تقود مجموعة من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين حملة ضخمة لدعم ما يتم بذله في تلك الأثناء من مساعٍ إلى إزالة منظمة مجاهدي خلق، تلك الجماعة الإيرانية المعارضة التي تحظى بتاريخ عنيف ومناهض للولايات المتحدة، من قائمة الإرهاب الأميركية.
عناصر من منظمة quot;مجاهدي خلقquot; الإيرانية المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية |
أشرف أبوجلالة من القاهرة: بينما يُنتَظر أن يصدر قرار في هذا الشأن خلال أسابيع من قِبل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بدأ يطالب جنرالات أميركيون سابقون وقادة أجهزة المخابرات ومحافظون وشخصيات سياسية ذات ثقل، الحكومة الأميركية بأن تزيل منظمة مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب الأميركية المُدرج ضمنها تنظيما القاعدة وحزب الله.
في هذا السياق، أفادت اليوم صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية بأن الكثير من هؤلاء المسؤولين الأميركيين الكبار السابقين ndash; الذين يمثلون الطيف السياسي كاملاً ndash; قد تلقوا عشرات الآلاف من الدولارات من أجل التحدث علناً لدعم مجاهدي خلق.
وأوضحت الصحيفة أيضاً أن هؤلاء المسؤولين الأميركيين نادراً ما تحدثوا في خطاباتهم العلنية الداعمة للمنظمة الإيرانية عن ماضيها العنيف والمناهض للولايات المتحدة، ولم يصوروا أفرادها على أنهم إرهابيون، بل مقاتلون من أجل الحرية quot;بقيم مثل قيمناquot;، ووصفوهم أيضاً باعتبارهم ديمقراطيين ينتظرون القيام بدورهم، وعلى استعداد ليكونوا بمثابة الطليعة لتغيير النظام في إيران.
كما اعترف بعض المسؤولين الأميركيين بأنهم لم يكونوا على دراية سوى بالقليل عن المنظمة قبل أن توجّه إليهم الدعوة من أجل التحدث عنها، وأنهم تدربوا على ذلك من قِبل أنصار المنظمة.
ومضت الصحيفة تقول إن جهودهم ربما أتت بثمارها، ونقلت عن مسؤولين مطلعين قولهم إن ملايين الدولارات التي أنفقت على تلك الحملة شكلت ضغوطاً سياسية من أجل إزالة مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لوزارة الخارجية الأميركية إلى أعلى المستويات منذ أن كانت المنظمة من أوائل المنظمات التي تم إدراجها في القائمة عام 1997.
لكن خبراء إيرانيين يقولون إن شطب اسم المنظمة من القائمة قد يصبّ في مصلحة حكام إيران المتشددين، عن طريق منحهم الحجة التي يمكن الاستناد إليها في كبح المعارضة الداخلية السلمية في إيران بصورة وحشية.
هذا وترفض بإصرار حركة المعارضة الخضراء في إيران ndash; وهي الحركة التي قادت تظاهرات الشوارع عام 2009 - منظمة مجاهدي خلق باعتبارها قوة عنيفة ومناهضة للديمقراطية.
وأوردت ساينس مونيتور في هذا السياق عن جون ليمبرت، واحد من الرهائن الأميركيين الذين سبق وأن تم احتجازهم في إيران في الفترة ما بين عامي 1979 و1981، والذي كان نائباً لمساعد وزير الخارجية الأميركي للشأن الإيراني حتى العام الماضي، قوله: quot;من يقولون إن أفراد منظمة مجاهدي خلق ما عادوا إرهابيين، يقولون أيضاً إنهم ديمقراطيون. والسؤال الآن: هل غيرت quot;مجاهدو خلقquot; طبيعتها الإرهابية؟، وحتى إن قالوا إنهم ينبذون الإرهاب، فإنني لا أثق في ذلك. فما الذي يوجد في ماضيهم ndash; أو في حاضرهم ndash; يجعلك تثق في تصريح كهذا؟quot;.
في هذا الصدد، أكدت الصحيفة أن الخارجية الأميركية ستفكر ملياً في الكثير من التشعبات، بدءًا من الطريقة التي سيتم التعامل من خلالها مع خطوة كهذه في الشارع الإيراني والطريقة التي ستؤثر من خلالها على مصداقية الولايات المتحدة الإستراتيجية.
وقال مازيار بهاري، الصحافي الذي كان محبوساً في إيران خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2009: إن quot;منظمة مجاهدي خلق، بما تحظى به من تاريخ عنيف، هي ما يحتاجه النظام الإيراني تحديداً لإجازة عنفه ضد المعارضة السلميةquot;.
