أكّد المعارض السياسي الجزائري quot;كريم طابوquot; في حديث مع quot;إيلافquot; أن النظام الجزائري رافض من الأساس فكرة التغيير والإصلاح السياسي، متهماً إياه بأنه يستغل الوقت لإبرام صفقات إقتصادية مع دول العظمى بدلاً من تحسين أوضاع الشباب كافة، ولفت إلى أن حزب الأفافاس يسعى لتفعيل دور المرأة وتمكين الشباب.

الناشط الجزائري كريم طابو في حديثه مع إيلاف
الجزائر: اعتبر السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية أحد أكبر الأحزاب المعارضة quot;كريم طابوquot;، بخصوص المشهد السياسي الجزائري أن quot;لجنة الإصلاحات السياسية التي انتهت من عملية الاستماع إلى مختلف الجمعيات والتيارات السياسية ما هي إلا أحد السيناريوهات التي تؤلفها السلطة في كل مناسبة من اجل ربح الوقت، وأن النظام الجزائري يرفض التغييرquot;، كما تطرّق في حديثه إلى الأوضاع في المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة المغرب العربي بشكل خاص. لا سيما في ظل التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير، وتحدث عن الكثير من القضايا المهمة، وإليكم نص الحوار:

في البداية نريد أن نعرف لماذا قاطعتم لجنة المشاورات السياسية، هل الإشكال يتعلق بتعيين عبد القادر بن صالح على رأس اللجنة أم لإيمانكم بعدم وجود نية لدى السلطة في إحداث التغيير السياسي المطلوب؟

المشكلة أصلاً سياسية، وليست قضية أشخاص، النظام الجزائري برهن في أكثر من مرة بأنه لا يملك النية ولا الإرادة في التغيير السياسي.

أصل الأزمة وجوهرها في الجزائر هو غياب الثقة بين المواطن الجزائري والمؤسسات الرسمية أي بين المواطن ونظام الحكم. حتى اللحظة وعلى الرغم من الضجة الإعلامية خصوصاً الرسمية منها، لم تتخذ إجراءات عملية ملموسة تعطي جرعة من الأمل والثقة للمواطن، تشعره بوجود مسار سياسي جديد يؤدي إلى إحداث القطيعة مع أسلوب الحكم السابق.

في هذه الوضعية لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي وجاد، بل هي وسيلة يريد بها النظام ربح الوقت، وتغليط الرأي العام الوطني و الدولي. النظام الجزائري يحاول التصدي لحتمية تاريخية، حتمية التغيير.

إن منطقة المغرب الكبير تشهد حراكا في عدة مستويات، التاريخ يتحرك، الشعوب تتحرك، الجغرافية تتحرك، العامل الوحيد الراكد والذي لا يريد التحرّك هو النظام الجزائري، أكثر من ذلك، يريد إجراء عملية تزيين و إعادة ترتيب توازناته الداخلية.

النظام الجزائري لديه منهج مزدوج السلوك، من جهة يستعمل القمع أمام كل الحركات الاحتجاجية والمطالب الشعبية المشروعة، وهذه صفة حقيقية لهذا النظام القمعي، الذي لا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى يحاور تيارات سياسية ومجتمعا مدنيا هو من قام بفبركتها. لهذه الأسباب فإن حزب جبهة القوى الاشتراكية لا يقبــل كعــادته الدخــول في متاهات ومسرحيات يُراد منها تغليط الــرأي العام و محاولـة ربح الوقت ليس إلا.

هيئة الإصلاحات تضم الجنرال المتقاعد محمد تواتي، هل يمكن فعلا للسلطة السياسية أن تحدث تغييرا في تسيير البلاد بمعزل عن تأثير أو توجيه من طرف المؤسسة العسكرية، ما معنى تعيين الجنرال محمد تواتي كمستشار في هذه اللجنة؟

الأزمة السياسية هي أولاً أزمة انعدام الديمقراطية وكل مؤسسات المراقبة، والعمل المؤسساتي، ما يجعل البلاد تسير على معايير قانونية وسياسية معينة. والكل يعلم بأن النظام والقرار الفعلي، لا يمارسان داخل المؤسسات، ولا على مستوى الرئاسة، والحكومة، ولا البرلمان، لأن هناك مجموعة أشخاص ذات نفوذ وصلاحيات أضخم من كل أجهزة الدولة، فهي صاحبة القرار في كل صغيرة و كبيرة.

