رغم أن الأحوال الإقتصادية صارت أشد قسوة منذ ذي قبل، ورغم حالة الإنفلات الأمني التي صاحبت ثورة 25 يناير، إلا أن المصريين يصرّون على إسقاط الخوف والحزن من قاموسهم في رمضان، ويصممون على الفرح، وتعددت مظاهر فرحتهم بأول رمضان لهم بعد القيام بثورتهم الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، من الإقبال على شراء الفوانيس، مروراً بتعليق الزينة في الشوارع وأمام المقاهي والمحال التجارية، وشراء الياميش، والخروج للفسحة ليلاً.


الفوانيس تقليد رمضاني يحرص المصريون على اقتنائه وتزيين بيوتهم به خلال الشهر الفضيل

صبري حسنين من القاهرة: كالعادة، تنافس الأطفال ـ وبتشجيع من آبائهم وأمهاتهم ـ في تزيين الشوارع بالفوانيس وأوراق الزينة. وفي منطقة أم المصريين في الجيزة سهر الآباء مع أطفالهم في الليلة السابقة على أول يوم من رمضان، وراحوا يعملون بجد وملامح الفرحة بادية على وجوههم ينسجون أوراق الزينة ويصنعون الفوانيس الكبيرة من أوراق الكرتون المقوى والخشب مع البلاستيك الشفاف، وإنتهوا من عملهم من دقات طبلة المسحراتي معلناً بدء أول يوم صوم.

قال جلال سالم من أهل المنطقة، وكان يساعد أطفاله في تعليق فرع طويل من اللمبات الكهربائية الملونة: إنه شهر في العام نفرح فيه، ولن يثنينا أحد عن الفرحة، وأضاف لـquot;إيلافquot;: نحن هذا العام فرحتنا مزدوجة، الفرحة الأولى برحيل الطاغية وابنه ونظامه الظالم، والثانية فرحتنا برمضان، لن نغير عاداتنا في الفرحة بإستقبال الشهر الكريم.

حول تأثير الإنفلات الأمني على عاداتهم في رمضان قال سالم: ليس لدينا إنفلات أمني، نحن نحمي بيوتنا، ولا أحد يجرؤ على الإقتراب من المنطقة، وكما نحرس نحن هنا في أم المصريين منطقتنا وبيوتنا، كل الناس في أي شارع يحرسون أنفسهم، الشوارع آمنة تماماً، وما يحدث في سيناء تصفية حسابات بين الشرطة والبدو، لأن وزارة الداخلية ذلتهم لسنوات طويلة، وعاملهم النظام السابق بإعتبارهم خونة وتجار مخدرات.

فرحة الحرية
علي محمود من سكان أم المصريين، إشترى لأطفاله فوانيس، وإشترك معهم في صنع فانوس كبير من الخشب والزجاج وعلقوه أمام منزلهم، وقال لـquot;إيلافquot;: نحن قمنا بمعجزة، لم لا نفرح؟ ثورتنا معجزة، تخلصنا من اللصوص الذين كانوا ينهبونا ثروتنا، ويلهبون ظهورنا بالضرائب والرسوم، لن يحكمنا جمال مبارك، لأنه ابن الرئيس، سنختار نحن من يحكمنا بإرادتنا، أليس هذا يدعو إلى فرحة؟!.

غير أن محمود لم يخف أن هناك ما يحدّ من فرحته، وأوضح: بالطبع هناك منغضات، منها تدهور الحال الإقتصادية، وفقدان البعض أعمالهم، منهم شقيقي الذي كان يعمل في فندق في مدينة الغردقة، حيث إنخفضت معدلات السياحة بشكل كبير، إضافة إلى إرتفاع الأسعار، ولكن هذا الإرتفاع كان يحدث كل عام، وليس هناك أي جديد فيه، لذلك أتمنى من الإخوة الذين يعتصمون في ميدان التحرير أن يفضّوا إعتصامهم، ولا يعودون إليه، لأن إغلاق الميدان يسبب شللاً في الحركة التجارية في القاهرة، ويؤدي إلى إغلاق المتحف المصري في وجه السائحين، ويمكن أن نخرج كل يوم جمعة من التظاهر في مليونيات في حالة رأينا أن هناك تقاعسًا من المجلس العسكري في تلبية مطالب الثورة.

