أعمال العنف في بريطانيا خلفت دمارا في الكثير من الممتلكات

يرى خبراء اسرائيليون فارقاً كبيراً بين الاحتجاجات التي تشهدها المدن البريطانية ونظيرتها في اسرائيل، استناداً الى اختلاف التركيبة الاجتماعية بين البلدين، رغم ذلك يرى مراقبون اقتراب سقوط ورقة نتانياهو، داعين الى إجراء انتخابات عامة، وإخلاء الطريق لحكومة جديد تُفضل توفير الخبز على بناء المستوطنات.


تباينت رؤى النخب السياسية في تل ابيب حول تحديد هوية الاحتجاجات التي تجوب كل المدن الاسرائيلية منذ ما يربو عن شهر تقريباً، وقارنت النخب عينها بين تلك الاحتجاجات ومثيلاتها، التي انطلقت قبل ايام في عدد من المدن البريطانية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، اعتبر فريق من المشاركين في الاحتجاجات الاسرائيلية انها ستشهد تحولاً مفصلياً خلال الايام القليلة المقبلة، لتتخلى عن طابعها السلمي، وتدخل في اطار اعمال العنف والتخريب، كما بات عليه الحال في المدن البريطانية.

الا ان فريقاً آخر يمثله الخبراء والاكاديميون الاسرائيليون، رأى ان هذا التوقع لا يخرج عن كونه تهديداً للمارسة ضغوطات على حكومة نتانياهو من اجل تنفيذ المطالب التي لوّحوا بها منذ اليوم الاول لتلك الاحتجاجات.

نظرة عميقة توضح نتيجة عكسية

واستهلت الصحيفة العبرية تقريرها المسهب بذكر ميدان التحرير المصري، ونظيره quot;هابيماquot; في اسرائيل، وميدان quot;بيكاديلليquot; اشهر ميادين العاصمة البريطانية لندن، معتبرة ان تلك الميادين كانت بداية لاحتجاجات شعبية ربما تطال خلال وقت وجيز كلالعواصم والمدن الحيوية في مختلف دول العالم، تعبيراً عن ظروف سياسية وربما اجتماعية متردية عانتها الشعوب زهاء سنوات طوال.

واضافت الصحيفة العبرية: quot;ان موسم ربيع الشعوب العربية هو نقطة الانطلاق الطبيعية لتفشي الظاهرة على الصعيد الدولي، رغبة من شعوب تلك الدول في التغيير الذي سأمت من طول انتظارهquot;.

انطلاقاً من هذا المفهوم ndash; كما تقول يديعوت احرونوت ndash; فإنه من السهل الربط بين الاحتجاجات التي تسود الشوارع البريطانية وبين quot;احتجاجات المخيماتquot; في شوارع اسرائيل، والادعاء بأن الظلم واجحاف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حرك المياه الراكدة، وبات عاملاً مشتركاً بين الاحتجاجات التي تشهدها البلدان في الوقت الراهن رغم بعد المسافة الجغرافية بينهما.

غير ان خبراء الدولة العبرية اكدوا انه بنظرة اعمق لواقع الحال في بريطانيا واسرائيل، تتضح نتائج ورؤى عكسية لما تمليه النظرة السطحية للحدثين، على الرغم من ان هدف الاحتجاجات في البلدين يتلاقيان في نقطة واحدة.

الخبير الاسرائيلي الدكتور quot;داني غوتويينquot; المؤرخ الاجتماعي والاقتصادي في جامعة حيفا، يرى ان هناك فارقاً شاسعاً بين الاحتجاجات البريطانية ونظيرتها الاسرائيلية، مشيراً الى ان الاحتجاجات الاسرائيلية يمثلها ابناء الطبقة الوسطى، الذين يرون في انفسهم النواة الرئيسة للمجتمع الاسرائيلي، ويناضلون من اجل فرض جدول اولويات اجتماعية.

ويضيف الخبير الاسرائيلي: quot;في المقابل الامر يختلف تماماً عند النظر للاحتجاجات البريطانية، إذ يأخذ بناصية الاحتجاجات ابناء الطبقة الكادحة الفقيرة، ونظرائهم من ابناء الاقليات، الذين يعتبرون انفسهم مُبعدون عن المجتمع، لذلك فإن هؤلاء ليسوا جزءاً من قواعد اللعبةquot;.

