تتقاطع مواقف الإعلاميين الجزائريين تجاه ما يجري في بلادهم، وفي تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot; يذهب أربعة من أهل الصحافة إلى الجزم بأنّ ما يحدث في الجزائر هو quot;كذبة كبيرةquot;، وأنّ الأنباء المتداولة عن ثورة التغيير أمر غير وارد بفعل خلفية اجتماعية نفسية والفردانية تجعل الجزائريين يستنكفون عن رهان التغيير الشامل.

الصحافي الجزائري quot;هيثم ربانيquot;

الجزائر: يبدي quot;هيثم ربانيquot; الذي أعلن اعتزاله الكتابة انزعاجه من الوسائل الإعلاميةحول ما يسمى quot;ثورة التغييرquot; في الجزائر، حيث يتعجب من كتابات غالبية الصحافيين الجزائريين خاصة ممن يدّعون أنّ الجزائر تعيش ثورة، أو أنها تعيش مرحلة تغيير أو تغير.

وأكّدأنّ جميعهم نسوا أنّ حطب نار الثورة في أي بلد عربي أو أجنبي إنما هي الطبقة الوسطى لا غير، بل و حتى في quot;الثورة البلشفيةquot; وقادة الفكر الماركسي غالبية القادة الكبار والمشرفين على الثورة إنما هم الطبقة الوسطى أو الغنية مثل كارل ماركس أو انجلز أو لينين وغيرهم.

ويشير رباني إلى أنّ أدولف هتلر ذاته لم يصعد إلى منصب المستشارية في عام 1933 لولا الطبقة الوسطى التي دعمته، فقد كانت نتائجه في الانتخابات التي سبقت هذا التاريخ لا تتعدى العشرة في المائة وفي أحسن الأحوال، عندما كانت الطبقة الفقيرة تقف خلفه.

وفي سياق مقاربته للشأن الجزائري، يركّز رباني على وجود ما ينعتها quot;كذبة كبيرةquot;، عرابوها عدد كبير من أهل القلم والثقافة، ويوقن بأنّ ما يراج عن أنّ الجزائر تعيش ثورة أو تغييرا غير صحيح بالمرة، لأنّ الشعب الجزائري بخصوصياته ما زال quot;هو هوquot; لم يتغير فعندما تثور منطقة ضد ظلم الإدارة لا تتحرك منطقة أخرى، لأنّ الأمر لا يهمها وهذه quot;الفردانيةquot; وquot;الأنانيةquot; معروفة لدى سكان الجزائر أو المغرب الأوسط منذ آلاف السنين، بحكم تشابك التربية الأمازيغية الانعزالية مع عقلية عرب بني هلال الذين غزوا المغرب العربي قبل قرون عدة، ضف إلى ذلك الطبيعة الجغرافية للجزائر والتي تعقّد من أي عمل ثوري مشترك.

ويعتقد رباني أنّ الكثير من أهل القلم الجزائريين يخجلون جداً من طبيعة أهلهم، وما كان لهم ليستحوا وإلا لخجل الأسد من نتانة ريح فمه، ولتوقف بعدها نهائياً عن الصيد كملك للغابة، ويربط رباني الراهن الجزائري بالبحبوحة المادية التي تعيشها الجزائر وهي التي تكرّس الأنانية لدى الناس، على نحو جعلهم يستنكفون عن التغيير الشامل الذي قد يعني ذهاب بحبوحتهم.

وضمن هذا المعنى، يستدل رباني ببلوغ رقم أعمال التجارة الداخلية الجزائرية حدود 24 مليار يورو، نصفها في يد السوق السوداء التي تشغّل قرابة المليونين ونصف شخص. quot;لا يدفعون ضرائب ولا يعرفون طريق التأمين الصحي أو الاجتماعي، و هذا العدد الهائل يعيلون أهاليهم وهم في المتوسط خمسة أفراد على الأقل في العائلة الواحدة، لتجد أنك أمام حوالى اثني عشر مليون جزائري يجدون طريقا لمعيشتهم وسط فوضى شاملة، والكثير من هذا العدد، يتدبرون حالهم لشراء بيوت أو بناء أخرى فوضوية أو التجارة في المخدرات أو التهريب عبر الحدود أو تجارة العملة أو السلع المغشوشة وهلم جراquot; .

