرقة المنازل والمحال التجارية والآثار، تجارة المخدرات، حرق منازل ومزارع، إقتحام أقسام الشرطة. إنها أخطر الجرائم الناتجة من حالة الغياب الأمني الذي حدث في مصر منذ 28 يناير الماضي، وهو اليوم المعروف بquot;جمعة الغضبquot;، وحتى الآن. فقد شهدت البلاد انتشاراً سريعاً للجريمة، وتضاعفت بنسبة 200% خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، وبنسبة 300% أثناء شهر أبريل الماضي، مقارنة بمعدلات الجريمة في الأشهر نفسها من العام الماضي 2010.

وإتخذت تلك الجرائم طابع الخطورة الشديدة والتنظيم، بسبب غياب الأمن، وانتشار السلاح بأيدي المواطنين، وخروج نحو 35 ألف مجرم من السجون إلى الشوارع، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، طبقاً لدراسات أمنية، وآراء خبراء تحدثت إليهم quot;إيلافquot;.

530 قتيلا في شهرين

ووفقاً لإحصائيات مصلحة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، فإن معدلات الجريمة في شهر فبراير ومارس الماضيين، إرتفعت بنسبة 200% عن مثيليهما من العام 2010، وورد في الإحصائية أن مصر شهدت 530 حادث قتل، وتنوعت أساليب ووسائل القتل ما بين السلاح الناري أو السلاح الأبيض. إضافة إلى 973 جريمة سرقة محال تجارية، إما باقتحامها باستخدام السلاح أو باستخدام مفاتيح مقلدة.

ووقعت 25 جريمة خطف واغتصاب، و804 جرائم سرقة منازل، و512 جريمة حرق منازل، و1170 جريمة سرقة بالإكراه، أو تحت تهديد السلاح، و811 سرقة سيارة، و99 جريمة إحراق أقسام شرطة.

وتأتي هذه الإحصائية لتؤكد انتشار الجرائم الخطرة في مصر، في أثناء اشتعال الثورة، خلال الثلث الأول من شهر فبراير، وبعد إنتصارها، وتمكنها من الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك أثناء الثلثين الأخيرين من شهر فبراير، إضافة إلى شهر مارس.

لكنّ مصدرا أمنيا قال لـquot;إيلافquot; إن معدلات الجريمة زادت خلال شهر أبريل الماضي بنحو 300% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2010، وأرجع ذلك إلى استمرار حالة الإنفلات الأمني، وغياب رجل الشرطة، أو تقاعس البعض من الضباط عن القيام بواجبهم، بسبب تعرض قيادات وزملاء لهم للمحاكمة في قضية قتل المتظاهرين، لاسيما أنهم يعتقدون أن زملاءهم كانوا يؤدون واجبهم في الدفاع عن أقسام الشرطة وحفظ الأمن في البلاد. بالإضافة إلى أن نظرة بعض المواطنين ووسائل الإعلام لرجال الشرطة على أنهم خونة ومتخاذلين، أصابتهم بالإحباط والإكتئاب.

35 ألف مجرم

إستطاع 20 ألف سجين من المجرمين الجنائيين الهروب من السجون أثناء الإنفلات الأمني الذي وقع منذ 28 يناير الماضي أو quot;جمعة الغضبquot;، وهم الآن يعيثون في البلاد فساداً، إضافة إلى هروب 15 ألف بلطجي ومسجل خطر من أقسام الشرطة أثناء إقتحامها من قبل البلطجية، أي أن هناك 35 ألف مجرم ينتشرون في مصر.

والكلام للواء شرطة متقاعد حسن عبد العزيز، وقال إن هؤلاء لا عمل لهم سوى السرقة بالإكراه أو إقتحام المنازل أو سرقة المحال التجارية أو السيارات، وأحيانا الاغتصاب، ولا يتورعون عن قتل من يحاول التصدي لهم، لاسيما أن بعضهم كان مسجوناً في قضايا قتل أو تجارة مخدرات، وكانوا يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، وبعضهم كان في إنتظار الإعدام، وهم يتعاملون مع المجتمع بمنطق أنهم quot;كده كده ضايعينquot;، وليس لديهم ما يبكون عليه أو يخسرونه.

وضرب عبد العزيز مثالاً بحادث وقع في منطقة شبرا الخيمة مؤخراً، حيث أطلق مسجل خطر هارب من حكم بالسجن المؤبد من سجن وادي النظرون الرصاص على سائق توك توك فأرداه قتيلاً، بعد أن أوقفه في الطريق العام، وحاول إنزال فتاة كانت تستقل التوك توك، لإغتصابها، فتصدى السائق له، فقتله.