استمر عمل اللجنة أكثر من شهر، فكل يوم تقام لقاءات ونقاشات دون أن تُلفت أنظار المواطن الجزائري، الذي يجد نفسه غير معني تماما بما يجري في هذه اللجنة. هذا هو جوهر الأزمة في الجزائر، فمن جهة، هناك مؤسسات وشبه مسار تشاوري، من جهة أخرى شعب غير معني إطلاقا بهذه العملية، هي أزمة الثقة.

لا نرى إجراءات تترك المواطن الجزائري يتقرب من هذه العملية السياسة. فالغريب في الأمر أن منذ بداية موجة الاحتجاجات في يناير الماضي، تتبعنا تصريحات الجهات الرسمية ومن بينهم الوزير الأول حيث أكد أن الأزمة في الجزائر ليست أزمة سياسية، بل هي أزمة اجتماعية.

وفور إعلان رئيس الدولة عن تنصيب لجنة تتكفل quot;بالإصلاحات السياسيةquot;، تبدلت تصريحات الوزير الأول من مؤيد بعدم وجود أزمة سياسية إلى أحد المساندين الشرسين لمفهوم الإصلاحات السياسية بالمنظور الضيق للنظام السائد.


لكن هذه اللجنة قاطعها في وقت سابق الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري، لكنه تراجع عن قراره، وصرح مهري في مقابلة إذاعية أنه يدعو آيت أحمد إلى حوار بين كل المسؤولين، وعليهم أن يكونوا قدوة في ما يتعلق بالعمل معا، ولو كان لديهم تقديرات مختلفة، هل يمكن لحزبكم أن يقوم بالخطوة نفسها وينهي مقاطعته لعملية المشاورات؟

حينما راسل السيد مهري رئيس الدولة، خاطب quot;آيت احمدquot; في الوقت عينه مهري، مؤكدا له عن توافق الرؤى في شتى القضايا وخاصة الأساسية منها التي يمكن العمل عليها معا، وفي ما يتعلق بخطوات وأساليب تحقيق هذه الأفكار، هناك حرية لكل طرف، فلا يوجد هناك اتفاق موقع بين الطرفين للعمل معا بالمنطلق نفسه .

عبد الحميد مهري شخص نحترمه كثيرا، ونحترم أفكاره، وعلاقتنا معه مبنية على الثقة والإحترام، نحن حزب سياسي، لدينا منتسبون ولدينا قاعدة ومؤسسات أساسية نتخذ فيها القرارات، يمتلك مهري كل الحرية في أطروحاته وطريقة تنفيذها.
لقائي مع quot;آيت أحمدquot; كان لوضع نقاط عمل حول مستقبل الجزائر
عدتم مؤخرا من زيارة إلى سويسرا، كيف التقيتم رئيس الحزب حسين آيت احمد، وما دار بينكما؟

رئيس حزب quot;الأفافاسquot; حسين آيت احمد

التقيت السيد آيت احمد من أجل إجراء تقييم عام للأوضاع السياسية داخل البلاد، وأيضا تحدثت معه حول الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة المغاربية والعالم العربي عامة، تحدثنا عن الجو العام الذي يميز هذه الأوضاع وإمكانية المشاركة في هذه الحركية التاريخية، لجعل الجزائر بلدا يذهب إلى الديمقراطية وإحداث التغيير كباقي الشعوب و باقي الدول.

تحدثنا حول طرق تفعيل آليات عمل الحزب للمشاركة بفعالية من خلال الحضور الدائم، من خلال الاستماع إلى انشغالات المواطنين و مختلف منظمات المجتمع المدني، إلى جانب هذا قمنا بتقييم عام للوضع داخل الحزب، من خلال الوقوف على إمكانيات الحزب وأدواته وعملية التسيير داخل هذه المؤسسة، وقمنا ببعض التعديلات في هذا الشأن، واتفقنا على تأسيس أربع ورشات سيشتغل عليها الحزب خلال المرحلة المقبلة.

الأولى تتعلق بمحاولة إعطاء المكانة اللازمة لفئة الشباب في الجزائر، هذه الفئة بما تمثله من أهمية تعاني اليوم حالة من انعدام الأمل و غياب الثقة في النفس، هي التي أحدثت عملية التغيير في كل من مصر وتونس.

الورشة الثانية تتعلق بالمرأة، وحزب quot;الأفافاسquot; يعطي أهمية كبرى لتمكين المرأة سواء داخل هياكله من خلال محاولة إعطاء تمثيل نسبي أكبر داخل مؤسسات الحزب، أو من خلال الدفاع عن حقوق المرأة في المجتمع بشكل عام.