رمضان في ميدان التحرير
رمضان بعد الثورة فرصة لتحسين الإقتصاد، هكذا يرى محمد آدم من اللجان الشعبية في ميدان التحرير، وقال لـquot;إيلافquot; إن المصريين يتعاملون مع شهر رمضان بشكل خاطئ، إذ يعتبرونه شهر الطعام، وليس شهر الصيام، حيث تزيد معدلات إستهلاك الأطعمة فيه عن أي شهر آخر، وتدخل إليه سلع غذائية أخرى غير ضرورية، مثل الياميش والمكسرات والحلويات والفوانيس، كل هذا الأشياء يمكن الإستغناء عنها أو على الأقل الإقتصاد في إستهلاكها، والتقليل من اللحوم والدواجن، إنه شهر صوم شرّعه الله من أجل أن يشعر الغني بالفقير.

وحول مظاهر الإحتفال برمضان في ميدان التحرير، قال إن القوى السياسية سوف تنظم إفطارًا جماعيًا بشكل دائم طوال الشهر، لكن الإفطار ليس مموّلاً من الخارج، وسوف يساهم من يريد الإشتراك في الإفطار بالمال، مشيراً إلى أن الحركات الثورية سوف تنظم ندوات ومهرجانات بعد الإفطار، تشترك فيها الفرق الغنائية التي كانت تقدم أغاني أثناء الثورة. ولفت إلى أنه تم تعليق الزينات والفوانيس في وسط الميدان.

نكات رمضان والثورة
يعرف المصريون بأنهم شعب يحب السخرية والفكاهة وإطلاق النكات، لعل هناك واقعة تاريخية تشهد بذلك، فبعد النكسة في 5 يونيو 1976، وبدلاً من أن ينكبوا على أنفسهم باكين ومتخسرين، راحوا يطلقون النكات على الجيش، لدرجة إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طلب منهم الكفّ عن إلقاء النكات في خطاب له بتاريخ 23 يوليو.

ويعتبر إطلاق النكات من مظاهر إحتفال المصريين بأول رمضان لهم بعد الثورة، ومنها quot;نبأ عاجل: المصريون يدعون إلى مليونية جديدة، لإلغاء رمضان لأنه شهر quot;مباركquot;، quot;حان الآن موعد الإفطار حسب التوقيت المحلى لميدان التحرير.. وعلى المقيمين في روكسي مراعاة فروق التوقيتquot;، quot;هتافات الأطفال في رمضان: حالو يا حالو.. مبارك شعبه حلّهquot;، quot;الثوار يطالبون بأن تكون الرؤية في التحرير حتى يحصل المفتي على الشرعية من الميدانquot;، quot;عاجل: اللواء عمر سليمان: المصريون غير مؤهلين للصيام ولا السحورquot;، quot;الشعب يريد تدميس الفولquot;، quot;إشتعال معركة الإفطار أم السحور أولاً بين الإخوان والتيارات السياسيةquot;، quot; منع العريان والملط من الظهور في رمضان إلا بعد الفطارquot;، quot;مجهولون يقتحمون ميدان التحرير ويوزعون أوراقاً فيها حل فوازير المجلس العسكري للمرحلة الإنتقاليةquot;.

quot;سؤال للمفتي: هل استنشاق الغاز المسيل للدموع يبطل الصيام؟ والعيسوي يرد: الغاز يبطل صيام البلطجية فقطquot;، quot;استطلاعات ائتلاف شباب رمضان ترشح قمر الدين المشروب الرسمي هذا العام.. وأنصار الخشاف يعترضونquot;، quot;عمرو حمزاوي: أرفض رفضاً قاطعاً بحكم ليبراليتي مايسمى بـ quot;قمر الدينquot;.. وعلى التيارات الإسلامية أن تكفّ عن خلط الدين بالقمرquot;، quot;انقسامات في صفوف الصائمين على أولويات مائدة الإفطار، الليبراليون يرفعون شعار الشوربة أولاً.. والإسلاميون يعتبرونه إنقلابًا على نتائج إستفتاء اللحمة أولاًquot;، quot;فريد الديب: الشعب يريد إسقاط صيام رمضان عن الرئيس، لأنه في غيبوبةquot;، quot;مبارك في أول خطاب له بعد رمضان: يحز في نفسي أنني لن أصلّي العيد في وسط الحراسات الخاصة والنفاق والتطبيلquot;.

