في مثل هذا التوقيت من العام الماضي 2010، كانت أزمة طلاق الأقباط مشتعلة على أثر صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا المصرية بإلزام البابا شنودة الثالث بإصدار تصريح بالزواج الثاني، وها هي الأزمة تعود إلى واجهة الأحداث من جديد في التوقيت نفسه، حيث ينظم الآلاف من المسيحيين الذين صدرت لهم أحكام قضائية مماثلة تظاهرة أمام وزارة العدل غداً الخميس في ذكرى إصدار المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا قراراً بإيقاف تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا في حق بابا الطائفة الأرثوذكسية.
يدعو المشاركون في تظاهرة أمام وزارة العدل المصرية غداً الخميس إلى إصدار قانون مدني لزواج المسيحيين في مصر، يعطيهم مرونة أكبر في الطلاق والزواج مرة أخرى، أو العودة للعمل بلائحة 1938، التي تضم تسعة أسباب للطلاق، وليس سبباً واحداً ألا وهو الزنى، كما تصر الكنيسة.
دعوة لقانون مدني
انطلقت الدعوة من صفحة quot;نعم لقانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين في مصرquot;. ودعا مؤسسو الصفحة المسلمين إلى مساندتهم في أزمتهم، وقالوا quot;نحن مسيحيون نطالب بحقنا في الطلاق والزواج المدني دون أن يقلل هذا من احترامنا لقداسة البابا وكل من يتبعونه فكراً، وخاصة أن قداسته قالها أكثر من مرة في عظاته: quot;من أراد طلاقا مدنيا وزواجا مدنيا بعيدا من جدران الكنيسة فليفعلquot;.
وأكدوا أن quot;الحق في الطلاق لمن استحالت بينهم العشرة مطلب إنساني، ولذلك قررنا كمجموعة متضررة تنظيم وقفة إحتجاجية أمام وزارة العدل يوم الخميس، وننتظر المساندة من كل القوى التي تطالب بالمدنية، ومساندة اخواننا المسلمين في الوطن لقضيتنا التي أصبحت عبئا على أعمارنا فهناك 300 ألف حالة طلاق معلقة في المحاكم لا تجد مفرا قانونيا منذ سنواتquot;.
أزمة الطلاق سبب الفتنة الطائفية
وحسب وجهة نظرمؤسس الصفحة أيمن جورج فإن أزمة الطلاق لدى الأٌقباط هي السبب الرئيس في الفتنة الطائفية المشتعلة في مصر منذ سنوات، وأضاف جورج الذي يعمل نائباَ لمدير جريدة الأهرام ويكلي لـquot;إيلافquot; أن غالبية من المسيحيات اللواتي أعلنّ إعتناق الدين الإسلامي، وتسببن في إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، كنّ يعانين مشاكل زوجية وفشلن في الحصول على الطلاق، ولم يكن أمامهن من سبيل سوى الإدعاء باعتناق الإسلام للخلاص من الزوج الذي استحالت العشرة معه.
وضرب جورج مثالاً بأحداث إمبابة التي راح ضحيتها 13 قتيلاً ونحو 200 مصاب، وأدت إلى إحراق كنيسة، و أوضح: السبب في تلك الأحداث سيدة مسيحية تدعي عبير كانت تعاني مشاكل وأزمات مع زوجها، وكان يضربها ويطردها من المنزل، وكل هذا أدى إلى استحالة العشرة بينهما، لكنها كانت متأكدة أنها لن تحصل على الطلاق مهما حدث، إلا إذا اتهمها زوجها بالزنى، ولن تستطيع الزواج مرة أخرى، لأنه لن يقبل أي رجل الزواج من إمرأة لها علاقات، ولم يكن أمامها سوى إعتناق الإسلام للهروب من ذلك الجحيم، والحصول على الطلاق، ولكنها تسببت في إشعال الفتنة وإحراق كنيسة وقتل 13 شخصاً من المسلمين والمسيحيين الأبرياء، ولم يكن غريباً أن تسمى تلك الأحداث بـquot;فتنة عبيرquot;، ولا أحد ينسى quot;فتنة وفاء قسطنطينquot;، وquot;فتنة كاميليا شحاتهquot;.