الورشة الثالثة تتعلق بفئة العمال، عن هواجسها وطموحاتها ومستقبلها العملي، الإستماع إلى انشغالات هذه الفئة من خلال محاورة مختلف التنسيقيات والنقابات المدافعة عن حقوق العمال وإعداد خطة عمل مشتركة في هذا المسعى. أما الورشة الرابعة فهي تتعلق بعمل الحزب وطرق تفعيله وتطوير نشاطه.

حزبنا الوحيد الذي طالب بمرحلة انتقالية ونادى بإصلاحات فعلية

بالعودة للحديث عن أحزاب المعارضة وحزب الأفافاس، هناك من يقول إن هذه الأحزاب تتمسك كثيرا بقرار المعارضة، لكنها بالمقابل لا تقدم برامج واضحة وواقعية لإخراج الجزائر من أزمتها؟

لا ينبغي في كل الأحوال مقارنة أي حزب سياسي بالدولة، إمكانيات الدولة حينما تُستعمل من حزب معين أو مجموعة معينة، هذا لا يبرهن على كفاءة هذا الحزب أو هؤلاء الأشخاص، اليوم هناك أموال باهظة من إيرادات البترول والغاز تُستعمل من طرف بعض الأشخاص تدعي بأنها تمارس السياسة وتشرف على تسيير البلاد، أي شخص وأية مجموعة تمنح لها كل هذه الإمكانيات لربما يمكن أن تقوم بعمل ما يدع المواطن يحس بأن هناك صرفا للأموال و تسييرا للبلاد.
هناك بعض الأحزاب وخاصة أحزاب الدولة أو تلك التي أخذت مكان الدولة، هي التي تمارس هذا الخطاب، ومعظم المسؤولين يتهمون أحزاب المعارضة بأنها لا تملك أفكارا في مجال الشغل في مجال التربية في مجال الصحة، لكن حزبا معارضا في وسط تنعدم فيه أدنى شروط العمل السياسي، بل حزب سياسي في بلد تنعدم فيه السياسة أصلاً، كيف يمكننا أن نطالبه بإيجاد حلول بدائل للوضع القائم؟
فحزب جبهة القوى الاشتراكية مثلا منذ عشر سنوات لم تعط له فرصة الظهور أكثر من ثلاث ساعات في التلفزيون بمعنى منحت له فرصة ثانيتين في اليوم، فكيف يمكن لحزب أن تمنحه ثانيتين ثم تطلب منه إيجاد حلول، لكن رغم هذا أغلبية الأفكار التي طرحها الأفافاس طالب بها الشعب، الأفافاس هو الحزب الأول الذي تحدث عن التعددية السياسية منذ 1963، ومنذ 1991 الأفافاس لم يتوقف عن المطالبة بالديمقراطية والتعددية، واحترام الحريات الفردية والجماعية والتنظيمات والتجمعات السياسية، وحقوق المرأة.
ثانياً هو الحزب الوحيد الذي طالب بمرحلة انتقالية، واليوم جميع الأحزاب تطالب به، الأفافاس طالب بإنشاء مجلس تأسيسي، كونه يسمح لجميع الأفراد بالشعور أنهم ممثلون، وهذا المجلس يشرف على صياغة الدستور الجديد، وهو ما نشاهده اليوم في عدة دول على غرار تونس ومصر، والأفافاس الحزب الوحيد الذي نادى بتطبيق إصلاحات فعلية، لذلك لم نشارك في لجنة إصلاحات شكلية، وهو من طالب بضرورة إعادة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، وتسهيل حركة التنقل أكثر بين الجزائر وتونس، وإعادة بناء الاتحاد المغاربي.
تعيش المنطقة اليوم حتمية التفتح والتغيير السياسي، فلا يمكن مواصلة العمل بهذه الطريقة، في زمن التكتلات الاقتصادية و الدستورية، ولا يمكن وضع حواجز أمام حركة تنقل الأشخاص بين هذه البلدان. كل الأحداث التي تشهدها المنطقة لها تأثير على تونس، على الجزائر، على المغرب وكذلك على ليبيا.
كل المتغيرات تخص جميع سكان هذه المنطقة، فيجب الوصول إلى حلول لهذه المشاكل، الإشكال في الحقيقة لا يتعلق بقضية تسيير الحدود بين دولنا، بل يتعلق الأمر بغياب الممارسة الديمقراطية وأنظمة حكم ذات شرعية. فكيف لأنظمة لم تتمكن من بناء علاقات جيدة مع شعوبها أن تكون لها نية أو رغبة في توثيق روابطها مع الدول المجاورة؟
أما في ما يخص تكوين اللجان، فالجزائر جديرة بنيل على الميدالية الذهبية في تنصيب اللجان التي لم يكن لها أدنى وقع ايجابي ولا مصداقية. في 91 تم تأسيس لجنة تحقيق حول تسريبات البكالوريا ولكن نتائج التحقيق لم تظهر إلى اليوم. في 92 تم تكوين لجنة التحقيق في اغتيال الرئيس الأسبق المرحوم محمد بوضياف، تلك اللجنة التي لم نقرأ فحوى استخلاصاتها إلى حد اليوم. في 97 صادفت لجنة التحقيق في تزوير نتائج الانتخابات المصير نفسه، كذلك شأن لجنة التحقيق في قضايا الفساد. تحولت هذه اللجان إلى وسيلة يسعى من خلالها إلى إغلاق أي ملف قد يزعج السلطة أو أطرافا فيها. المواطنون يدركون جيدا quot;ثقافة اللجانquot; التي يستخدمها النظام هذا ما أدى إلى عدم الإيمان بها.
إذا عدنا للحديث عن الأوضاع الحالية في ليبيا، ما هو موقف الحزب مما يحدث هناك، وكيف تقيمون الموقف الرسمي الجزائري في هذا الشأن؟

