تظاهر عشرات الآلاف من المصريين في ميدان التحرير في ما أطلق عليه جمعة القصاص رداً على إطلاق الشرطة الرصاص الحي يومي 28 و29 يونيو الماضي، ورغم إعلان العديد من الحركات السياسية وأحزاب ما بعد الثورة المشاركة، إلا أنه كان واضحاً اختفاء الرموز السياسية، ومرشحي الرئاسة والإسلاميين.


متظاهرون في ميدان التحرير الجمعة يرفعون أعلامًا مصريّة وليبية - عدسة إيلاف

القاهرة: كان المشهد الأبرز اليوم توجّه آلاف عدة من المتظاهرين إلى مقر وزارة الداخلية في مسيرة سلمية، وهم يهتفون quot;سلمية سلمية مش بلطجية، القصاص القصاص، الشعب يريد محاكمة السفاحquot;، quot;الداخلية بلطجية.. والقصاص.. القصاص للشهداءquot;، وquot;حاكموا قتلة الثوارquot;، quot;الشعب يريد إعدام السفاحquot;، ووقعت بعض الإحتكاكات بين الجانبين... قوات الشرطة والمحتجين، لكنها لم تسفر عن إصابات.

هتافات ضد المشير وشرف

ردد المتظاهرون هتافات ضد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، والدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، واللواء منصور العيسوي وزير الداخلية، وضد جهاز الشرطة بشكل عام، ومن تلك الهتافات quot;كارت أحمر ضد عصام شرفquot;، quot;الشعب يريد إسقاط المشيرquot;، quot; الشعب يريد إسقاط عصام شرفquot;، الشعب يريد إسقاط العيسويquot;، quot;لسه عندنا مليون شهيدquot;، quot;الثورة لسه في الميدانquot;، quot;أم الشهيد بتنادي ..فين حقي وحق ولاديquot;، quot;يا شرف خيمتك لسه في الميدانquot;، quot;الإخوان والسفليين فين.. المصريين أهمquot;، quot; الحكومة استوردت بدل القمح رصاص وقنابل مسلية للدموع .. لا رجوع لا رجوعquot;.

اختفاء الشرطة والإسعاف

كان لافتاً للنظر اختفاء الشرطة من المشهد في الميدان تماماً، وحتى في الشوارع المتفرعة منه، وفيما رابطت قوات مكثفة، إضافة إلى قوات من الجيش والشرطة العسكرية أمام وزارة الداخلية، لم تكن هناك إجراءات أمنية يقوم بها المحتجون كالمعتاد، من حيث إقامة المتاريس ونقاط التفتيش عند مداخل الميدان، وكان لافتاً للنظر أيضاً اختفاء سيارات الإسعاف التي كانت ترابط في الميدان طوال اليومين الماضيين.

الثورتان السورية والليبية

لم تغب الثورتان الليبية والسورية عن ميدان التحرير في quot;جمعة القصاصquot; أو quot;جمعة حق الشهيدquot; أو quot;جمعة رقبة العادليquot;، كما أطلق عليها من المحتجين اليوم، فقد رفرف العلم الليبي بلونيه الأسود والأخضر متعانقاً مع العلم المصري، ووجود العديد من أعضاء الجالية الليبية، واختلطوا بالمحتجين المصريين، وكان للثورة السورية حضور، حيث ارتفع العلم السوري في ميدان التحرير، وهتف المحتجون المصريون والسوريون quot;الشعب السوري.. يريد إسقاط الأسدquot;، وحمل مجموعة من المحتجين علماً سورياً كبيراً، وطافوا به أرجاء الميدان، وهم يهتفون quot;الله.. سوريا.. حرية وبسquot;.

وقال الليبي أشرف عبد الحميد لـquot;إيلافquot;: نحن هنا من أجل الشهداء المصريين والليبيين، نحن هنا من أجل الحرية لبلادنا وشتى الشعوب العربية. وأضاف قائلاً: quot;الحرية ثمنها غال جداً، دفعه أخوننا المصريون من دمائهم، ونحن مازلنا في مرحلة السداد أيضاً، سوف يرحل القذافي هو وأبناؤه، سوف نحاسبهم على جرائمهم في حق الشعب الليبيquot;.

أما السوري زياد ناصف فقال لـquot;إيلافquot;: quot;الثورة المصرية كانت ملهمة لنا، الظلم واحد والهمّ واحد، الظالمون واحد، لكنهم بوجوه مختلفة، انتصر الشعب المصري ضد الاستبداد، ونحن سوف ننتصر، نعم تأخرنا قليلاً، لكن النصر آت.ووصف القمع بحق السوريين بأنه quot;فاق كل خيال، إنها جرائم ضد الإنسانية، لكن نظام الأسد لن يستطيع تركيع الشعب السوري، سوف ننتصر عليهquot;.

