زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية آلان جوبيه إلى الجزائر تأتي في توقيت تشهد فيه الأزمة الليبية انفتاحا نحو المجهول، نظرا لتعنت معمر القدافي، وعلاقاته المتشابكة مع أنظمة إفريقية، ويمكن للجزائر أن تلعب في هذا الصدد دورا مهما للحسم فيها بحسب الفرنسيين.


الرئيس الجزائريّ عبدالعزيز بوتفليقة مستقبلا وزير الخارجية الفرنسيّ آلان جوبيه

باريس: لم يكن ممكنا لوزير الخارجية السابق برنار كوشنير أن يسهم في إطلاق بناء العلاقات بين باريس والجزائر، بسبب تصريحه الناري بحق حكام الجزائر الذي قال فيه إن quot;تطبيع هذه العلاقات لم تعد ممكنة إلا بذهاب الجيل الحالي من على رأس الحكم في الجزائرquot;.

بهذا التصريح قطع كوشنير حبل التواصل دبلوماسيا مع الجزائر، والتجأت باريس إلى منفذ ثانٍ أولا لترطيب الأجواء بين البلدين ثم لضمان استمرارية مصالحها بهذا البلد، بتعيين ساركوزي لعراب من عيار ثقيل للإشراف على المباحثات الاقتصادية بين العاصمتين.

الأمر يتعلق بالوزير الأول السابق جون بيير رفران الذي نجح إلى حد بعيد في المهمة التي أوكلت إليه، وربما قد يكون ساهم في التحضير لزيارة وزير الخارجية الحالي آلان جوبيه،عندما استطاع إلى جانب وزير الاقتصاد الجزائري جمع 600 مقاول في لقاء مشترك قيل عنه إنه الأول من نوعه بين الطرفين.

دعوة جد خاصة

بدعوة من رئيس الدبلوماسية الجزائرية مراد مدلسي حل آلان جوبي ضيفا على الجزائر، الأربعاء الماضي، في جو من الهدوء الإعلامي الذي عكسته أعمدة الصحافة الجزائرية، عكس الخطاب الإعلامي المتشنج التي عودت عليها قراءها،في غالب الأوقات، عند أي زيارة من هذا الحجم.

المسؤولون السياسيون في الجزائر يعون اليوم، بحسب ملاحظين، أن الوقت لا يسمح بتأجيج المواجهة على جبهات أخرى، وعلى رأسها الجبهة الفرنسية، لأن هناك وضعا داخليا يغلي، وتشتيت تركيزها على جبهات متعددة، قد يؤدي بهذا الوضع نحو مآل لا يرغبون فيه.

وقد تكون هذه الدعوة بالكثير من اللباقة لمدلسي لنظيره آلان جوبيه تنطوي على قراءة جد خاصة للوضع الحالي الجزائري، تفاديا للدخول في صراع مع دول الحلف الأطلسي الذي تقوده باريس في ليبيا، بالنظر إلى الموقف الجزائري من الأزمة الليبية، والذي لا يمكن أن يخدم النظام الجزائري في هذا الظرف بالمرة.

كما أن الجزائر تعي جيدا أن الزيارة ما هي إلا تأكيد للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، دون أن تصل إلى مستوى الحسم في القضايا العالقة بينهما، من أبرزها قضية الصحراء التي لفرنسا موقف داعم للمغرب بخصوصها، ثم الاتحاد من أجل المتوسط الذي ترفضه الجزائر ،زيادة على الأزمة الليبية.

زيارة من أجل مهمة محددة

توجه آلان جوبيه إلى الجزائر، بحسب رأي الإعلامي عبد الكريم الحاج مهدي، بهدف أساسي هو quot;طلب يد المساعدة الجزائرية للخروج من المستنقع الليبيquot; على حد قوله، لأنها لوحدها، يعتقد هذا المختص في العلاقات الفرنسية الجزائرية، قادرة أن تقول للقدافي كفى.