كما حذر رجل الدين الإصلاحي محسن كديور والأكاديمي الذي يقيم في الولايات المتحدة، أحمد صدري، من مخاطر أوسع في النطاق، حيث أوضحا أن إزالة quot;مجاهدي خلقquot; من قائمة الإرهاب سوف تؤدي إلى حدوث خسارة فادحة للقوة الأميركية الناعمة في إيران، وستضرّ بالتقدم الديمقراطي الحاصل في إيران، وستساعد المتشددين الإيرانيين على تعزيز وتوطيد ديكتاتوريتهم على المدى الطويل.
هذا وتعود الكراهية الأميركية لمنظمة مجاهدي خلق إلى الوراء قبل أربعة عقود، حين جرى تأسيسها أولاً في ستينات القرن الماضي، بفكر ماركسي إسلامي مناهض للولايات المتحدة. وسبق للمنظمة أن اغتالت ما لا يقل عن 6 مستشارين عسكريين ومواطنين أميركيين في إيران خلال سبعينات القرن الماضي، ودعمت الثورة الإسلامية، ثم استولت على السفارة الأميركية عام 1979، وحاولت عرقلة الاتفاقات مع ما كانت تسميها وقتها quot;الولايات المتحدة، القوة الشيطانية التي تهدد العالم... والخصم الرئيسquot;.
وسبق للمنظمة أن قالت عام 2001 إنها بدأت في نبذ أعمال العنف، بعدما أعلنت مسؤوليتها عن شنّ 350 هجوماً في عامي 2000 و2001. ورأت أعداد متزايدة من أنصارها في الولايات المتحدة أن quot;مجاهدي خلقquot;، مثلها مثل حركة الشين فين في أيرلندا الشمالية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانوا يستعينون بالعنف قبل أن يصبحوا قوى سياسية مؤثرة على طريقتهم الخاصة.
مع هذا، يتساءل الآن مسؤولون أميركيون حاليون، وكذلك كثير من الخبراء المتخصصين في الشأن الإيراني، بشأن قدرة quot;مجاهدي خلقquot; على التغيير في ضوء تاريخها الفريد وسماتها المشابهة للعبادة. وقالوا إن حقيقة نبذها على نطاق كبير داخل إيران يجعلها أيضاً أداة خطرة لتغيير النظام الإسلامي القائم في الجمهورية الإيرانية.
ولفتت الصحيفة الأميركية كذلك إلى أن إزالة المنظمة من قائمة الإرهاب الأميركية سيشكل أمراً حيوياً وحاسماً بالنسبة إليها كي تدعم وتعزز شرعيتها. كما ستمكن تلك الخطوة المنظمة من تجميع الأموال بصورة علنية في الولايات المتحدة ndash; على الرغم من استعانتها بتقنيات احتيالية في الماضي، دفعت مكتب التحقيقات الفيدرالي quot;إف بي آيquot; إلى التحقيق في وقائع متعلقة بعصابات تهريب وتزوير ونظم احتيال، وهو ما أسفر عن سجن العشرات من أفرادها.
في مقابل ذلك، أسقط عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين ndash; في خطابات لهم منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي ndash; تهمة أو نية الإرهاب في ما تقوم به quot;مجاهدي خلقquot; من نشاطات.
إلى ذلك، أكد مسؤولون أميركيون سابقون ممن يشاركون في الفعاليات الخاصة بدعم منظمة مجاهدي خلق، في تصريحات خصّوا بها ساينس مونيتور أو أعلنوها على الملأ، أنهم تلقوا رسوماً كبيرةً، دفعتها جماعات محلية إيرانية أميركية للمكاتب التي توفر لهم منابر الظهور العلني.
وقال أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، وهو مطلع على كواليس التعاقدات الخاصة بإدلاء الخطابات والأحاديث: quot;يتصل بك الوكيل الخاص بتلك الخطابات، ويخبرك بأنك ستحصل على 20 ألف دولار مقابل التحدث لمدة 20 دقيقة. وسيبعثون لك طائرة خاصة، وعند الانتهاء ستحصل على مبلغ إضافي آخر قدره 25 ألف دولار، وسيوفدون إليك فريقاً يخبرك بما ستقولهquot;.
وقال مسؤول أميركي آخر: quot;لم يسبق لأي من كبار مسؤولي الأمن القومي أن سمعوا عن منظمة مجاهدي خلق؛ حيث لم يسبق لها مطلقاً أن ارتقت إلى مستواهم حتى الآنquot;. وأشارت الصحيفة من جهتها إلى أن التعاقدات قد تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار، وتتضمن الظهور مرات عدة. ونوهت في الوقت عينه أيضاً بالعقبات الاستثنائية التي تخلقها الفعاليات الداعمة للمنظمة، والتي من بينها مشاركة شخصيات أميركية بارزة للمنصة إلى جوار الرئيس المنتخب للمنظمة، مريم رجوي.