الشهيد الرضيع

ولأنها جمعة أبنائهم، فقد كان حضور أهالي الشهداء وكذلك المصابين طاغياً، وبينما كنا نلتقط صوراً للتظاهرات استوقفنا رجل يحمل صورة لرضيع، وقال: quot;أنظر إنه أصغر شهيد في ثورة 25 ينايرquot;. ولما سألناه عن كيفية استشهاده، أوضح والد الرضيع ويدعى هاني فتحي سعد قائلاً: كنت أسير أنا وزوجتي في ميدان رمسيس في يوم جمعة الغضب 28 يناير الماضي، حيث كنا نشتري بعض الاحتياجات من شارع الفجالة، وبينما كنا أمه تحمل على كتفها، اخترقت رصاصة من قناص ظهر طفلي الرضيع عمر، وخرجت من صدره وثم أصابت أمه في الكتف، وهرعت به للمستشفى، لكنه كان قد توفي، ورفضت المستشفى تسجيل الحالة على أنها وفاة بسبب طلق ناري، وقالوا لي ارحل به فوراً قبل أن يتم اعتقالك.

وأضاف هاني والدموع تترقرق في مآقيه: قتلوا طفلي في شهر يناير، وحتى الآن لم يصدر حكم قضائي ضدهم، ماذا لو كان المقتول ضابط شرطة؟ هل كانت المحاكمة سوف تستغرق كل هذه الشهور، إننا لا نريد سوى القصاص.

وعندما اعتلى والد الشهيد الرضيع منصة الميدان، ورفع صورة طفله عمر، وقال إنه أصغر شهيد في الثورة، تعالت أصوات المحتجين quot;القصاص .. القصاصquot;، quot;القصاص من قتلة الأطفالquot;.

قتلى ما بعد الثورة

شهدت جمعة quot;حق الشهيدquot; انضمام أسر شهداء جدد، هم من قتلوا برصاص الشرطة بعد الثورة، ومنهم أسرة أحمد سعيد جاد الحق، الذي قتل على أيدي ضابط شرطة في مدينة رشيد، أمام أطفاله الثلاثة.

وقالت أرملته لـquot;إيلافquot;: قتل أحمد أمام أطفاله محمود ثمانية أعوام ومحمد ستة أعوام، وشهد عام واحد. وأوضحت تفاصيل الحادث قائلة: يوم 3 يونيو/حزيران الماضي، اندلعت مشاجرة كبيرةفي الشارع الذي نقيم فيه في مدينة بدر محافظة البحيرة، وأتصل زوجي أحمد بالشرطة، لكنها لم تحضر فتوجه بنفسه إلى القسم، وطالبهم بالحضور، وانفعل علي الضباط، وطالبهم بممارسة مهام عملهم في حفظ الأمن، لاسيما أنهم يتقاضون رواتب من دم الشعب.

وبالفعل انتقلت قوة إلى مكان المشاجرة، وأطلق أحد الضباط الرصاص على المتناحرين، فأصاب أحدهم، وهنا قال له زوجي، لماذا تطلق الرصاص عليهم، فرد الضابط بإطلاق الرصاص عليه، قائلاً: quot;إنت قرفتني في عشيتيquot;. وهنا قال ابنه الطفل محمود: أية الضابط قتل بابا بالفرد quot;طبنجةquot; قدامي. ولم يتمالك الصغير نفسه وبكى.

وتتابع أرملة أحمد سعيد: قتل ضابط شرطة زوجي، ورغم أنه قتله أمام أطفاله، وفي حضور الناس في يوم 3 يونيو الماضي، إلا أنه لم يقدم إلى المحاكمة حتى الآن، واكتفت وزارة الداخلية بمنحه إجازة، وهو الآن يقضي المصيف مع أسرته، بعدما حرق قلبنا على زوجي وتسبب في يتم أطفالي. وتطالب بالقصاص ممن قتل زوجها.

القصاص هي الكلمة الأكثر تداولاً في ميدان التحرير اليوم، حيث طالب بها أيضاً ربيع محمود جلال أحد المصابين، وقال لـquot;إيلافquot;: أنا من مصابي الثورة، تعرضت للضرب برصاص في الساق، وتسببت في إصابتي بعاهة، وصرت عاجزاً عن مزاولة عملي، وأنا ربّ أسرة مكونة من ثلاثة أطفالquot;.