عادت معركة الدستور أم الانتخابات أولاً لتشتعل في مصر بين التيارات الإسلامية من جانب والتيارات الليبرالية من جانب آخر، رغم أن القضية حسمت في 19 مارس بإجراء استفتاء حول التعديلات الدستورية. وبين شدّ وجذب السياسيين، ينقسم المصريون بين مؤيّد ورافض للالتزام بنتائج الاستفتاء.


القاهرة: رغم أن القضية حُسمت في 19 مارس (آذار)الماضي بإجراء استفتاء حول التعديلات الدستورية، وجاءت النتيجة مؤيدة لإجراء الإنتخابات ثم الدستور، إلا أن معركة quot;الدستور أم الإنتخابات أولاًquot; عادت لتشتعل من جديد بين التيارات الإسلامية من جانب، والتيارات الليبرالية من جانب آخر.

تقف جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون والجماعة الإسلامية على رأس الفريق المعارض لوضع دستور للبلاد قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية والإلتزام بنتائج الإستفتاء الذي صوّتت فيه الغالبية على تأجيل الدستور، بينما تقف أحزاب الجبهة الديمقراطية والتجمع والعربي الناصري والمصريون الأحرار، وإئتلافات شباب الثورة، والتيارات الليبرالية على رأس الفريق المنادي بوضع دستور للبلاد قبل إجراء الإنتخابات، وينقسم المصريون بين الفريقين.

بدأت المعركة بين الجانبين في 27 مايو/أيار الماضي، فيما عرف بـquot;جمعة الغضب الثانيةquot;، حيث رفع شباب الثورة والليبراليون شعار quot;الدستور أولاًquot;، وتشكيل مجلس رئاسي يدير البلاد، بدلاً من المجلس العسكري، وهي الشعارات التي عارضتها بشدة جماعة الإخوان المسلمين، معلنة أنها إنقلاب على الثورة، وعلى الإستفتاء الدستوري.

ما لبثت المعركة أن إنتقلت إلى أروقة المنتديات والمؤتمرات، وصار السؤال quot;الدستور أم الإنتخابات أولاً؟quot; الشغل الشاغل للمصريين.

هجوم ليبرالي

quot;على خطى تونس، الدستور أولاquot;، عنوان بيان أصدرته 13 منظمة حقوقية دعتفيه المجلس العسكري إلى وضع الدستور أولاً أسوة بتونس التي أطلقت شرارة الثورات في العالم العربي، وقالت فيه quot;ندعو المجلس الاعلى للقوات المسلحة إلى التفاعل البناء مع مطالب قوى الثورة، بإعادة النظر في ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية، بما يضمن إعطاء الأولوية لإعداد دستور جديد للبلاد، تنتظم في ظل قواعده مؤسسات نظام حكم ديمقراطي بديل، وتجرى بعده الانتخابات الرئاسية والنيابية.

مشيرة إلى أن quot;الإصرار على إجراء الإنتخابات البرلمانية أولاً بمثابة وضع العربة أمام الحصان، ويمكن الأطراف الفائزة في تلك الإنتخابات من من إدارة عملية إعداد الدستور، وفقًا لمصالحها الضيقةquot;، في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

مليونية في 8 يوليو

لم يقف الأمر عند حد المنظمات الحقوقية، بل بدأت 63 حركة وإئتلافاً لشباب الثورة في مختلف المحافظات حملة لجمع 20 مليون توقيع للمطالبة بـquot;الدستور أولاًquot;، بينما دعا ائتلاف شباب الثورة إلى مظاهرة مليونية يوم الجمعة 8 يوليو/تموز المقبل في ميدان التحريرباسم quot;جمعة الدستور أولاًquot;.

جاء التصعيد بشكل أقوى من جانب الجمعية الوطنية للتغيير، التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي، عندما رفعت طلباً موقعاً من 54 شخصية عامة إلى الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، يدعو فيه إلى حسم قضية quot;الدستور أم الإنتخابات أولاًquot; من خلال العرض على قسمي الفتوي والتشريع في مجلس الدولة، وهو الجهة القضائية المخوّلة بتفسير القوانين في حالة حدوث إلتباس على الحكومة أو المواطنين.

quot;دفاع إخوانيquot;

في المقابل، تدافع التيارات الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين عن التعديلات ضد هجوم الليبراليين، متهمين إياهم بالإنقلاب على الديمقراطية، لاسيما أن الإستفتاء على التعديلات الدستورية اشترك فيهغالبية المصريين ممن يحق لهم التصويت، وجاءت النتيجة بالمواقفة على إجراء تعديلات وإرجاء وضع دستور جديد للبلاد لما بعد الإنتخابات البرلمانية.

تأجيل الإنتخابات

ووفقاً لحافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، فإن الشرعية الثورية التي أرستها ثورة 25 يناير تشير إلى أن الأصل تأجيل الإنتخابات ووضع الدستور أولاً لتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإعادة تشكيل أو هيكلة النظام السياسي في البلاد، وأوضح أن في حالة إجراء الإنتخابات البرلمانية أولاً فإن ذلك يعني أن مصر ستظل كما هي من حيث النظام السياسي، فالبرلمان له غرفتان، الأولى مجلس الشعب، والأخرى مجلس الشورى، وقد يقضي الدستور الجديد بإلغاء المجلس الأخير.