ويربط رباني العامل الآنف الذكر بتكفل الدولة ببقية مواطنيها تكفلا شبه تام، من الدراسة الابتدائية إلى السكن مرورا بالصحة والتأمين، وصولا إلى قروض الاستثمارات والإعفاء الضريبي وهلم جرا.

ويضيف قائلاً: quot;هؤلاء لن يفكروا في الثورة إلا إذا مست جيوبهم، وإذا حسبنا إجمالي مستخدمي الطبقة الشغيلة الحقيقية وهم حوالى أربعة ملايين، فإنّ هؤلاء بعائلاتهم قد يصلون إلى حوالى عشرين مليونا، إذا ما جرت إضافتهم إلى اثني عشر، تجد حوالى اثنين وثلاثين مليونا كلهم يجدون طريقهم، فيما تبقى أربعة ملايين أو خمسة في عداد الفقراء المعدمين وهؤلاء لن يشكلوا ثورة أبدا، بحسبهquot;.

الحكومة خدعت شباب الجزائر

من جهته يذهب الصحافي الجزائري المعروف quot;صديق يحياويquot; إلى أنّ الوضع المحلي بات راكدا، بعدما ظهرت بوادر انفجار مطلع السنة الحالية، ومحاولة بعض الأطراف استغلالها سياسيا.

ويقدّر يحياوي الذي يكتب في إحدى الصحف المحلية quot;المعرّبةquot;، إنّ السلطات كانت أمكر من مناوئيها، ولعبت على وتر الوقت من خلال استحداثها لجانا بغرض اصطناع ضجيج كسبت معه رهان التهدئة، بجانب إيهام الرأي العام الدولي بحدوث التغيير الموعود. ولفت إلىأنّ المحرر الشاب وبلهجة العارف لا يتوقع حدوث أي جديد في الجزائر، لأنّ النية والإرادة غير متوفرتين، على حد تعبيره.

هيئة الإصلاحات تشبه quot;حلبة السيركquot;

بدوره، يلاحظ الصحافي المخضرم quot;جمال زروقquot; إنّ الجزائر تشهد حاليا جمودا تاما، بحيث لا يمكن الحديث عن وجود حياة سياسية، خصوصا مع الغياب المبهم لأكثر من أربعين حزبا عن الأحداث، وانتفاء أدوار المعارضة السياسية.

فيما تكرّس واقع البرلمان المحلي كغرفة تسجيل ليس إلاّ، ويجري تمرير كل القوانين دون أي نقاش موضوعي، حيث يكتفي النواب برفع أياديهم لقول نعم لا غير. ويستبعد زروق الذي يكتب في الصحافة quot;المفرنسةquot; منذ ربع قرن، أي تغيير حقيقي في الأفق المنظور، واصفا هيئة الإصلاحات التي يرأسها الرجل الثاني في الدولة quot;عبد القادر بن صالحquot; بـquot;السيركquot;.

الإعلامي الإذاعي quot;مروان لوناسquot;

النظام السياسي يحاول ترهيب الشعب من وقوع حرب

بالمقابل، يلفت quot;مروان لوناسquot; الصحافي في الإذاعة الرسمية إلى أنّ هناك رغبة في القيام بإصلاحات سياسية، لكنها رغبة تنقصها الجرأة، لأن النظام السياسي مازال يعيش على هواجس التسعينات ويخوف الرأي العام بما وقع خلال تلك السنوات.

كما أنه يستغل مخاوف الشارع بتجربة الحرب الأهلية للتضييق على المعارضة، كل هذا ليبرر عدم الذهاب نحو إصلاح سياسي عميق وواسع ، ويجعل بالتالي من الإصلاح المرتقب أشبه بالصدقة والتنازل الاضطراري.