وأشار جورج إلى أن حكماء الكنيسة لو فكروا قليلاً سوف يدركون أن 95% من الفتن الطائفية في مصر تشتعل بسبب أزمة الطلاق لدى المسيحيين، لافتاً إلى أن quot;لائحة 38quot; كانت مناسبة وتتضمن 9 أسباب للطلاق والحصول على تصريح بالزواج الثاني، لكن البابا شنودة أوقف العمل بها بدعوى أن من وضعها مجموعة من العلمانيين.
وقال جورج: إن العلمانيين الذين هم غير الرهبان من حقهم أن يضعوا القوانين التي تنظم حياتهم، وليس الرهبان الذين يعيشون في القلالي وسط الصحراء ولم يجربوا الحياة الزوجية ومشاكلها، العلمانيون هم شعب الكنيسة من غير الرهبان أو رجال الدين، ويجب أن يتم إشراكهم في وضع القوانين المنظمة لحياتهم.
300 ألف متضرر
ويقدر جورج عدد المتضررين من أزمة الطلاق بـ300 ألف شخص أي 300 ألف أسرة مسيحية، لافتاً إلى أن هؤلاء لديهم أحكام بالطلاق والحصول على تصريح بالزواج الثاني، لكن الكنيسة ترفض التنفيذ، وينوه جورج بأنه إنطلاقاً من تلك النقطة فإن جميع المتضررين قرروا تنظيم وقفة إحتجاجية أمام وزارة العدل للمطالبة بإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين، بعيداً عن الكنيسة، يشترك في وضعه أو صياغته أصحاب المشكلة أو من سوف يطبق عليهم وليس الرهبان الذين يعيشون في الصحراء. متوقعاً مشاركة حاشدة من جانب منظمات حقوقية ونشطاء سياسيين ونشطاء أقباط.
لا للأكليروس
ويرى جورج سمير أحد الناشطين القبطيين أن قضية الزواج الثاني تعتبر أهم وأخطر أزمة في تاريخ الكنيسة، ويجب إيجاد حلول غير تقليدية لها، و أضاف لـquot;إيلافquot; إنه من غير المعقول أن يقتصر سبب الطلاق و الحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج الثاني على علة الزنى فقط، لافتاً إلى أنه يجب العمل بلائحة 38 أو اقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، وليس القانون المزمع تقديمه للبرلمان المقبل، لأن من وضعه هم الأكليروس أو الكهنة والرهبان.
وتابع: هناك الكثير من الشباب المسيحي يحجم عن الزواج خشية الوقوع في خطأ أو الإختيار بشكل صحيح مما يعرضه لمشاكل حياتية متعددة لن يستطيع الفكاك منها، لأنه لن يتمكن من الحصول على الطلاق ولن يسمح له بالزواج مرة أخرى، و يجد نفسه مضطرا للحياة في جحيم أو يقدم أحد الزوجين على قتل الآخر، كما حدث مؤخراً حيث إضطر رجل مسيحي إلى قتل زوجته لأنه لم يستطع تطليقها، أو أن يغير ديانته ويتسبب في إحداث فتنة طائفية تقضي على البلاد.
قضية طليق هالة صدقي
مجدي وليم أشهر من عانى فتنة الزواج الثاني في مصر، حيث حصلت زوجته السابقة الفنانة هالة صدقي على حكم بالطلاق، بسبب تغيير الملة ثم حصلت على تصريح من الكنيسة بالزواج الثاني، وحرمته هو من ذلك التصريح، و إضطر إلى إقامة دعوى قضائية ضد البابا شنودة وحصل على حكم بإلزام الكنيسة بمنحه التصريح إلا أن البابا ما زال يصر على موقفه الرافض.
