استمرار الناتو في دعم الثوار قد يساعدهم في سحق نظام وعائلة القذافي، رغم اعتراف بعض القادة الأوروبيين الآن أن المفاوضات هي الوسيلة التي يتوجب انتهاجها، بحيث التبرير الرئيس للتدخل العسكري كان الخوف من وقوع quot;حمام دمquot; في بنغازي ومن أن يعرقل انتصار القذافي مسيرة الربيع العربي بأسره.

وحدة الدول الأعضاء في الناتو هي أقل من المستوى الأمثل

القاهرة: رغم ظاهرية استمرار الحرب الدائرة في ليبيا الآن بين القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي وقوات حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot;، إلا أن الآمال بتحقيق انتصار سريع ورخيص قد تبددت منذ زمن طويل. وعلى افتراض استمرار الناتو في دعم الثوار، فمن المحتمل أن ينجحوا في سحق نظام وعائلة القذافي ndash; رغم اعتراف بعض القادة الأوروبيين الآن أن المفاوضات هي الوسيلة التي يتوجب انتهاجها، ما يشير إلى وجود درجة أقل من المستوى الأمثل للوحدة بين الدول الأعضاء في الناتو.

لكن إن تخلى القذافي عن السلطة بالفعل، فسيقوم حينها الصقور الليبراليون ببذل قصارى جهدهم لحجب الحسابات الخاطئة والعواقب المستمرة على المدى الطويل لتلك الحرب الغريبة الأطوار. وفي ظل هذه التطورات التي تشهدها الأزمة الليبية الآن، رأت مجلة فورين بوليسي الأميركية أن هناك ثلاث أفكار، يمكن الارتكاز عليها عند استبيان الصورة الشاملة للوضع هناك. أولها، أنه ورغم أن التبرير الرئيس للتدخل العسكري في ليبيا كان الخوف من حدوث quot;حمام دمquot; في حال تمكنت قوات القذافي من وضع يدها على معقل الثوار في بنغازي، كان المبرر الثاني هو الخوف من أن يعمل السماح للقذافي بالانتصار على عرقلة مسيرة الربيع العربي بأسره.

وأوضحت المجلة أن ذلك كان في واقع الأمر خوفا من quot;العدوى المضادةquot;: فإن نجح قائد مثل القذافي في البقاء في السلطة، فسيتشجع بالمثل باقي المستبدين وستصاب القوى التقدمية التي بدأت الاضطرابات المختلفة، بحالة من اليأس والفشل. وأكدت المجلة في هذا الشأن أن رحيل القذافي هو السبيل للإبقاء على اتقاد الموجة الثورية.

ومع هذا، لفتت المجلة الأميركية إلى أن تلك الحجة تبدو الآن مخادعة. فقد كان هناك من الواضح عنصر من عناصر العدوى في الموجة الثورية الأصلية، التي انتشرت من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى البحرين وإلى سوريا بسرعة ملحوظة. لكن كباقي الأمثلة المتعلقة بالعدوى السياسية، ترتكز النتائج في كل حالة على كوكبة القوى المحلية والخارجية في كل مكان وليس على ما يحدث في أي من الدول الأخرى.

فالنتائج التي أفضت بها الثورة التي شهدتها مصر تختلف تماماً عن تلك الحاصلة في سوريا أو اليمن، على سبيل المثال، في وقت تحاول أن تنحت فيه ليبيا والبحرين والمغرب المسارات الخاصة بهم أيضاً. وباختصار، يمكن القول، وفقاً للمجلة، إن ما حدث في ليبيا ربما لم يحظ بأي تأثير على ما يدور في أماكن أخرى في العالم العربي.

أما الفكرة الثانية التي طرحتها المجلة فكانت تلك المتعلقة بالمقارنة التي عقدها البعض عند بداية تدخل قوات الناتو بين تلك الحرب وحرب كوسوفو عام 1999، حيث أُطلِقَت كلتاهما من دون دوافع، ولم تكن هناك أي مصالح إستراتيجية حيوية، وتمت الاستعانة في كلتا الحربين بسلاح الجو، لخفض التكاليف. وفي الوقت الذي استسلمت فيه صربيا في نهاية المطاف، توقعت المجلة أن يحدث الأمر نفسه للقذافي أو أبنائه.

وبخصوص الفكرة الثالثة، فرأت المجلة أن هناك حاجة إلى مصطلح جديد يمكن إطلاقه على الحرب الحاصلة في ليبيا، بعيداً عن مصطلحات quot;حروب الضرورةquot; و quot;حروب الاختيارquot;.
واقترحت فورين بوليسي هنا الاستعانة بمصطلح quot;حروب النزوةquot;، التي تخوضها القوى الكبرى من دون إعداد دقيق أو تدبر، ومن دون إجراء مناقشة عامة بشأن المزايا أو المبررات الخاصة بتلك الحرب، ومن دون التفكير في العواقب إذا لم يتم تأكيد افتراضات المرء الأولية. ومن غير المحتمل أن تتسبب تلك النوعية من الحروب بنفسها في إصابة الدول بالإفلاس أو حتى تؤدي إلى حدوث انتكاسات استراتيجية كبرى، بل هي مصدر إلهاء آخر، في وقت يتعين فيه على قادة العالم أن يركزوا على عدد صغير للغاية من القضايا المهمة جداً ( مثل الاقتصاد ).