امرأة تعتنق الإسلام ثم تختفي، فتخرج مظاهرات مطالبة بعودتها، فتتحول إلى معارك بين الجانبين المسلم والمسيحي، ويسقط قتلى وجرحى ويتم الاعتداء على كنيسة، ثم تتهم فلول النظام السابق أو أجهزة الأمن بالتورّط في الحادثة. فأين الحقيقة في الموضوع الطائفي في مصر؟.


أسباب الأحداث الطائفية في مصر مازالت متضاربة وغامضة

القاهرة: لا يكاد المصريون يفيقون من كابوس طائفي حتى يجدوا أنفسهم في مواجهة آخر أشد وأكثر إشتعالاً، ففي الأول من شهر يناير/كانون الثانيمن العام الحالي 2011، نامت مصر كلها ودموعها على وجنتيها، بسبب تفجيرات وقعت أمام كنيسة القديسيين في الإسكندرية، نتج منها مقتل نحو 22 شخصاً، وجرح عشرات آخرين.

وفي الشهر نفسه، إندلعت ثورة 25 يناير، وأكتشف المصريون أنهم ليسوا طائفيين، بل إن الطائفية كانت من صنع أيدي النظام السابق، الذي كان يقتات على الكوارث، ويستمد طول بقائه من المشاحنات بين طرفي الأمة، وهتفوا جميعاً بصوت واحد quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;، quot;مسلم ومسيحي.. إيد واحدةquot;.

فتنة المرأة

وفي ما يبدو أن تلك الوحدة لم تكن مبنية على أساس متين، حيث فشلت في أول إختبار لها بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام السابق، عندما إندلعت مشاحنات طائفية في قرية صول التابعة لمدينة أطفيح، بسبب علاقة عاطفية بين رجل مسيحي وإمرأة مسلمة، تطور الأمر إلى حد مقتل إثنين من أسرة المرأة، وهدم الكنيسة الموجودة في القرية.

ومضى الكثيرون يتهمون من وصفوهم بـquot;فلول النظام السابقquot;، بالوقوف وراء الأحداث، ولم يكد يمر شهران على إعادة القوات المسلحة بناء الكنيسة، وإفتتاحها للصلاة في حضور شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والعديد من الرموز الدينية والسياسية، حتى إندلعت أحداث طائفية جديدة في منطقة إمبابة الشعبية في القاهرة، بسبب إعتناق إمراة مسيحية الإسلام، وإنطلاق شائعات بأنها محتجزة في كنيسة ماري مينا في المنطقة، فتجمهر العشرات من السلفيين، مطالبين بالإفراج عنها، وفجأة حدث إطلاق نار، وسقط 13 قتيلاً، و242 مصاباً، جروح نحو 15 منهم خطرة، وأحرقت كنيسة العذراء في المنطقة نفسها.

جاءت تلك الأحداث متزامنة مع ظهور كامليا شحاتة، المسيحية التي إنطلقت عشرات المظاهرات يقودها مسلمون من أجلها، مطالبين بفك أسرها، إعتقاداً منهم أنها أسلمت، ثم أجبرتها الكنيسة على العودة إلى المسيحية، وإحتجازها في أحد الأديرة.

إمرأة تعتنق الإسلام، ثم تختفي، فتخرج مظاهرات مطالبة بعودتها، فتتحول إلى معارك بين الجانبين المسلم والمسيحي، ويسقط قتلى وجرحى وإعتداء على كنيسة، ثم إتهام لفلول النظام السابق أو أجهزة الأمن بالتورط فيها.

إنها التوليفة نفسها التي كانت سبباً في عشرات الأحداث الطائفية في مصر، فأين الحقيقة في الموضوع الطائفي في مصر بشكل عام، وليس في أحداث إمبابة فقط؟ وهل المرأة هي السبب في الفتنة، أم أن هناك أسباب أخرى مثل غياب القانون أو وجود رواسب طائفية في النفوس لدي الطرفين.

quot;إيلافquot; تحاول الإجابة على ذلك السؤال من خلال الحديث إلى الخبراء والمعنيين بالقضية.

خطأ مزمن

تأتي الإجابة على لسان الدكتور ضياء رشوان نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، قائلاً إن سيناريو أو توليفة المرأة التي تعلن إسلامها، ثم تختفي، فتندلع مظاهرات من الأقباط مطالبة بعودتها، ثم تظهر وتختفي من جديد، فتندلع مظاهرات سلفية مطالبة بعودة المسلمة الأسيرة، حققت نجاحاً كبيراً طوال الفترة الماضية في إشعال نيران الفتنة بين المسلمين والأقباط، ولذلك يستخدمها محترفو إشعال الفتنة بحرفية شديدة، لاسيما في ظل غياب القانون والحسم في التعامل مع تلك الأحداث.

وأضاف رشوان أن القضية الطائفية في مصر تشير إلى وجود خطأ مزمن في معالجتها، حيث لم تعد تجدي معها الحلول العرفية، وجلسات التقبيل بين المشايخ والقساوسة أمام كاميرات التصوير، وجلسات الترضية العرفية، التي عادة ما يفلت فيها الجاني من العقاب، رغم إرتكابه فعلاً أو جريمة شنيعة، الأمر الذي يشجّع الآخرون على تكرارها. مشدداً على ضرورة إنفاذ القانون بحسم وقوة.

بل ذهب رشوان إلى ما هو أبعد من ذلك، بدعوة المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد إلى إعلان الأحكام العرفية، وإستخدام القانون العسكري في مواجهة تلك الأحداث الطائفية التي يشير تكرارها خلال فترات وجيزة إلى إمكانية تحولها إلى حرب أهلية سوف تدمّر الحرث والنسل في مصر.