وتبعا للمقدمات السابقة، يلفت لوناس إلى أن نوايا الإصلاح السياسي لدى النظام، أضحت موضع شك، وتفسر مقاطعة قسم مهم ومؤثر من المعارضة المشاورات السياسية التي أجرتها رئاسة الجمهورية خلال الأيام الماضية، وهو غياب سيجعل من خطوات الإصلاح المنتظرة ناقصة وتفتقد إلى الإجماع الحقيقي لنجاحها.

وفي اعتقاد لوناس، فإنّ الحالة السياسية في الجزائر يطبعها الترقب والانتظار لما سيقرره الرئيس من إصلاحات سياسية تجنب البلاد ثورة قادمة، رغم أنّ الغالبية الساحقة من الشارع الجزائري الذي اكتوى بنار الحرب الأهلية في التسعينات لا يبحث سوى عن حلول لمشاكله وأزماته الاجتماعية، بعدما طلّق السياسة التي رأى أنها هي من أنتجت العنف والإرهاب بسبب التكالب على السلطة.
توافق الجزائريين كالزئبق الأحمر

إلى ذلك، يتصور رباني أنّ النقاش الحقيقي عن الثورة، يجب أن يبدأ بالمتحدثين عنها أولا، فعليهم - إن كانوا يريدونها-أن يشكلوا مجلسا يلغي كل خلافاتهم الفكرية والقبلية وهذا ما يستبعده ربانيquot; ثم إنّ عليهم أن يجدوا شخصية يتفق عليها الجزائريون جميعهم وهذا بدوره كالزئبق الأحمرquot;.

ويقرّ رباني بأنّ الجزائر بلد عربي quot;متخلفquot; تظهر عليه أسباب الثورة والتغيير، لكن الوضع أشبه ما يكون بعود ثقاب قرب برميل بارود لكنه بعيد عنه بحوالى مترين، لذا فإنّ برميل البارود لن ينفجر ولو بقي عود الثقاب مشتعلا مائة سنة.لذا هو يحتاج دوما إلى من يقذفه في برميل البارود كي ينفجر.

ويتفق quot;يحياويquot; مع quot;ربانيquot; في افتقار الجزائر إلى قيادة شبابية تجذب الجيل الجديد إليها، وهذا بدوره أمر مهم للحديث عن الثورة أو التغيير، لذا يُرجع رباني عزوفه عن الكتابة الصحافية بعض الوقت، لرفضه الكذب على نفسه و على التاريخ.

ويرى أن الجزائر أو المغرب الأوسط بعيدان عن التغيير أو إسقاط النظام كما في تونس أو ليبيا، ولكي يحدث هذا لابد من أسباب التململ العام وسط الطبقة الوسطى عامة، ويجب أن تكون هناك قيادة و هذا غير متوفر بالمرة.

ويفضي رجال quot;مهنة المتاعبquot; في الجزائر، إلى إبراز اقتصار الغالبية العظمى من المطالب التي تريدها النقابات على زيادة الأجور والسكن وتحسين ظروف العمل والتقاعد، وهذه كلها لا علاقة لها بالتغيير الشامل أو تغيير النظام.

أما الحكومة أو الدولة فهي النظام، فهي تلبي حاجيات كل طرف على حدة، فبدأت بالمعلمين، ثم الطيارين وبعد ذلك عمال البريد وغيرهم، وإذا لبت مطالب جهة ما، فاليأس من أن تتضامن مع أخرى لم تلب مطالبها بعد، لأنّ منطق الأنانية والفردانية المميز للشعب الجزائري بسبب طبيعته القبلية الأمازيغية الهلالية يؤدي بالضرورة إلى هذه النتيجة.

ويسجّل رباني أنّ اليوم الذي تتحد فيه مطالب الجزائريين السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو بلا شك يوم تاريخي عظيم يستحق الدراسة والتحليل من قبل أكبر مراكز البحث الاجتماعي والأنثروبولوجي في العالم، تماما كما كان فتح الأندلس أو الثورة الجزائرية، لأنّ الثورات العظيمة لابد لها من شروط عظيمة، لا يمكن أن تتوفر في شعب استمرأ السوق السوداء وطبقات قبلت العيش الرغيد بالرشوة أحيانا أو بالرعاية الحكومية أحياناً أخرى.