أحمدي نجاد خلال تقبيله يد المرشد الأعلى بعد إنتخابه رئيسًا عام 2005

ينذر الصراع الدائر بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي، باشتداد الخلافات في المرحلة المقبلة بين رجال السياسة والدين، أي بين أنصار خامنئي الحرس الثوري ومؤيدي أحمدي نجاد وسياسته، وعلى رأسهم صهره مشائي، الذي يتمتع بنفوذ كبير، ويأمل في خلافة مقعد الرئاسة.


تشير الدلائل والمعطيات إلى أن هناك ثورة من نوع جديد قد تقع في إيران قريبًا مختلفة عن تلك الثورة الدينية التي حدثت في عام 1979. فزعيمها هذه المرة ليس قائداً دينياً، مثل الخميني، أو شعبًا يبحث عن الحرية، كما حدث في الثورات العربية في مصر وتونس، أو مازال يحدث في اليمن وسوريا وليبيا، ولكن بطلها هو أسفنديار رحيم مشائي صهر الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، ومبعوثه الشخصي ونائبه الأول ورئيس الاركان السابق، الذي يعمل على تحريض أنصاره للقيام بثورة ضد المرجعيات الدينية والمرشد الأعلى علي خامنئي، من أجل تقوية نفوذ وصلاحيات صهره الرئيس أحمدي نجاد، وأملاً في خلافته في مقعد الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في عام 2013.

سابقة تاريخية

الشيء الغريب والمثير للجدل في طهران حاليًا هو أن ما يحدث من تصاعد في الصراع المحتدم بين المرشد الأعلى للثورة الايرانية علي أكبر خامنئي quot;الاستاذquot; وتلميذه أحمدي نجاد يقع للمرة الأولى،ويعدّ سابقة تاريخية. حيث لم يجرؤ أي رئيس جمهورية إيراني سابق على تحدي سلطة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، التي تعدّ سلطة مطلقة، باعتباره quot;ممثل العناية الإلهية في الأرضquot;، بشكل معلن، كما يفعل الرئيس الحالي أحمدي نجاد.

هذا علاوة على أن المرجعيات الدينية في إيران تنظر إلى أي شخص يعارض قرارات أو أفكار المرشد الأعلى على أنه quot;كافرquot;. الأمر الذي ينذر باشتداد الخلافات في المرحلة المقبلة بين رجال السياسة والدين، أي بين أنصار خامنئي quot;الحرس الثوريquot; ومؤيدي نجاد وسياسته، وعلى رأسهم صهره مشائي، الذي يتمتع بنفوذ كبير في الحياة السياسية الإيرانية، ويتدخل في معظم قرارات الرئيس. وذلك بعد وقوع مصادمات عنيفة بين أنصار أعلى سلطتين في إيران quot;الرئيس والمرشد الأعلىquot;، وانتقال الصراع بينهما إلى الشارع.

وزاد التوتر كثيرًا بين أنصار الدين والسياسة أمس quot;الجمعةquot; بعد ما ذكره إمام جمعة طهران أن بإمكان خامنئي تطليق أحمدي نجاد من زوجته إن أراد.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف امتلك الرئيس أحمدي نجاد القوة والشجاعة لمواجهة خامنئي ؟!.. وهل ستتغير تركيبة الحكم في إيران في المرحلة المقبلة، بحيث تتقلّص صلاحيات المرشد الأعلى مقابل تزايد صلاحيات الرئيس؟!.

المرشد الأعلى علي خامنئي
رئيس الاركان السابق والنائب الأول للرئيس رحيم مشائي
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد

منذ عام 2005، وعلى امتداد سنوات رئاسته للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عمل أحمدي نجاد وصهره رحيم مشائي على جمع الأموال بشتى السبل المشروعة وغير المشروعة. وبما أن امتلاك المال في إيران يعني القوة، فإن أحمدي نجاد من خلال تخطيط محكم من صهره مشائي، استطاع تجنيد أنصار له من المؤمنين بفكرة عدم تدخل رجال الدين في السياسة في مختلف مؤسسات الجمهورية وبين أفراد الشعب، ومن ثم تكوين جبهة قوية ضد خامنئي وحرسه الثوري.

كما يعمل رئيس الأركان السابق والنائب الأول للرئيس رحيم مشائي quot;الذي ابنته متزوجة بابن أحمدي نجادquot; على تحريض الساسة الليبراليين وأعوانهم ضد رجال الدين، وعلى رأسهم خامنئي، وذلك من أجل تمهيد الطريق له بمعاونة الرئيس للوصول إلى كرسي الرئاسة في طهران.

حيث إن من مصلحة أحمدي نجاد، الذي ستنتهي ولايته في عام 2013،أن يكون رحيم مشائي هو الرئيس المقبل لإيران، خاصة وأن نجاد لا يمكنه الترشّح لولاية رئاسية ثالثة بحسب الدستور.

ومن المتوقع أن تندلع مظاهرات ثورية حاشدة في إيران قريبًا، لا يكون طرفاها هذه المرة الشعب ونظام نجاد بالأساس، إنما قد تكون مظاهرات شعبية منقسمة بين أنصار الدين والسياسة، بحيث تكون مدفوعة من قبل النظام السياسي لنجاد من جهة، ومن قبل الحرس الثوري والمرجعية الدينية للمرشد الأعلى خامنئي من جهة أخرى.

