مدريد: يخط الحزب الاشتراكي الحاكم في اسبانيا مستقبله في خضم توتر داخلي مطرد اثر الهزيمة التاريخية التي هزته يوم الاحد الماضي في الانتخابات الاقليمية والمحلية ساعيا لايجاد صيغة تضمن له استعادة توازنه واسترداد ثقة الشعب.

وكشفت نتائج الانتخابات عن خسارة الاشتراكيين لجميع معاقلهم التاريخية وانحسار شعبيتهم في المدن الكبرى التي حكموها منذ 1979 الى جانب فقدانهم الافضلية الساحقة في الاقاليم التابعة لهم تاريخيا اثر تراجع شعبيتهم على خلفية القرارات الاقتصادية التقشفية التي اتخذتها الحكومة في الفترة الماضية للتعافي من الركود الاقتصادي الذي أرهق البلاد منذ بداية الازمة المالية العالمية في عام 2008.
وللخروج من المأزق الذي وجد فيه الاشتراكيون أنفسهم نادى بعض قادات الحزب بتعيين خليفة لرئيس الوزراء الاسباني والأمين العام للحزب الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو الذي أعلن في أبريل الماضي عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقلبة في مارس 2012 فيما اقترح اخرون اجراء تغييرات أكثر عمقا لضخ دماء جديدة في الحزب.

وكان رئيس حكومة اقليم (الباسك) الشمالي والأمين العام للحزب الاشتراكي في الاقليم باتشي لوبيز الذي يعد أحد أقوى الزعماء الاقليميين الاشتراكيين أول من كسر جليد الهزيمة في دعوة صريحة وواضحة الى قمة فيدرالية استثنائية للحزب لاختيار زعيم جديد وخلف لثاباتيرو الأمر الذي قد ينتهي باستبدال ثاباتيرو وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية.

ورأى مؤيدو هذا الاقتراح أن اجراء انتخابات تمهيدية لا يعد الخيار الأنسب للحزب لاسيما بعد الهزيمة التي لحقت به الاحد الماضي معتبرين ان من شأن ذلك تعزيز الانشقاق الداخلي للحزب واضعاف قدرته على مواجهة الانتخابات العامة المقبلة ومنهم رئيس الوزراء الاسباني السابق فيليبي غونزالس (1982 الى 1996) والامين العام السابق للحزب (1974-1997) الذي راى ان تاييد مرشح واحد يجنب الحزب صراعات داخلية تضعفه.
وكان ثاباتيرو اعلن في اكثر من مناسبة رفضه عقد قمة فيدرالية ورغبته بالاستمرار في سدة الحكم حتى انقضاء فترة ولايته داعيا الى اجراء انتخابات تمهيدية لتسمية خليفته بطريقة ديمقراطية تسمح لاعضاء الحزب بانتخاب زعيمهم الجديد.

ولما كانت وزيرة الدفاع كارمى تشاكون ووزير الداخلية الفريدو بيريز روبالكابا الذي يشغل ايضا منصب نائب رئيس الوزراء من ابرز المرشحين والطامحين الى تولي زمام الحزب والترشح للانتخابات في مارس المقبل فان الحزب وقع في نزاع داخلي بين مؤيد لاجراء انتخابات تمهيدية تتيح لتشاكون الفرصة للتنافس امام روبالكابا وبين الرافضين ذلك والداعين الى تسمية مرشح وحيد تعزيزا لصورة الحزب وقدرته للسير بالبلاد نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وادى الانشقاق المتصاعد الى اعلان تشاكون تنازلها عن الترشح للانتخابات الاولية على منصب الامين العام للحزب الاشتراكي مشيرة الى ان قرارها الفردي والمستقل ياتي استجابة لمصالح الحزب وحفاظا على وحدته وانسجامه وتعزيزا لاستقرار الحكومة ولسلطة ثاباتيرو.

ووصف قادة الحزب تشاكون بالكرم والتفاني من اجل مصالح الحزب مرحبين بالقرار الذي اتاح لهم تعيين روبالكابا مرشحا للانتخابات الرئاسية في مارس المقبل متوقعين ان يعلن المرشح الرسمي الوحيد للانتخابات الرئاسية منتصف شهر يونيو المقبل مالم يترشح اخرون لقيادة الحزب.

ويرى كثيرون في روبالكابا البالغ من العمر 60 عاما خير خليفة لثاباتيرو وقائدا حكيما متوزانا يخشاه الحزب الشعبي اليميني المعارض وذي قبضة حديدية في محاربة المنظمة الانفصالية (ايتا) كما ان له باعا طويلا في الادارة الداخلية وقدرة على بث الثقة والخروج من الازمة الاقتصادية فيما يرى البعض ان خروج تشاكون من ساحة المنافسة يمثل خسارة لروح التجديد التي يتعطش اليها الحزب للانطلاق نحو استرجاع ثقة الشعب بالحزب وبقيادة جديدة تحيي قيم الحزب ومبادئه.

وتمثل هذه الخطوة التي تاتي بعد اسبوع من الهزيمة التاريخية في الانتخابات مناورة لحل الازمة الداخلية وتحقيق اكبر قدر من التوافق في مواقف جميع الاطراف اذ يدرك الحزب الاشتراكي اهمية اعادة ترتيب ورسم خريطته الداخلية للوقوف صفا واحدا والعمل وفق خطوات مدروسة بعناية لكسب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يذكر ان الحزب الاشتراكي حصل على 81ر27 في المئة من الاصوات في الانتخابات المحلية والاقليمية الماضية في الوقت الذي حصل الحزب الشعبي اليميني المعارض على 58ر37 في المئة من الاصوات متغلبا بفارق مليوني صوت وعشر نقاط مئوية تعد اسوا نتيجة يمنى بها الاشتراكيون منذ عام 1995