ترتفع أصوات آلاف الشباب المهمّشين في الجزائر، مندّدين بما يسمونه quot;ظلمًاquot; وquot;تهميشًاquot;، ويحذر من حاول منهم الانتحار حرقًا من مغبّة استمرار الوضع على هذا المنوال. في التحقيق الآتي، تنقل quot;إيلافquot; جوانب من معاناة شباب يكتوون بنيران البطالة واستنزفتهم الإحباطات، فصاروا قنابل موقوتة، قد يؤدي انفجارها إلى ما لا يُحمد عُقباه.


محاولات انتحار الشباب العاطل عن العمل والفقير تتواصل في الجزائر في ظاهرة قد تهدد بانفجار اجتماعي

الجزائر: يشكّل كمال وياسين نموذجين للشباب اليائس في الجزائر، الأول يعيش برفقة أسرته الصغيرة في شرفة بناية (..)، والثاني لم يجد ملجأ يأويه سوى قبو حقير في أسفل إحدى بنايات حي عين النعجة (ضواحي الجزائر العاصمة).

قبل أيام قلائل، حاول الاثنان حرق أنفسهما احتجاجًا على حرمانهما من سكنين يحفظان كرامة عائلتيهما. وفيما عجز كمال صاحب 33 سنة عن إكمال حديثه معنا لفرط تأثره وحنقه، أورد ياسين، الذي يسير بهدوء نحو خريف العمر، أنّه يتعايش مع الجرذان في قبو ضيق، وقدّم على مدار السنوات التسع المنقضية، عشرات الشكاوى والملفات إلى السلطات المحلية لأجل إنهاء محنته ومنحه شقة، إلاّ أنّه لا شيء تحقق منذ 25 سنة.

يشدد كمال، الذي يعمل كحارس موقف للسيارات، على أنّ مسؤولي البلدية التي يقطن فيها، لم يبالوا بالطعون التي أرسلها الواحدة تلو الأخرى، في وقت جرى إغداق سكنات على فتيات عازبات، مع أنّ تحكيم معيار الأولوية يقتضي غير ذلك، في بلد يشهد وضعًا اجتماعيًا غريبًا على منوال إقامة خمس عائلات مجتمعة في شقة من ثلاث غرف.

يضيف كمال بلهجة متحسرة: quot;نحن مظلومون جدًا، وهذا الظلم يمسّ كل الجزائر، لذا صعدت فوق سطح البلدية، وحاولت حرق نفسي، لكنّ أصدقائي ووالدتي وزوجتي منعوني، لكنني سأعيد المحاولة، طالما لم يعد هناك من حلّ آخر أمام ركام المشاكل والانهزامات اليومية والخيبات المتصلةquot;.

بدورهم، أبدى إلياس، رشيد وزهير الذين التقيناهم في حي سوسطارة الشعبي، خيبة مضاعفة، يقول الأول الذي قدّم ملفًا لتنفيذ مشروع صغير، إنّ لا شيء تحقق لأنّ السلطات تضحك على أذقان شبابه.

يشرح إلياس المتخرج من معهد التخطيط والإحصاء بغضب: quot;بعد زلزال الخامس يناير/كانون الثاني، سارع المسؤولون إلى التأكيد على أنّ قروضًا بالمليارات ستمنح للشباب، وما عليهم إلاّ إيداع ملفاتهم، وستتم دراستها في ظرف قياسي، أؤكد لكم أنّهم يكذبون، وها قد مرت ستة أشهر، ولم نتلق إجابات على طلباتناquot;.

يكشف رشيد متخرج كلية تجارة عن جانب مضحك/مبك، فإدارات البنوك أبلغت من قصدوها من الشباب، باستحالة منح قروض بالصيغة التي أعلنتها الحكومة، وبرروا ذلك بحتمية تحيين قوانين المؤسسات المصرفية حتى يتسنى لها ذلك. وبأسى ظاهر، لا يستسيغ زهير العاطل عن العمل، رغم حيازته ثلاث شهادات عليا، كيف لبلد يُفترض أن يكون الشباب قوته الضاربة، أن يتعاطى مسؤولوه بهذا القدر من quot;اللا مسؤوليةquot; على حد تعبيره.

