جاء تهديد الفرع العراقي لتنظيم quot;حزب اللهquot; لجارة بلاده الكويت مستغربًا، خصوصًا وأن الدولتين أعلنتا أن الشأن الدبلوماسي هو الحل لأي خلاف، إلا أن خطاب quot;حزب اللهquot; حرك مياه مجلس النواب العراقي للوقوف ضد مشروع ميناء مبارك الكبير الكويتي، وهو الأمر الذي يعيد للأذهان طريقة خطابات نظام صدام للكويت.


quot;حزب اللهquot; من جديد، لكن هذه المرة من أراضي العراق، فبعد فترة من ركوده من حراكه الذي بدأ منذ أواخر العام 2003، عاد الحزب الشيعي المتمركز في جنوب العراقإلى الظهور على قمة الأحداث الخليجية.

خطاب حزب الله تحدياًمن نوع آخر

ظهوره هذه المرة مختلف وقوي، لم يهدد فيه القوات الأميركية كما هو معتاد، بل تهديده جاء على حساب جارته المسالمة quot;الكويتquot;، التي بدأت إنشاء مشروع لميناء بحري على أرضها وضمن مياهها الإقليمية، إلا أن quot;حزب اللهquot; ذا النسخة العراقية رفض ذلك بحجة وطنية وفق ما أشار.

حيث هدّد الحزب دولة الكويت من استمرار الشركات العاملة من مواصلة بناء المشروع، لوقف ذلك، مبررا quot;حزب اللهquot; أنّ في ذلك المشروع البحري الكويتي تعدّيًا وخنقا لاقتصاد العراق. ومطالبا حكومة العراق بالتدخل الفوري لوقفه.

ولوحظ في الخطاب الذي وجهه تنظيم quot;حزب اللهquot; العراق تحدٍّ من نوع آخر، أقرب ما يكون فيه الأمر إلى الانتقام، حيث قال الحزب موجها رسالته إلى الكويتيين quot;مثلما لم ينس الشعب الكويتي ما تعرض له من نظام صدام، فان الشعب العراقي لم ينس مواقف حكومة الكويتquot;.

وقال الفرع العراقي من كتائب quot;حزب اللهquot; في تمهيده للانتقام، أن العراقيين لن ينسوا موقف الكويت من دعمها لنظام صدام في quot;محرقةquot; الحرب العراقية - الإيرانية، التي ذهب ضحيتها الآلاف من الجانبين، وكذلك فتح الكويت أراضيها وأجواءها الكويتية أمام القوات الأميركية لما أسموه quot;احتلال العراقquot;.

المشروع الكويتي الذي تحجج به quot;حزب اللهquot; تغير كثيراً في دائرة الحديث، فالانتقال نحو لهجة الانتقام وبدء صيغة الجدل وتذكار الكويتيين بمنهجية مواقفهم على مدار الحربين الخليجيّتين؛ هي المحيرة في الأسلوب وحدته.

فماذا كان وراء الخطاب الانتقامي من كتائب quot;حزب اللهquot; العراقية وهل سيشعل الحزب أزمة جديدة بين الجارتين العراق والكويت؟

الكاتب والمحلل السياسي الكويتي أحمد الصراف قال خلال حديث لـquot;إيلافquot; إن الوضع بين الكويت والعراق لم يكن كما يرام منذ أكثر من سبعين عامًا، ولن يكون quot;طالما أن العراق دولة لا تعرف كيفية التصرف بمواردها ويئن شعبها تحت وطأة الفقر منذ عقودquot;.

وأضاف الصراف أن العراق لم يعرف الديمقراطية الحقيقية سبيلاً لنفوس أبناء شعبه بسبب quot;سيطرة الخطاب الديني على عقلية من يديرون أموره أمام وخلف الستارquot;. معتبرًا أن دخول عامل حزب الله العراقي على الخط لا يعتبر تطوراً جديداً بقدر ما هو quot;استغلال لحالة محددة والتكسب من ورائها سياسياquot;.

واعتبر الصراف أن الأزمة كانت قبل تصريح حزب الله وستبقى بعد حزب الله، واصفا الخطاب وتصريح حزب الله به quot;غير مناسب أخلاقياً وسياسياًquot;، متسائلاً كيف تهدد جهة غير معترف بها بالاعتداء على دولة أخرى ذات سيادة quot;باستخدام العنفquot; لفض نزاع بين بلدين؟
وتطرق الكاتب أحمد الصراف إلى أن الأسلوب الذي انتهجه الحزب وكأنه دولة داخل دولة، لا يجعله يختلف كثيرًا عن بقية الكيانات المسلحة الأخرى التي تتصرف بالمنطق ذاته، مبيناً أنه quot;في غياب الدولة المدنية فإن لله أكثر من حزب على ارض العراق وغيرهاquot;.

وفي سؤال لـquot;إيلافquot; عن موقف حكومة الكويت حالياً ومستقبلاً حال تعرض القائمين على المشروع الحالي لاعتداء من قبل حزب الله العراق، وهل ستتخذ الكويت أمراً بإيقاف المشروع أو رد العنف بالعنف، عن ذلك قال الصراف quot;لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى أن يقوم ما يسمى بحزب الله بتنفيذ تهديدهquot;.