وأضاف عبد العزيز أن غياب الردع وارتعاشة أيدي رجال الشرطة، وانتشارالأسلحة في أيدي الكثيرين، وعدم الاستقرار السياسي، كلها عوامل ساعدت هؤلاء المجرمين على ارتكاب تلك الجرائم بدم بارد، بل إن بعضهم يعتدي على رجال الشرطة في حالة التصدي لهم، ما أدّى إلى إشاعة الرعب في قلوب المصريين.

عصابات منظمة

ونبه اللواء فاروق سعيد مساعد وزير الداخلية السابق إلى أن هؤلاء المجرمين يشكلون في ما بينهم عصابات للسرقة، وغالباً ما يقتلون من يحاول التصدي لهم. وأضاف أن جرائم ما بعد الثورة تتسم بالجرأة الشديدة والفجور، حيث تقع في وضح النهار وبالطريق العام مثل السرقة بالإكراه أو خطف النساء واغتصابهن.

وحذر سعيد من انتشار الجريمة المنظمة في مصر، في حالة إطالة أمد الفترة الإنتقالية، وعدم استقرار النظام السياسي. ودعا المواطنين إلى ضرورة فتح صفحة جديدة مع الشرطة، والتعاون معها في كشف أو تعقب أو الإبلاغ عن الجرائم، لافتاً إلى أهمية عودة اللجان الشعبية مرة أخرى، للعمل إلى جانب الشرطة، لحين إستعادة رجال الشرطة الثقة بالنفس، والخروج من حالة الإكتئاب التي تسيطر عليهم، بسبب إلقاء اللوم عليهم في قتل المتظاهرين والإنفلات الأمني، و إتهامهم بالخيانة رغم أن بعضهم تعرض للقتل أيضاً أثناء الثورة.

ظاهرة طبيعية

وحسب وجهة نظر الدكتور نبيل عبد الكريم الأستاذ في المركز القومي للبحوث الجنائية والإجتماعية، فإن تلك الظاهرة تعتبر طبيعية في أعقاب ثورة 25 يناير، وأضاف أن هذا النوع من الجرائم يقع أثناء وعقب الثورات أو الإنقلابات العسكرية أو الحروب، ويعرف بـquot;جرائم ما بعد الثوراتquot;. وقال عبد الكريم إن تلك الجرائم تنتشر في ظل حالة الفوضى والإنفلات الأمني الذي يعقب التغييرات السياسية المفاجئة، حيث يكون المجتمع غير مهيأ لها، وعادة ما يصاحبها فوضى وغياب لدور الشرطة، ما يسمح لمحترفي الإجرام بالإنتشار في المجتمع، وممارسة أنشطتهم المخالفة للقانون بحرية ودون خوف من الملاحقة القضائية.

مشيراً إلى أن تلك الفترة تشهد أيضاً ظهور مجرمين جدد، نتيجة زيادة معدلات البطالة، وخسارة البعض لأعمالهم، بسبب إغلاق المصانع أو الشركات أو المحال التجارية بشكل موقت أو دائم، حيث يجد من خسروا أعمالهم أنفسهم مضطرين لارتكاب الجريمة لتوفير نفقات المعيشة. وضرب مثالاً على ذلك بجريمة خطف إبنة رجل الأعمال عفت السادات نجل شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، حيث كشفت التحقيقات مع المتهمين أنهم ليسوا من معتادي الإجرام، بل غالبيتهم موظفون عاطلون عن العمل، إرتكبوا جريمتهم، وخطفوا الطفلة، وقايضوا والدها على حياتها مقابل مليوني جنيه.

الإستقرار السياسي

وحول كيفية مواجهة تلك الجرائم والجناة، أوضح عبد الكريم أن الأمر يستلزم الإسراع في تسليم السلطة لرئيس جديد، أي العبور من تلك المرحلة الإنتقالية بأقصى سرعة، حتى يمكن استقرار الأوضاع السياسية، التي ينعكس استقرارها على الإقتصاد والمجتمع ككل. محذراً من أن عدم الإستقرار السياسي سوف يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة أكثر مما هي عليه حالياً، وسوف تسمح بانضمام مجرمين جدد إلى عالم الجريمة.

فضلاً عن حدوث حالة زواج ما بين الأثرياء والمجرمين، حيث سيقوم الطرف الأول باستخدام الأخير في أعمال إجرامية مثل القتل أو تصفية الحسابات أو الحماية والحراسة، مقابل أجر، ومن ثم تظهر فئة جديدة من المجرمين الذين يعملون لصالح من يدفع أكثر، أو المجرمين المرتزقة. وشدد عبد الكريم على أهمية تكاتف الشرطة والشعب من أجل عبور المرحلة الإنتقالية بسلام.