quot;مبارك: لم أكن أنوي الصيام مرة أخرىquot;، quot;عاجل: مبارك يعلن عن تخليه عن صيام شهر رمضان ويكلف المجلس العسكرى بالصوم بدلاً منه والله الموفق والمستعانquot;، quot;عاجل: الإخوان: هناك من يحاول الالتفاف على نتيجة استطلاع هلال شهر رمضانquot;، quot;البرادعي يدعو جميع المصريين إلى الإفطار أول يوم رمضان في ميدان التحرير.. ويستأذنهم في أن يفطر في النمسا اليومquot;، quot;إذا جاء رمضان صفدت الشياطين في سجن طرة و مستشفى شرم الشيخ الدوليquot;، quot; كوكاكولا زيرو: يعني مبارك وشلته يتفرجوا علىquot; الجماعةquot; رمضان اللي فات وquot;الجماعةquot; كلها تتفرج عليهم رمضان دهquot;، quot;رسائل على الموبايل: رمضان مبارك ونظيف وشريف وكله سرور وجمال وكمال .. مع تحيات فلول الحزب الوطنيquot;، quot;طبق اليوم في رمضان: الإفطار قنابل مولوتوف، والحلو رصاص مطاطي، والسحور فول مسيل للدموعquot;.

مشاعر مختلطة
رمضان هذا العام مختلف، يأتي على المصريين وهم يعيشون مشاعر مختلطة ما بين الفرح بالإنتصار على الإستبداد، وما بين القلق من المستقبل الضبابي، حسبما يقول الدكتور نبيل صفوت أستاذ علم الإجتماع في جامعة القاهرة، ويضيف أن المصريين كانوا يعيشون أزمات متكررة خلال السنوات العشر الماضية مع قدوم رمضان، وكان هذا الشهر يشهد ما يتراوح ما بين 5 وسبع حالات إنتحار رجال نظراً إلى عدم قدرتهم على توفير نفقات رمضان والمدارس والعيد، وهي ثلاث أزمات يتعرض لها المواطن المصري معاً.

لكن هذا العام لم تشهد مصر حالات إنتحار قبل رمضان، مشيراً إلى أن هذا لا يعود إلى كون الثورة قضت على كل المشاكل والأزمات، ولكن لأنها أعطت الأمل للمصريين في غد أفضل، لاسيما أن الإنسان عادة ما يقدم على الإنتحار بسبب فقدان الأمل، وهذا الشعور كان يسيطر على المصريين طوال السنوات العشر الماضية، حيث كانوا يشعرون أن النظام السابق قضى على أحلامهم في الغد الأفضل، وأن الأحوال تسير من سيء إلى أسوأ، بعد إصرار مبارك على توريث الحكم لنجله جمال، ما يعني إستمرار الفساد وإستمرار سيطرة مجموعة صغيرة على مقدرات البلاد وثرواتها.

وينبه صفوت إلى أن المصريين، لاسيما البسطاء، يجيدون إنتزاع أو توليد الفرحة أو الإبتسامة من رحم الأزمات، فمثلاً يتغلبون على الأزمات والأحزان بتعليق الزينات والفوانيس في الشوارع، ويفرحون عندما يرون الفرحة في عيون أبنائهم... عندما يشترون لهم فوانيس صينية رخيصة، فضلاً عن أنهم يتغلبون على الظروف بـquot;اللمّةquot; أي التجمع حول مائدة الإفطار، وإستبدال الخشاف وقمر الدين وغيرها من المشروبات مرتفعة الثمن بالتمر هندي والسوبيا والخروب.