الصراف يتوقع أن يتم حل المشكلة في النهاية
مضيفا أنه لا يمكن تصور أن الكويت سترد العنف بالعنف، خاصة إذا كانت الجهات المنفذة لها سطوتها دولياً أو محسوبة على من يمول حزب الله هذا، والكلام للصراف، الذي أضاف أن البلدين quot;سيجدان حلاً للمشكلة في نهاية المطافquot;، ولكن فقط لفترة محددة بانتظار حدوث أمر مستجد ما أو بانتظار بروز مشكلة أخرى.

اعتبر الصراف أن تلك الحالة من التهديد والهدوء في حين آخر، ستبقى قائمة طالما quot;أن العراق ليس بدولة علمانية مدنيةquot; وكذلك طالما أن هناك سياسيين كويتيين يعارضون النظام الحاكم في العراق quot;لأن لطائفة دينية معارضة اليد الطولى في إدارة دولة يختلفون مع إدارتها مذهبياquot;.

وعن توقعاته في مدى تحقيق أي جهد دبلوماسي نتيجة لرأب الصدع حول الخلاف الحدودي بين الجارتين، أوضح الصراف أن الحلول الدبلوماسية ستثمر في رأب هذا الخلاف وغيره؛ ولكن quot;إلى حينquot;. موضحًا أنه حتى يأتي ذلك الحين quot;فإن على شعبي البلدين الاستمرار في تخلفهم وصراعاتهم التي وصفها بـquot;السخيفةquot;.

وأضاف أن الخلاف الحدودي ليس بالمشكلة التي لا يمكن حلها إلا باللجوء للقوة متى ما علمنا أن هناك من بإمكانه اللجوء للتحكيم الدولي، معترفا أنه لا يوجد من يفهم في العراق مثل هذه اللغة أو يستمع لمثل هذا المنطق، وأضاف أن البعض من العراقيين أو جزءا من سياسييه quot;سيبقى غير راض عن التقسيم الحالي أو حل آخر طالما كان في بقاء الخلاف مصلحة لهquot;.

في خضم الحديث عن الأزمة الصامتة بين العراق والكويت، وهي الأزمة التي يعلو فيها صوت منظمة quot;حزب اللهquot; التي ترى أنها لا تمثل سوى quot;المقاومةquot; بخطاب تهديدي، طالب أمين عام هيئة الأمم المتحدة بان كي مون بحل القضية عبر القنوات الدبلوماسية.

الحل الذي ذكره بان كي مون يحيط بمدى جدية الكويتيين في حل الأزمة عبر تلك القنوات، خصوصا وأن مجلس الأمن الدولي أصدر القرار رقم (833) في العام 1993. وهو ما ينص على ترسيم الحدود بين العراق والكويت التي يبلغ طولها 216 كم عبر تشكيل لجنة دولية، الأمر الذي رفضه نظام الرئيس السابق صدام حسين أولاً، إلا أنه وافق عليه في نهاية عام 1994عقب ضغوط دولية.

ومن الجانب العراقي، بعيدًا عن خطاب حزب الله المهيج للرأي العام، يسطع لون التذبذب ما بين الحكومة ومجلس النواب، حيث كان الأخير هو المحرك والمستدرك في أن إقامة هذا المشروع الاقتصادي الكويتي سيكون من شأنه التأثير على الاقتصاد العراقي بشكل مباشر.

وتعتبر العراق كدولة هي منطقة الصراع المنبثقة من أرضها مسميات حروب الخليج، فالأولى بين العراق وإيران وهي الحرب الأشرس والأكثر دموية حيث استمرت أكثر من ثمانية أعوام بدأت في العام 1980، خلفت نيرانها ما يزيد عن مليون قتيل، كانت الشرارة في إشعالها الأزمة الحدودية بين طهران وبغداد.

الحرب الثانية كانت الضحية فيها الكويت التي لم تتوقع أن تمتد مرحلة أزمة الحدود إلى أن يحتل صدام ونظامه الدولة ويتوغل حتى عاصمتها، وهو ما حرك قوات أميركية وأخرى متحالفة لتطهير الكويت من صدام.

الحرب الثالثة في العام 2003 كانت هي النقطة الفاصلة من تحالف أميركي وبريطاني، وبعض من دول أخرى رفضت المشاركة في الحرب إلا من خلال تهيئة ميزان القوة للتغلب على صدام، وكان لها ما هدفت إليه، وتعد تجاذبات خطاب حزب الله نحو الكويت ممتلكة شعورا أن الاقتصاد هو وجه السياسة الأول، وربما الحرب كوجه وخيار آخر.

ويعتبر حزب الله بفرعه العراقي شقيقا في التوجه كفرعه اللبناني، إذ إنه يرى منظمة تتبنى quot;ثقافة المقاومةquot; لأجل الوطن، ويمارس لذلك دورا في تهيئة وتنفيذ العمليات العسكرية، بدأه ضد القوات الأميركية في العراق.