حزبنا كان من أول الأحزاب الذي قام بإصدار بيان حول الأحداث، هو الذي وقّع تصريحا مع الأحزاب التونسية والمغربية، ونددنا بالتجاوزات القمعية ضد الشعب الليبي، واليوم نحن نجدد استنكارنا بما يحدث ضد الشعب الليبي، نحن نسانده كونه يطالب بالديمقراطية، ونتضامن مع كل الشعوب التي تنادي بالديمقراطية، لكن بالمقابل نحن لا نؤمن بالديمقراطية التي تأتي عن طريق الأساليب العنيفة التي تِؤدي إلى سفك الدماء و تخريب البلدان. لا وجود ولا معنى لديمقراطية تحت رحمة الدبابات وتحت ويلات الرشاشات.
إن الموقف الرسمي الجزائري تُجاه ما يحدث في ليبيا يسوده الغموض والشكوك. فكيف يتجرأ الرسميون الجزائريون على تلقيننا الدروس تحت راية حق الشعوب في تقرير مصيرها ويتجاهلون المطالب الشرعية للشعب الليبي الذي هو ضحية همجية ووحشية نظام القدافي؟
كان من الأجدى التنديد بهذه التجاوزات عندما كان معمر القذافي ينتهك حقوق الشعب الليبي، حينها اختار النظام الجزائري مبدأ الصمت الذي لاحظه واستنكره الكثير من الليبيين واعتبروه دعما للقذافي.لا أفهم معنى الإعلان عن إصلاحات يقابله إمضاء عقود تهدد مستقبل الجزائر
كيف يقرأ حزب جبهة القوى الاشتراكية ملف التعاون الأميركي الجزائري سواء من الجانب الأمني أو الاقتصادي؟
كل النظريات الاقتصادية لا يمكنها أن تقدم لنا تفسيرات عن هذا الواقع، أموال صرفت و تنمية لم تتحقق. من بين العوامل الرئيسة التي أفرزت هذه المعضلة هي انعدام ديمقراطية وغياب وسائل رقابة، وانتشار مظاهر الفساد و الرشوة.
أصبحت الجزائر بلدا تجمع فيها أموال طائلة دون رقابة، فهناك أشخاص وجماعات داخل الدولة تتقاسم ريع البترول. يحاول النظام الجزائري من خلال هذه الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية استغلال الوضع الراهن في المنطقة لتقديم تنازلات وتسهيلات، الهدف منها كسب ود القوى العظمى مقابل غض العين عما تقترفه السلطة من تجاوزات وانتهاكات في حق الشعب.
وقد حذر حسين آيت احمد في آخر تصريح له من آثار هذه السياسة فكيف يمكن الإعلان عن إصلاحات لإخراج البلاد من أزمتها، وبالمقابل تقوم السلطة بإمضاء عقود واتفاقيات اقتصادية تهدد مستقبل الجزائر، لذلك حذر آيت احمد في تصريحه الأخير من عواقب هذه الاتفاقيات وطالب بضرورة إشراك الرأي والخبراء والسياسيين من أّجل المطالبة بتحقيق الشفافية.