وقال وليم لـquot;إيلافquot; إن تلك الأزمة لن تحلها الكنيسة، لأنها تتخذ من العناد مع الشعب مبدأ في تسيير الأمور، وتصر على تعقيدها، رغم أن الدين المسيحي سهل وبسيط ويدعو للتسامح، وتلك الصفة الأخيرة لا يتسم بها بعض رؤوس الكنيسة في مصر، وأضاف أنه حاصل على حكم بالزواج الثاني أسوة بطليقته الفنانة هالة صدقي، لكنه لم ينفذ، ثم حصل على حكم بالتعويض نتيجة عدم تنفيذ الحكم الأول لكنه لم ينفذ أيضاً. مشيراً إلى أن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي اتفقت عليه الطوائف الثلاث سوف يزيد الأمور تعقيداً وسوف يؤدي إلى تحويل حياة المسييحيين إلى جحيم، لأنه لا يعترف إلا بالزنى علة للطلاق والحصول على تصريح بالزواج الثاني.
وتعود تفاصيل القضية الأشهر في مصر إلى 19 يناير 1993، عندما تزوج مجدي وليم وهو قبطي أرثوذكسي من الفنانة هالة صدقي جورج القبطية الأرثوذكسية. وفي العام 2001 انضمت إلى طائفة السريان الأرثوذكس، وأقامت ضده دعوى خلع، وحصلت على حكم بالطلاق لاختلاف الملة، ثم عادت إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس، وحصلت من البابا شنودة على تصريح بالزواج الثاني.
وعندما تقدم طليقها بطلب مماثل إلى الكنيسة رفضت ان تعطيه التصريح. وأقام وليم دعوى أمام القضاء الإداري لإلزام البابا بمنحه تصريحاً أسوة بمطلقته، وقضت المحكمة بأحقيته في ذلك، إلا أن البابا رفض تنفيذ هذا الحكم أيضاً، متعللاً بأنه يخالف الإنجيل والعقيدة المسيحية. ولم يفقد وليم الأمل حيث أقام دعوى تعويض ضد البابا والكنيسة، طالب فيها بتعويض قدره خمسة ملايين جنيه، عما لحق به من أضرار نتيجة لعدم تصريحها له بالزواج الثاني لمدة 17 عاماً، رغم منحها هذا التصريح لمطلقته الفنانة هالة صدقي، وصدر لصالحه حكم بالتعويض وقدره 150 ألف جنيه. لكن الكنيسة استشكلت على الحكم.
الكنيسة تصر
وعلى الجانب الآخر، يقول المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة لـquot;إيلافquot; إن الزواج سر من أسرار الكنيسة، قائم على مبدأ quot;ما جمعه الله لا يمكن أن يفرقه إنسانquot; وأضاف أن المسيحية تنظر للزوجين على أنهما كيان واحد من حيث الروح والجسد، ولا ينبغي أن يتفرقا إلا بأمر الله الذي جمعهما معاً، ولذلك تكون علة الزنى هي السبب الوحيد للطلاق والحصول على تصريح بالزواج الثاني، موضحاً quot;أنه إذا ارتكب أحد الزوجين الزنى، فإنه يكون قد تفرق عن الآخر جسدياً وبالتالي يجب أن يقع الطلاق ويتم التصريح للطرف غير المخطئ بالزواج الثاني، ويحرم منه الطرف الذي سقط في الرذيلةquot;.
لا للتشدد الكنسي
فيما يرى كمال زاخر أحد قيادات التيار العلماني أن الكنيسة تتشدد في القضايا العامة للأقباط، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الله يغفر للمذنب أو مرتكب جريمة الزنى، ومن باب أولى أن تصفح الكنيسة عنه وتمنحه تصريحاً بالزواج الثاني، مشيراً إلى ضرورة أن يكون هناك قانون مدني للأحوال الشخصية للمسيحيين يراعي مستجدات العصر، ونوه بأن لائحة 38 التي ألغى البابا شنودة العمل بها في العام 1971 كانت تضمن حياة مستقرة للأقباط، ولم تكن غريبة عن الدين المسيحي، بل كان معمولاً بها منذ العصور الأولى في المسيحية. مشدداً على أهمية ألا تنفرد الكنيسة باقرار القوانين المنظمة لحياة العامة، وضرورة إشراكهم في مناقشتها وصياغتها.
التعليقات