مجددًا يفتح باب اغتيالات السياسيين في اليمن، وذلك بالمحاولة التي تعرض لها رئيس أكبر حزب سياسي معارض، وهو محمد اليدومي رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، أو ما كان يعرف بالإخوان المسلمين في اليمن، وهو أكبر أحزاب اللقاء المشترك.


محمد اليدومي

تعرض محمد اليدومي رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح الثلاثاء لإطلاق نار أثناء عودته من مقر الحزب، وقد وقعت الحادثة في شارع الستين، حيث تقام مهرجانات واحتفالات ساحة التغيير وصلاة الجمعة من كل أسبوع.

ويعد اليدومي أحد أبرز الشخصيات في الحزب منذ تأسيسه، وهو من مؤسسي الحزب في فترة ما قبل التعددية السياسية التي أعلن عنها في العام 1990.

وقد أثارت الحادثة موجة غضب لدى كل الأوساط لكونها تتعلق بقيادة أكبر الأحزاب، وسارع اللقاء المشترك لإدانتها، كما حمّل أبناء وأقارب الرئيس المسؤولية. وتوالت ردود الأفعال من جميع أطياف اليمن السياسية وشرائحه الاجتماعية.

الحزب الحاكم بادر هو الآخر إلى إدانة الحادثة، مؤكدًا رفضه كل أشكال العنف، وطالب بإتاحة الفرصة لأجهزة الأمن بالتحقيق وكشف ملابسات الحادثة وضبط المتورطين وتقديمهم إلى العدالة.

كما دعا quot;المؤتمر الشعبي العامquot; الحاكم أحزاب اللقاء المشترك إلى تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين برئاسة رئيس لجنة التهدئة رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء غالب القمش للإشراف على التحقيق ورفع تقرير مشترك بالنتائج إلى نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن عبدربه منصور هادي.

واستغرب مصدر في الحزب اتهامات بيان اللقاء المشترك quot;ومحاولة استغلال الحادثة لأهداف سياسية والدعوة إلى التصعيد، وهو أمر يؤكد السعي إلى جر البلاد إلى مزيد من الأزمات، والتنصل من اتفاق التهدئة والمساعي الرامية إلى عودة كل أطراف العملية السياسية إلى طاولة الحوارquot; كما جاء في تصريح مصدر الحزب الحاكم.

عودة إلى فترة 1990-1994

تعيد حادثة محاولة اغتيال اليدومي إلى الأذهان صورة المرحلة الانتقالية التي بدأت عقب الإعلان عن قيام الوحدة اليمنية بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، حيث دخلت البلاد في أزمة استمرت أربعة أعوام، وانتهت بحرب صيف 1994.

وفي الفترة مابين العام 1990 والعام 1994 شهد اليمن حملة اغتيالات سياسية، نجح بعضها، وفشل الكثير منها، وكانت مركزة على قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، الذي حكم الجنوب، ووقع اتفاقية الوحدة مع الرئيس علي عبدالله صالح.

سقط في تلك الحوادث كل من العقيد ماجد مرشد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ورئيس الدائرة السياسية في القوات المسلحة الذي اغتيل في صنعاء عام 1993.

وقبله سقط حسن علي حريبى أحد قادة حزب التجمع الوحدوي اليمني المعارض الذي اغتيل في صنعاء عام 1992 في حادثة كانت تستهدف أمين عام الحزب عمر الجاوي ونجا منها، بينما سقط الحريبي، وهو الرجل الثاني في الحزب.

كما تم اغتيال أمين نعمان عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي في محافظه إب عام 1992.

أما الحالات التي نجت من حوادث الاغتيالات المدبرة فكان أبرزها حادثة محاولة اغتيال وزير العدل عبد الواسع سلام، وهو عضو اللجنة المركزية للاشتراكي، والذي أصيب بإصابات خطرة في صنعاء عام 1993، لكنه نجا.

كما نجا القيادي الاشتراكي أنيس حسن يحيى من محاوله اغتيال عام 1993 في عدن.

منأبرز تلك الحالات أيضًا هي محاولة اغتيال القيادي الاشتراكي البارز الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي حاليًا ورئيس مجلس النواب سابقًا، حيث أطلقت قذيفة آ ربي جي على غرفة نومه في صنعاء عام 1993، ونجا من الحادث.