ليس بالضرورة اسقاط حكومة نتانياهو

يؤكد quot;غوتويينquot; في حديثه للصحيفة العبرية انه في وقت بات فيه المحتجون الاسرائيليون على قناعة بأن احتجاجاتهم ستسفر عن تغييرات محورية، انطلاقاً من المطالب التي ينادون بها، وليس بالضرورة اسقاط نظام نتانياهو حال تنفيذ هذه المطالب، تعكس الاحتجاجات البريطانية حالة من فقدان الثقة التام في المستوى السياسي.

واضاف الخبير الاسرائيلي: quot;يستشعر المحتجون في بريطانيا انهم لا يشكلون محوراً في مركز القوى الاجتماعية، ولذلك لم يكن مستغرباً اضطرار هؤلاء الى التعبير عن قوتهم باللجوء الى العنف والتخريبquot;.

رغم ذلك يرى الخبير الاسرائيلي انه لابد ان تضيء الاحتجاجات البريطانية، وما تنطوي عليه من اعمال عنف وتخريب ضوءاً احمر في اسرائيل، خاصة لدى حكومة الليكود، إذ انه من الممكن ان ينضم الى الاحتجاجات الاسرائيلية ابناء الطبقة الفقيرة والاقليات، التي يثاورها شعور الاغتراب لدى نظيرتها في بريطانيا نفسه، عندئذ فلن يكون من المستبعد ان ينتقل الواقع الدراماتيكي في بريطانيا الى الدولة العبرية بحسب الخبير الاسرائيلي quot;داني غوتويينquot;.

وطبقاً لما نقلته يديعوت احرونوت عن الخبير الاسرائيلي، فإن سياسة عدم المساواة المتطرفة في اسرائيل فقدت شرعيتها، وان شعور السخط والاحباط لدى الطبقة الاجتماعية الفقيرة من شأنه الانفجار في المستقبل القريب، مثلما حدث في اسرائيل في الماضي، خلال اعمال العنف التي شهدتها منطقة quot;وادي الصليبquot; واعمال عنف تشرين الاول/ اكتوبر الشهيرة.

كما ان الاحتجاجات الاجتماعية ndash; الاقتصادية التي بدأت الانتشار في أرجاء الدولة العبرية منذ ما يقرب من شهر ndash; بحسب الخبير الاسرائيلي ndash; مركبة من عناصر اجتماعية ترى في نفسها جزءاً من مؤسسة الدولة، وتثق هذه العناصر في انها ستتمكن من إحداث تغيير، وانها تتفهم ان العنف سينعكس بالضرر عليها، كما تدرك تماماً قواعد اللعبة وانها جزء منها.

ويضيف الخبير الاسرائيلي: quot;الامر يختلف تماماً عند النظر الى الاحتجاجات التي شهدتها في الماضي ولمرات متتالية عدة بريطانيا وربما الولايات المتحدة، نظراً إلى أن ابطالها يدركون ضعفهم الاجتماعي، وانعدام تأثيرهم في دوائر صنع القرار، فضلا عن انهم لا يكترثون بأن يكونوا جزءاً من المجتمع، وظلوا زهاء سنوات طوال متقوقعين على انفسهم يمتلؤون سخطاً وحقداً، فإذا سنحت الفرصة خرجوا الى الشارع، وعّبروا عن انفسهم بأعمال العنف والتخريب، انطلاقاً من عدم احترامهم للدولة او القانونquot;.

مجموعة من المهمشين والأقليات الإثنية

اما الدكتورة الاسرائيلية quot;أليشفع سيدنquot; خبير الاحتجاجات الاجتماعية في مدرسة العمل الاجتماعي والرفاه الاجتماعي في الجامعة العبرية في القدس، فتوضح في حديث للصحيفة العبرية ان الاحتجاجات في بريطانيا quot;هي احتجاجات قامت بها مجموعة من المهمشين والاقليات الاثنية، تعيش في احياء فقيرة في لندن، وتشعر هذه المجموعة بأن بريطانيا ليست دولتهم، فانتماء هذه المجموعة يقتصر على الاسرة او الطوائف الاجتماعية المحيطة بها، وليس للدولةquot;.