تتساءل فاطمة الزهراء الأستاذة في الطور الإعدادي، عن مؤدى الشباب في الجزائر، التي يستخدم ساستها الجيل الجديد كورقة مناسباتية ليس إلاّ، وما يزيد الطين بلّة بحسبها الركود السياسي والاقتصادي، الذي يلقي بظلاله على البلد، إذ لم تظهر أي بوادر انطلاقة اقتصادية أو استثمارات جدية، رغم تكدّس مليارات النفط في الخزانة العامة.

يقول نسيم صاحب متجر للعطور: quot;كل شيء هنا يشعرك بالإحباط، رئيس مريض وحكومة فاشلة، وفوق ذلك قضاء غير مستقل وبرلمان نائم، وأحزاب خارج نطاق التغطية، وأخرى على الهامش، وسط مراقبة بوليسية تامةquot;.

ويعقب نجيم: quot;نعيش وضعًا عبثيًا تحت رحمة مسؤولين غير أكفاءquot;، فيما أوعز ثالث أنّ كل الطرق تدفع إلى التمرد أو الهروب بعد استفحال اللاعدالة والفقر والمحسوبية ومعضلة السكنquot;، في حين يردّد رضا: quot;لقد صادروا طموحنا، وحتى وإن حظينا بوظائف فالرواتب هزيلةquot;، بينما يشير سمير إلى quot;عانيت كثيرًا البطالة، لا يوجد شيء في هذه البلاد، لقد ضقت ذرعًا بواقع كهذا، نحن شباب نبحث عن إثبات ذواتنا رغم كل شيءquot;.

إلى ذلك، يبدي شباب أنشأوا منظمة جديدة أسموها quot;أنقذوا الشباب الجزائريquot;، يقينهم بأهمية تمكين طلائع الجيل الجديد من اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم، فقد انتهى زمن الوصاية بحسبهم.

يقول عرّابو التنظيم إياه، بضرورة اعتراف حكام البلد بقيمة الشباب فعليًا وإشراكهم بقوة، معتبرين أنّ التغيير لن يكون إلا وفق طرق منظمة ومتحضرة، بمنأى عن انفجار اجتماعي وثورة، إن نشبت في الجزائر، ستكون أعنف من تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا.

الهجرة لتجاوز اليأس
يُبرز مسح ميداني حديث أنّ الشباب الجزائري من فرط يأسه صارت الهجرة حلمه الوحيد، وتفيد نتائج المسح الذي أجراه مركز محلي متخصص، أنّ 33 % من الجزائريين، الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و35 سنة، يحلمون بالهروب إلى خارج البلاد، بينهم 60 % نالوا حظًا وافرًا من التعليم ويعانون مرارة الإحباط.

ويشير المسح إلى تأكيد 73 % من الشباب المستجوبين على افتقارهم أي إطار حياتي لائق، بينهم 58 % لا يمارسون أنشطة رياضية، في وقت لا ينتمي 90 % إلى أي جمعية أو تنظيم شباني أو سياسي.

ولا تزال ظاهرة الهجرة السرية تسيل لعاب الشباب اليائس بواقع 991 امتطوا زوارق الموت خلال العام الأخير، وبعدما كانت مقصورة على العنصر الرجالي، امتدت إلى بنات حواء، اللواتي صرن يمارسن الفرار بالعشرات نحو إسبانيا وإيطاليا على وجه الخصوص.

تعليقًا عما يحصل، يؤكد علي يحيى عبد النور عميد الحقوقيين الجزائريين على حاجة الشباب في بلاده إلى أفعال تستجيب لانشغالاتهم وتجسد طموحات شريحة، أنهكتها البطالة والفاقة والتهميش. فيجزم علي يحيى (93 عامًا)، بحتمية الإنصات إلى هؤلاء الشباب، الذين يمثلون مشكلة عميقة يجدر بالسلطات حلّها، عبر ترسيخ العدالة الاجتماعية وتشجيع المبادرات الخلاّقة، ليتنفس الشباب الصعداء.