لم يسلم من تلك المحاولات أيضًا علي صالح عباد مقبل الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الذي أصيب في محاوله لاغتياله في محافظة أبين عام 1993.
وكان علي سالم البيض نائب الرئيس سابقًا، ورئيس الجنوب في فترة ما قبل الوحدة قد تعرض لمحاولات عدة،لكنه نجا منها، بينما تعرض أولاده نايف ونواف أيضًا لمحاولة اغتيال، ولم يصابوا بأذى، لكن نجل شقيقة البيض quot;كمال الحامدquot; قتل في تلك الحادثة.

انتشرت حكاية الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات في تلك الفترة في عدد من المحافظات، وساهمت في إشعال تعقيدات سياسية أوصلت في النهاية إلى الحرب التي انفجرت في مايو/ أيار من العام 1994.

محاولات أخرى

لم تنته الاغتيالات في اليمن مع انتهاء الحرب وإقصاء الشريك الأساسي من الحكم (الحزب الاشتراكي)، وطرد قياداته خارج البلاد، بل استمرت الحكاية، وكان أبرز الشخصيات السياسية التي سقطت بعملية اغتيال هو القيادي الاشتراكي جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، الذي اغتيل في المؤتمر العام لحزب الإصلاح في ديسمبر/ كانون الأول عام 2002.

جار الله سقط مضرجًا بدمائه بعدما أطلق عليه النار رجل يدعى علي جار الله السعواني، وذلك عقب إلقائه كلمة الحزب الاشتراكي في ذلك المؤتمر.

وقبل عام من الآن، توفي القيادي الناصري عبدالرقيب القرشي عقب إطلاق النار عليه أمام بوابة فندق وسط العاصمة صنعاء، وذلك بعد عودته من دمشق، حيث قضى عقودًا من اللجوء السياسي هناك على إثر صراع سياسي وعسكري وقع مع بدء عهد الرئيس علي عبدالله صالح.

محاولات الاغتيال لم تتوقف، وتعرضت سيارة أمين عام حزب البعث والرئيس الدوري ndash;حينها- لأحزاب المشترك عبدالوهاب محمود لإطلاق نار في وسط العاصمة صنعاء في إبريل/نيسان 2010 ولم يصب بأذى.

وفي ديسمبر /كانون الأول الماضي، تعرض البرلماني وأمين عام حزب التنظيم الوحدوي الناصري سلطان العتواني إلى اعتداء من قبل مسلحين في شارع حدة أثناء عودته من البرلمان صوب منزله، وأصيب حينها بضربة في وجهه بوساطة خزنة رصاص رشاش الكلاشنكوف.

تفعيل لوسيلة قديمة متجددة

حالات كثيرة ربما يصعب إحصاؤها، كلها تشير إلى أن الواقع اليمني لم ينتج بعد خلافًا سياسيًا بعيدًا عن الحل بالدماء.

ويقول الكاتب الصحافي علي الفقيه نائب رئيس تحرير صحيفة quot;المصدرquot; لـ إيلاف quot;من خلال متابعة فترة الرئيس صالح تبدو الاغتيالات جزءًا رئيسًا من المشهد، وعادة ما يكون النظام هو أول من يدين مثل هذه العملياتquot;.

يضيف الفقيه: quot;منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام استعملت كل الوسائل لإخمادها، لكنها لم تفلح.. وأخيرًا، عمد النظام إلى محاولة تنفيذ عدد من العمليات بحق عدد من القيادات الوسطية لأحزاب المعارضة وناشطين سياسيين، لكنها كلها لم تنجح، في دلالة على أن قدرة النظام حتى على التخطيط والتدبير لهذه العمليات قد ضعفت، لكنه لايزال يحاول تفعيل وسيلة مارسها منذ عقودquot;.

ورأى الفقيه أن quot;حالة الضعف والإهتراء التي وصل إليها النظام وفقدانه المصداقية في الأوساط الشعبية ستفتح عليه أبواب الجحيم من ناحيتين، الأولى أن الشارع بات يدرك مسؤولية النظام عن هذه الجرائم، وبالتالي لن يستطع أن يضللهم، وسيجلب على نفسه مزيد من النقمة والسخط حتى في أوساط من تبقى من مناصريهquot;.

وتابع: quot;الأطراف المستهدفة ربما تعمد إلى خيار تنفيذ عمليات انتقامية ستطال رؤوس الأسرة الحاكمة وكبار مناصريهم، لأن الناس يشعرون بأن لا مجال لمزيد من التعقل في التعامل مع نظام بات مستعد لإحراق البلاد من اجل أن يبقىquot;.