صراع ومستقبل غامض

بدأ الخلاف بين أحمدي نجاد وخامنئي بعدما قام نجاد بإجبار حيدر مصلحي وزير الاستخبارات على الاستقالة، الأمر الذي أثار غضب المرشد الأعلى خامنئي، ودفعه إلى إعادة تعيينه في منصبه مرة أخرى، ومن ثم وجد (نجاد) نفسه في موقف محرج، تسبب في تشويه صورته، ومن هنا بدأت عجلة الصراع تدور بين الطرفين، حيث يسعى نجاد إلى إبعاد خامنئي عن التدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

كما يتربص خامنئي بنجاد من أجل التضحية به في الوقت المناسب. وبالرغم من أن أحمدي نجاد أكد على أن الدستور الإيراني يمنحه سلطة تعيين الوزراء بصفته رئيسًا للجمهورية، بعد الحصول على موافقة البرلمان، إلا أن المرشد الأعلى خامنئي رد عليه قائلاً quot;إن هذا الدستور لك وللشعب، إنما أنا أعلى من الدستور.. أنا فوق الدستورquot;. والحقيقة أن هناك عرفًا سائدًا في إيران، يضع المرشد الأعلى فوق الدستور، ويجبر الجميع على تنفيذ تعليماته، مهما كانت من دون أدنى نقاش.

وتسبب رفض نجاد قرار خامنئي في انقسامات وموجة غضب عارمة في ايران، وقام نجاد بعصيان أوامر المرشد الاعلى، وتقدم باستقالته الى خامنئي، ولكنه تراجع عنها بعد ذلك في مناورة منه لإيصال رسالة إلى الشعب، وهي أن المرشد الأعلى يقف حجر عثرة وعائقًا في طريق نجاح خططه السياسية.

في المقابل تسعى المرجعيات الدينية المحافظة والحرس الثوري الإيراني إلى إبعادرحيم مشائي، الذي يعدّ العقل المفكر والحليف القوي لأحمدي نجاد، عن الحكومة الإيرانية في أقرب وقت ممكن، وقد يتطور الموقف إلى محاولة عزل نجاد نفسه من قبل المرشد الأعلى، إذا استمر أنصار نجاد ومشائي في نقل التوتر الى الشارع الايراني، وتأليب الرأي العام ضد المرشد الأعلى ورجالة العسكريين quot;الحرس الثوريquot;.

تجدر الاشارة الى ان المعارضة الايرانية كانت قد اتهمت السلطات بتزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009 لمصلحة نجاد، ورغم ذلك، وقف خامنئي إلى جانب نجاد، ودافع عنه بشراسة. ويقول برلمانيون إيرانيون إن أحمدي نجادفاز في تلك الانتخابات بسبب طاعته لولي الفقيه.

هذا وتشير التوقعات إلى أن التوتر والصراع بين نجاد وخامنئي، ربما يظل قائمًا حتى موعد الانتخابات التشريعية في عام 2012 والانتخابات الرئاسية في 2013. ومن ثم، فإن معاناة الشعب الإيراني ستستمر على كل المستويات الداخلية والخارجية لسنوات أخرى عدة.

علي خامنئي

علي خامنئي هو قائد الثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن المرجعيات الدينية الشيعية في إيران والعالم الإسلامي، ويلقّب في إيران بولي أمر المسلمين، ولد في عام 1939.

شغل مناصب تنفيذية وغير تنفيذية عدة،منها: نائب وزير الدفاع ومسؤول قوات حرس الثورة الإسلامية وإمام جمعة طهران، وممثل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى، وممثل مدينة طهران في مجلس الشورى الإسلامي.

تعرّض في 26 يونيو/حزيران عام 1981 إلى محاولة اغتيال في مسجد laquo;أبي ذرraquo; في مدينة طهران، نقل على أثرها إلى مستشفى الأمراض القلبية. وأصيبت يده اليمنى بالشلل التام، وظل راقداً في المستشفى إلى حين انتخابه لمنصب رئيس الجمهورية.

وأصبح في عام 1981 ثالث رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران، وأعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية من 1985م ndash; 1989. كما شغل الخامنئي وبأوامر منفصلة من قبل الإمام الخميني مناصب عدة، منها رئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية عام 1981، ورئيس مجلس سياسات البلاد العليا عام 1987.

أحمدي نجاد

الدكتور محمود أحمدي نِجَاد أستاذ جامعي وسياسي إيراني، أصبح عمدةً لبلدية طهران، ثم رئيسًا لجمهورية إيران الإسلامية منذ 3 أغسطس/آب 2005، بعد تغلبه على منافسه هاشمي رفسنجاني في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وأعيد انتخابه في 12 يونيو/حزيران 2009 على حساب منافسه مير حسين موسوي، بدعم من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، مما تسبب في أعمال عنف بين المدنيين ورجال الباسيج.

أسفنديار رحيم مشائي

أسفنديار رحيم مشائي هو سياسي إيراني مقرّب جداً من محمود أحمدي نجاد، كان يشغل منصب رئيس الأركان السابق، كما كان وزيرًا للسياحة في فترة محمود أحمدي نجاد الرئاسيةالأولى من 2005 حتى 2009، عيّنه نجاد نائبًا أول له في يوليو/تموز 2009، وصرّح مشائي في يوليو 2008 بأن إيران صديقة للشعب الإسرائيلي، وقال مشائي يومها quot;إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأميركي والشعب الإسرائيلي.. ما من أمّة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لناquot;. وأضاف quot;إننا نعتبر الشعب الأميركي من أفضل شعوب العالمquot;.