ونفي أن يكون الدعوة إلى وضع الدستور أولاً بمثابة إنقلاب على الاستفتاء، الذي أجري في 19 مارس الماضي، وقال إن الأصل هو الدستور أولاً، كما إن السلطة التي تدير البلاد انقلبت عليها بالفعل عندما وضعت دستوراً مؤقتاً، رغم أنها استفتت الشعب على تسع مواد فقط.

وشدد أبو سعدة على تشكيل لجنة لوضع الدستور قبل الإنتخابات، لأنه الأساس الذي سوف تبنى على أساسه الدولة المصرية الجديدة.

20 مليون توقيع

يقول أحمد سامح عضو الجبهة الوطنية للتغيير السلمي الداعية إلى جمع 20 مليون توقيع ضمن حملة الدستور أولاً إن هذا مطلب شعبي عام، لا رجعة فيه، مشيراً إلى أن المدافعين عن مبدأ الإنتخابات النيابية أولاً يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية ضيقة، ويحاولون تشكيل الجمهورية المصرية الثانية على حسب أهوائهم، حيث سيكون بإمكانهم السيطرة على البرلمان الذي سيكون مخوّلاً اختيار مائة شخصية لوضع الدستور الجديد، وبالتالي سيكون بإمكانهم التحكم في هذا الدستور لأنهم يمثلون السلطة في حينها.

واضاف قائلاً: كيف يتم بناء الأدوار العليا لأية بناية بدون وضع الأساس لها؟، إن المنطق يقول إنه من الضروري وضع الدستور أولاً بإعتباره الأساس الذي سوف يقوم عليه البناء الديمقراطي للدولة، كما إن ذلك سوف يحدد طبيعة وشكل الدولة، هل برلمانية أو رئاسية، وهل يتكون البرلمان من مجلسين أم مجلس واحد؟.

وأضاف سامح أن القوى السياسية المختلفة أجمعت على أهمية وضع الدستور أولاً باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أنه سوف يتم جمع 20 مليون توقيع من أجل هذا الهدف، وسوف تخرج مليونية جديدة في 8 يوليو المقبل، إنه هدف يستحق الكثير من الجهد والعناء.

إنقلاب على الديمقراطية

على الجانب الآخر، يقول صبحي صالح، القيادي في جماعة الإخوان وأحد أعضاء لجنة تعديل الدستور، إن الدعوات إلى وضع الدستور أولاً غير قانونية أو دستورية، مشيراً إلى أن أصحابها يتميزون بأصواتهم المرتفعة، لكنهم لا يمثلون قوة حقيقية في الشارع، الذي قال quot;نعمquot; للتعديلات الدستورية والإنتخابات البرلمانية أولاً.

وأضاف صالح إن الدعوات إلى وضع الدستور أولاً تمثل إنقلاباً على الديمقراطية، وصندوق الإنتخابات الذي احتكم إليه الجميع، وعندما جاءت النتيجة على غير هوى بعض القوى السياسية تحاول الآن الإلتفاف عليها.ونوه بأن وضع الدستور في المرحلة الحالية مهمة صعبة وتحتاج وقتًا، والمصريون يريدون عبور المرحلة الإنتقالية بسرعة، للوصول بمصر إلى الإستقرار.

محاولة لشق الصف

يصف الدكتور عصام العريان المتحدث نائب رئيس حزب العدالة والحرية الدعوة إلى وضع الدستورأولاً بأنها quot;إنقلاب على الديمقراطية، وإنقضاض على إرادة الشعب المصريquot;.

وأضاف أن من يريدون تشكيل لجنة لصياغة الدستور الآن هم مجموعة من القوى السياسية تمارس الديكتاتورية ضد الغالبية من المصريين التي صوّتت في الإستفتاء على التعديلات الدستورية، مشيراً إلى أن التهديد بالخروج للتظاهر في ميدان التحرير أمر مرفوض، ومحاولة لشق الصف المصري، الذي توحد خلف مطالب الثورة، حتى أسقط النظام، ويعمل حالياً على بناء دولة مدنية ديمقراطية.

استعراض للقوة

من جانبه، يصف الدكتور كمال منصور الأستاذ في كلية الحقوق والخبير السياسي ما يحدث في قضية quot;الدستور أم الإنتخابات أولاًquot; بأنها محاولة لاستعراض القوة بين التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية، حيث فازت الأولى بقيادة جماعة الإخوان في الجولة الأولى، وهي معركة الإستفتاء على التعديلات، وتحاول الأخيرة إثبات قدراتها في قلب الطاولة على الإخوان والسلفيين، من خلال إدارة معركة جديد لوضع الدستور أولاً.

وأضاف منصور أن ما يحدث ليس له علاقة بالمصلحة العامة بقدر ما له علاقة بالمصالح الخاصة الضيقة، لافتاً إلى أن الأهم في تلك المرحلة هو بناء مصر، وعدم الإنقلاب على التجربة الديمقراطية التي جرت في الإستفتاء على الدستور في 19 مارس الماضي، حتى لا تكون سابقة خطرة قد تستخدمها السلطة الآتية في التلاعب بالدستور، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة إتخاذ كل الضمانات من المجلس العسكري بعدم إنفراد أي جهة أو قوي سياسية بوضع الدستور بعد الإنتخابات، والإلتزام بمواد، فلو تم إلغاء مجلس الشورى يتم التنفيذ فوراً.