تصريحات الجانبين جاءت بلون دبلوماسي، وتركت للملاحظين هامشا فضفاضا في إعطاء قراءاتهم لعمق الزيارة، ولاسيما أن الدبلوماسية الجزائرية بحسب عبد الكريم الحاج مهدي كتومة، وعادة ما تفضل التحركات في الظل.

ويضيف: quot;يمكن للجزائر أن تسهل على فرنسا عملها في ليبيا، إلا أن النظام الجزائري لا يرى بعين الارتياح الوضع الليبي وأي تمزيق يحصل في ليبيا ستتضرر منه الجزائر كذلك و لو بعد خمسين سنةquot;.

ويرى الحاج مهدي أنّ الجزائر غير مستعدة لفتح جبهة خارجية لأنها تواجه جبهة داخلية، قصد بها quot;قدماء الجنرالات وبيادقهمquot;، معتبرا أن بوتفليقة نجح في إبعاد الجيش عن مراكز القرار في الجزائر، نافيا أن تكون هناك معارضة حقيقية من داخل المشهد الحزبي الجزائري لأنها quot;توكل لها أدوار من طرف النظام لا أقل و لا أكثرquot; طبقا لتقديره.

الخلاف الذي لا ينتهي

أكد جوبيه خلال هذه الزيارة أنه لا داعي لأن quot;تجتر الجزائر اللازمة نفسها بمطالبتها لباريس بالاعتذار عما اقترفته فرنسا الاستعمارية من جرائمquot;، وسار بذلك وفق الخط الذي رسمه سيد الإليزيه نفسه في تعاطيه مع هذا الإشكال التاريخي، الذي يسمم العلاقات بين البلدين، داعيا بدوره للتوجه نحو المستقبل.

ويعتبر الحاج مهدي أن quot;هذا الإشكال سوف لن يحل مادام جيل الستينات هو الذي يوجد في الحكم في الجزائر، والذي يفكر بطريقة quot;أيام الجبل على عهد الثورةquot;، وبالتالي فهو يرى أن الحل يمكن أن يأتي مع أجيال أخرى.

ويؤكد الإعلامي الجزائري أن quot;الوعي الجماعي الجزائري لايغفر للاستعمار الفرنسي جرائمه، فالنظام الحالي سيظل يلوك هذا المطلب كلما حاول أن يساوم الطرف الفرنسي على مطلب معين، فهو يعتبرها quot;ورقة مساومةquot; يملكها بين يديه ولا يمكن أن يفرط فيها أبدا.

جوبيه المحنك دبلوماسيا ولكن...

يعتقد المختص في العلاقات الفرنسية الجزائرية أن زيارة جوبيه إلى الجزائر لا يمكن حصرها في زيارة مجاملة ليس إلا، وإنما تحمل رسائل إلى دول أخرى، كون الجزائر هي بالفعل موجودة كقوة في المنطقة، والكثير من المعادلات المغاربية والإفريقية وحتى العربية، لا يمكن الحسم فيها إلا بالمرور عبر طريقها.

و على الرغم من كفاءة ألان جوبيه الدبلوماسية، لا يمكن أن ينفعه ذلك في وضع العلاقات بين البلدين على السكة الصحيحة، حتى تأخذ مجراها الطبيعي.
ويوضح الحاج مهدي قائلا إنّ المسؤولين السياسيين في الجزائر يعتقدون أن الأمر يتجاوزه ولا يمكن حله إلا مع الإليزيه مباشرة.

وتحدث الحاج مهدي عمّا أسماه quot;النيف الجزائريquot; عند تعاطي النظام دبلوماسيا مع فرنسا، نظرا للتاريخ الذي جمع البلدين، وما لحقه من شد وجدب خلال سنوات الاستقلال، ولاسيما أن الجزائر تعيش وضعا ماليا مريحا بفضل عائدات النفط والغاز، والهم الذي يؤرق المسؤولين في بلد المليون والنصف مليون شهيد في الظرف الحالي هو الحراك الداخلي.