وألمحت الصحيفة بعد ذلك إلى تلك التصريحات التي أكدت من خلالها رجوي أن الولايات المتحدة كبلت القوة الرئيسة للتغيير في إيران من خلال تلك التسمية التي لا مبرر لها، والتي كانت بمثابة الحاجز أمام حرية الشعب الإيراني. ودعت رجوي الحكومة الأميركية إلى أن quot;تصغيquot; للمسؤولين السابقين الكبار المطالبين بشطب اسم المنظمة من قائمة الإرهاب الأميركية والاعتراف في الوقت نفسه بالمقاومة الإيرانية.
ثم مضت الصحيفة تتحدث عن نجاح قادة منظمة مجاهدي خلق في فرض نفوذهم وتأثيرهم على بعض من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين كي يواصلوا حملتهم الداعمة للمنظمة والرامية إلى شطبها من قائمة الإرهاب الأميركية، وهو المعنى نفسه الذي شدد عليه لي هاميلتون، الرئيس المشارك السابق للجنة 11/9، في تصريحات أدلى بها للصحيفة، بعد تأكيده على أنه حصل على مقابل مادي جيد كي يتحدث في واشنطن.
كما قال مسؤول دبلوماسي أميركي سابق، حسبما أكد للصحيفة، أن مبلغاً قدره 25 ألف دولار قد عُرِض عليه لكي يتحدث في باريس خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لكنه رفض، وأضاف: quot;يحق لكل من يتحدث في هذا السياق أن يصدر تصريحات ويدلي بخطابات تفيد بضرورة شطب (مجاهدي خلق) من قائمة الإرهاب. لكنني أرى، بحسب وجهة نظري، أنهم لا يجب أن يقوموا بذلك في مقابل المالquot;.
من بين الشخصيات التي أعلنت صراحةً عن تأييدها مساعي إزالة المنظمة من القائمة كل من بيل ريتشاردسون، وزير الطاقة السابق، والجنرال بيتر بيس، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، وويزلي كلارك، القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، وجيمس جونز، مستشار الأمن القومي السابق لدى إدارة الرئيس باراك أوباما.
إضافة إلى كل من قادة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي آي إيهquot; جيمس وولسي، وبورتر غوس، ومايكل هايدن. كما سبق وأن أكد عدد كبير آخر من المسؤولين لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية على تلقيهم أموالاً نقدية من أجل التحدث لمصلحة المنظمة، ومن بين هؤلاء جون بولتون، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، ولويس فريح، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والجنرال جيمس كونواي، القائد السابق لسلاح مشاة البحرية.
أمام كل هذا الجهد، لفتت الصحيفة لتلك الحملة المناوئة التي أطلقها المجلس الوطني الأميركي الإيراني (إن آي أيه سي) للتحذير من أن شطب quot;مجاهدي خلقquot; من قائمة الإرهاب سيؤدي إلى بثّ روح التطرف لدى الحركة الديمقراطية النامية في إيران، وسيطلق العنان لقوة رئيسة قد تقود إلى اندلاع الحرب بين أميركا وإيران.
ثم تحدثت رئيسة المجلس، تريتا بارسي، عن الإمكانات والقدرات المالية التي يستعين بها مسؤولو منظمة quot;مجاهدي خلقquot; في دعم قضيتهم، حتى إن اقتضى الأمر إنفاق مئات الآلاف والملايين من الدولارات. وعاودت ساينس مونيتور هي الأخرى لتبرز الشكوك والمخاوف القائمة من تزايد احتمالات إخفاق quot;مجاهدي خلقquot; في الإيفاء بوعدها وتغيير سياساتها بعيداً عن نهج العنف الذي مارسته على مدار عقود.
بعدها، أوضحت الصحيفة أن المصادر التي ترتكز عليها المنظمة لتمويل حملتها غير واضحة، حتى بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين. وأشارت إلى أن هناك جماعات معلومة لدى الوكالات الأميركية باعتبارها وسيلة يعتمد عليها أنصار مجاهدي خلق في جمع وإنفاق الأموال، على الرغم من تصنيفهم كتنظيمات إرهابية. كما تحدثت الخارجية الأميركية عن الطريقة التي نجحت من خلالها quot;مجاهدي خلقquot; في تشكيل وتأسيس جماعات مرتبطة بأسماء حميدة لجمع المال وكسب التعاطف حول العالم.
التعليقات