وتؤكد الخبيرة quot;سيدنquot; ان الصعوبة في التركيبة الاجتماعية الطبقية في بريطانيا، تحول دون تداخل او تعايش الطبقات الاجتماعية، او بعبارة أخرى يصعب على شريحة فقيرة ان تتعايش مع نظيرتها المتوسطة او الثرية والعكس صحيح، فإذا تربى شخص في بيئة فقيرة وحاول الانتقال الى بيئة مختلفة فمن الصعب ان تتقبله ابناء الطبقات الاخرى، الامر الذي يختلف تماماً في اسرائيل بحسب الخبيرة الاسرائيلية.

إذ تقول: quot;الطبقات الاجتماعية في اسرائيل ليست موجهة، ولا تدخل في تصنيفات كالتي بات عليها الحال في بريطانيا، فهناك فئات اجتماعية داخل اسرائيل ينبغي ان تعيش وفق كل المقاييس في بيئة فقيرة، غير انهم يعتبرون انفسهم جزءاً من الطبقة الوسطىquot;.

وخلصت الخبيرة الاسرائيلية الى ان هناك حقيقة في اسرائيل لا ينبغي تجاهلها، هي ان الاسرائيليين يعرفون بعضهم البعض، الامر الذي يفتقر اليه البريطانيون، لذلك كان المساس أو احراق المحال التجارية للجيران او الغير بشكل عام تشكل جريمة غير مقبولة داخل المجتمع في اسرائيل، فالاسرائيليون يعبرون في احتجاجاتهم عن رفضهم سياسات اجتماعية او اقتصادية، ويترجمون ذلك الى وقفات سلمية ترفض تجاوز القانون او التعدي على ممتلكات الاخرين.

رئيس جديد للحكومة الاسرائيلية

بعيداً عن المقارنة بين الاحتجاجات الاسرائيلية ونظيرتها البريطانية، رأت صحيفة معاريف العبرية في تقرير لها ان ورقة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو اوشكت على السقوط، على خلفية تزايد اشتعال الثورة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وعجز الاخير عن التعاطي معها.

ونقلت الصحيفة عن مراقبين في تل ابيب تقديراتهم بأنه لم يعد أمام نتانياهو سوى التوجه إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بالاستقالة، والإعلان الفوري عن إجراء انتخابات عامة في غضون 60 يوماً، واشار المراقبون الى ان تلك الانتخابات لن تتمخض حال إجرائها عن فوز نتانياهو، سيما أن حزب الليكود بات مهترئاً، ولن يفلح في ضم أي من الأحزاب الأخرى لائتلاف جديد يشكله.

فالتقديرات السياسية في إسرائيل تشير إلى أن أحزاب مثل الليكود أو كاديما وحتى العمل، أو الاستقلال الجديد الذي أعلن ايهود باراك تأسيسه لن يفلحوا في إنقاذ إسرائيل من عثرتها الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي سيعطي الفرصة لظهور حزب جديد ربما يستحوذ على أصوات الناخب الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، والحزب الجديد الذي يترقب ظهوره ثوار تل أبيب لن يكون يمينياً أو يسارياً، وإنما سينتمي إلى معسكر الوسط، وربما يقوده quot;عوفير عينيquot; رئيس منظمة العمال الإسرائيلية quot;الهستدروتquot;.

فإذا كانت مطالب المحتجين في الشوارع الإسرائيلية تتمحور حول إشكاليات اجتماعية واقتصادية، فليس ثمة شك في أن آمال حلها معلقة على زعيم جديد يعتبر تقليص الضرائب وتوفير الخبز والسكن والكهرباء أهم من بناء المستوطنات، ويؤمن بمطالب الإسرائيليين أكثر من انغماسه في تلبية مطالب اليمين للحفاظ على بنيان ائتلافه الحكومي كما هو الحال مع نتنياهو.

رغم تلك المؤشرات، إلا أن بنيامين نتانياهو لا يزال يحاول إنقاذ حكومة الليكود، معتمداً في ذلك على محافظ بنك إسرائيلquot;ستانلي فيشرquot;، إذ يرى الأخير ضرورة إزالة ضرائب القيمة الإضافية التي تبلغ 16 % لتهدئة الجماهير الثائرة في الشوارع الإسرائيلية، وضمان خروج إسرائيل من أزمة اجتماعية واقتصادية وربما أمنية حال اختلاط تلك التطورات بالإعصار السياسي الذي ينتظر إسرائيل في الشهر الجاري، حال توجه الفلسطينيين للجمعية العامة للأمم المتحدة من اجل إعلان دولتهم المستقلة.