يقف رشوان في صف أصحاب نظرية المؤامرة، الذين يرون أن تلك الأحداث يقف وراءها فلول النظام السابق وضباط سابقون في جهاز أمن الدولة المنحلّ ورموز في الحزب الوطني المنحل أيضاً، مشيراً إلى أنه مع أقتراب صدور حكم قضائي أو تجديد حبس أحد رموز النظام السابق تقع حادثة طائفية، وعادة ما يكون الهدف منها توصيل رسالة إلى المجتمع المصري، مفادها أن المصريين لن ينعموا بالأمن بعد سقوط النظام السابق، فضلاً عن محاولة الضغط من أجل إثناء السلطات القضائية أو السياسية عن إستكمال المحاكمة، ونوه رشوان بأن أحداث إمبابة وقعت في اليوم التالي لصدور حكم بسجن حبيب العادلي وزير الداخلية السابق لمدة 12 عاماً وإلزامه بدفع 22 مليون جنيه للدولة إستولى عليها بغير حق.

أزمة طائفية

تتماثل وجهة نظر المفكر القبطي كمال زاخر مع ما ذهب إليه ضياء رشوان حول الأحداث الطائفية الأخيرة، وغيرها من الأحداث السابقة، مشيراً إلى أن ما حدث جريمة جنائية وقعت نتيجة لغياب الأمن ودولة القانون، ومحاولة بعض الفئات فرض سيطرته على المجتمع.

ولفت إلى أن إفلات الجناة في حادث إطفيح وعدم كبح جماح السلفيين في مظاهراتهم أمام الكاتدرائية أو أمام مجلس الوزراء أو أمام المساجد الكبرى أو دعواتهم إلى هدم الأضرحة وتنفيذ تلك الدعوات بالفعل في أماكن عدة فتح شهيتهم ومعهم البعض ممنيتضامنون معهم على إختراق القانون، والتصور أنهم من يضعون قانون دولة ما بعد الثورة من خلال فرض الأمر الواقع.

لم ينف زاخر وجود أزمة طائفية بين الجانبين المسلم والمسيحي، إلا أنه يرى أنها ليست بالشكل الذي ظهرت عليه أحداث إمبابة من قتل وتبادل إطلاق الرصاص، وإضرام النيران في الكنائس.

وأوجز زاخر أسباب إشتعال الأزمة على هذا النحو في أسباب عدة هي: القبضة الرخوة للسلطة الحاكمة في مصر حالياً، وغياب الأمن، ووجود رواسب فتنة في القلوب تركها النظام السابق أو زرعها في النفوس، وسعي العديد من الدول العربية والأجنبية إلى بثّ روح الفتنة بين المصريين، بهدف عدم تكرار نموذج الثورة المصرية في تلك الدول.

سقوط هيبة الدولة

فيما يرى الدكتور نبيل حلمي عميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق السابق أن العنف الذي صاحب أحداث إمبابة يتنافى مع طبيعة الشعب المصري، التي تأبى الفتن، وتنفر من العنف المفرط، معتبراً أن السبب الأساسي الذي يقف وراءها هو غياب الأمن بدرجة واضحة.

وأضاف حلمي أنه لا سبيل للقضاء علي الفتنة إلا من خلال تقوية الإحساس بالأمن وعودة الشرطة إلى ممارسة دورها في حماية الأرواح والممتلكات، ومواجهة البلطجية الذين إنتشروا في كل مكان على أرض مصر، صاروا يهددون الجميع، ويشعلون الفتنة بين الأقباط والمسلمين.

وأضاف أن جريمة الفتنة الطائفية ليست كباقي الجرائم الجنائية، بل هي جريمةذات طبيعة مدمّرة بشكل عام، حيث إنها تؤثر على أمن وسلامة المجتمع، وتؤثر بالسلب على الإقتصاد، ولذلك ينبغي التعامل معها بكل حزم، وتقديم المتورطين فيها إلى المحاكمة الفورية، ومن أجل إستعادة هيبة الدولة.

شعور بالإضطهاد

الأقباط يعانون منذ سنوات طويلة بسبب عدمتطبيق القانون ضد من يرتكبون جرائم في حقهم، هذه هي جذور المشكلة الحقيقة، مما شجّع الطرف الآخر على إستمرار إنتهاك حقوقهم، ورزع في نفوس الأقباط شعورًا بالإضطهاد. إنه رأي الدكتورة جورجيت قليني النائبة السابقة في البرلمان والناشطة القبطية.

وأضافت أن الجرائم الطائفية هي جرائم جنائية، وفقاً لنصوص قانون العقوبات المصري، ومن ثم فليس هناك أي دواع للتعامل بمنطق الجلسات العرفية والتراضي بين الطرفين، من دون تقديم الجناة إلى المحاكمة أو التباطؤ في إصدار أحكام رادعة في حقهم.

وأضافت أنها كمحامية بالأساس تعلم جيداً أن إفلات الجاني من العقاب على جريمة إرتكبها تشجّعه على تكرارها، بل والتمادي فيها، وافتعال جرائم أخرى أشد وأخطر مما سبق، رافضة الاعتقاد بوجود أجندات خارجية في الأحداث الطائفية بصفة عامة، ومطالبة بضرورة التعامل مع الجرائم الطائفية بطرق علمية وقانونية بعيداً عن الشائعات أو منطق ضرب الودع، وشددت على ضرورة التحقيق في أية جريمة طائفية، إنطلاقاً من أنها جريمة جنائية منصوص عليها في قانون العقوبات، وإصدار أحكام رادعة ضد المتهمين، الذين يثبت تورطهم فيها... عندها سوف تختفي الطائفية.