اندلع قتال أهلي شديد استخدمت فيه كافة انواع الأسلحةبين قبيلتين في صعيد مصر، وذلك بعدما قام توك توك بالاصطدام في مدخل محل تجاري في مدينة جرجا التابعة لمحافظة سوهاج 500 كلم جنوبي القاهرة.
الخلاف بحسب شهود عيان تافه جداً |
القاهرة: رغم أن السلمية كانت السمة المميزة للثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير، واستطاعت الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك بعد حكم إمتد لنحو ثلاثين عاماً، إلا أن العنف تحول إلى السمة الأبرز في المجتمع منذ تنحي مبارك في 11 فبراير الماضي، حيث شهدت البلاد الآلاف من حوادث العنف، المئات منها كانت حوادث عنف جماعي ومفرط، بعضها إشتعل على خلفيات طائفية، لعل أشهرها حوادث: quot;أطفيحquot; الذي راح ضحيته شخصان وإصابة العشرات وهدم كنيسة، وهذا الحادث أفضى إلى مصادمات أخرى أشد عنفاً بين مسلمين ومسيحيين في منطقة الزرايب، أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص، وإصابة المئات، وحادث quot;إمبابةquot; الذي راح ضحيته 13 شخصاً وإصابة نحو 300 آخرين، إضافة إلى إحراق كنيسة. وبعضها نتيجة الخلاف على تجارة المخدرات، أو خلافات عائلية أو قبلية.
غير أن السمة الأبرز للمجتمع المصري طوال الشهرين الماضيين كان العنف الجماعي والإحتجاج بشكل عنيف، مثل قطع الطرق وخطوط السكك الحديد وإطلاق النار على أتفه الأسباب، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى بالعشرات بشكل متكرر، واقتحام أقسام الشرطة والاستيلاء على السلاح الموجود بها، وإحراقها، إما اعتراضاً على تخاذل الشرطة في نصرة المواطنين أو لتهريب مجرمين، فيما تقف الحكومة عاجزة عن احتواء الموقف، الذي يسير من سيئ إلى أسوأ.
معارك أهلية في جرجا
شهد الأسبوع الحالي حادثاً ضخماً، أشبه ما يكون بالحرب الأهلية بين قرية ومدينة، إستخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة النارية من بنادق ورشاشات آلية، وقنابل حارقة، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات، وشلل الحياة بشكل كامل في المدينة والقرية بعد إغلاق جميع المحال التجارية والمؤسسات الرسمية، ثم فرضت القوات المسلحة حظر التجول.
أما التفاصيل ـ وفقاً لشهود عيان تحدثوا إلى quot;إيلافquot; ـ فإن تلك الحرب الأهلية إندلعت لسبب تافه جداً، حيث اصطدم توك توك بـquot;فاترينةquot; متجر في مدينة جرجا التابعة لمحافظة سوهاج التي تقع على بعد 500 كيلو متر جنوبي القاهرة، ووقعت مشادة بين صاحب التوك توك الذي ينتمي إلى قرية نجع عويس، وصاحب المحل الذي ينتمي إلى مدينة جرجا، وتبادلا الشتائم، والسباب، ثم إختفى سائق التوك توك وعاد برفقة العشرات من أفراد قريته وقبيلته من أهالي نجع عويس محملين بالأسلحة النارية والبيضاء وقنابل المولوتوف، واعتدوا على صاحب المتجر، قبل أن يفر هارباً ويستدعي العشرات من أفراد عائلته، ووقعت معركة بالأسلحة النارية، وتم إحراق العشرات من المتاجر، وإصابة العشرات من المواطنين نتيجة إطلاق النار بشكل عشوائي.
وأشار شهود العيان إلى أن المئات من المتناحرين إقتحموا قسم شرطة جرجا بعد أن فرغت الذخيرة، واستولوا على السلاح والذخيرة، وأكد شهود العيان أن المعارك إستمرت لأكثر من 12 ساعة متواصلة. ورغم أن الحكومة لم تكن طرفاً في تلك المعارك إلا أن المتناحرين قطعوا خطوط السكة الحديد التي تمر بالمدينة وأوقفوا حركة القطارات لنحو سبع ساعات. ونتيجة لحالة الذعر والخوف التي سيطرت على المدينة أغلقت جميع المؤسسات الرسمية بها من جانب المسؤولين والموظفين، خلت الشوارع تماماً من المارة، باستثناء المتناحرين.
انتشار السلاح بأيدي المصريين
انتشار السلاح وغياب الأمن يؤدي لانتشار الفوضى
وحسب اللواء محمد ممدوح ضابط سابق في وزارة الداخلية فإن المعركة التي شهدتها جرجا هي الأولى من نوعها، وأضاف لquot;إيلافquot; أن انتشار السلاح بأيدي المواطنين بعد الثورة، وغياب الأمن، وخوف ضباط الشرطة من استخدام السلاح في مواجهة مثل تلك الحوادث خشية التعرض للمحاكمة على غرار ما يجري في قضية قتل الثوار وراء تفاقم الأمر.
مشيراً إلى أن القبيلة والخلافات السياسية أدت أيضاً إلى اشتعال المعركة، متوقعاً أن تشهد محافظات الصعيد معارك مماثلة في حالة عدم استتاب الأمن وعودة الحزم للشارع. وأضاف ممدوح أن غياب الشرطة والقانون بعد الثورة أدى إلى ما يشبه حالة الفوضى في البلاد.
موضحاً أن المواطنين صاروا يفضلون الحصول على حقوقهم من الخصوم بأنفسهم، لاسيما في ظل انتشار السلاح بين أيديهم، وحذر ممدوح من تحول العنف في مصر إلى عنف ممنهج، أي ظهور عصابات أو مجموعات تكون مهمتها تنفيذ أعمال عنف لصالح الغير مقابل أجر.
عنف جماعي بسبب المخدرات
لم تكن المعركة الأهلية التي شهدتها جرجا، ولم تحط أوزارها حتى الآن، هي المعركة الأولى من نوعها، بل سبقها مئات المعارك ولحق بها العشرات، لعل أشدها عنفاً، ما شهدته مدينة العبور في شمال شرق القاهرة، حيث وقعت معركة أخرى بين جماعتين في سوق المدينة التجارية التي تعتبر الأكبر في القاهرة، إستخدمت فيها الأسلحة النارية الآلية، والقنابل الحارقة وزجاجات المولوتوف العصي، وأسفرت عن سقوط قتيل ونحو 17 مصاباً، وظهر في البداية أن الخلاف كان على بضائع، لكن اتضح من خلال تحريات ومحاضر الشرطة أن الخلاف بين الجانبين كان على تجارة المخدرات.
اقتحام مقار الشرطة والإستيلاء على السلاح
العنف يزداد في أوقات الصراعات الدولية والثورات والانقلابات
تجارة المخدرات صارت التجارة الأكثر إنتعاشاً في مصر بعد الثورة، وتملكت تجار المخدرات شجاعة أو جرأة غير مسبوقة في مواجهة الشرطة، حيث اقتحم المئات منهم قسم شرطة الإسماعيلية التي تقع على بعد 150 كليو مترا شرقي القاهرة، في محاولة لتهريب بعض المجرمين المتورطين في تلك التجارة المحرمة، ووقعت معركة نارية بين هؤلاء الخارجين عن القانون وقوات من الشرطة والجيش إستمرت لنحو أربع ساعات، وأسفرت عن مقتل أحد المعتدين، وجرح نحو 7 آخرين ثلاثة منهم من الشرطة.
كانت تجارة المخدرات كلمة السر في معركة أخرى إستمرت ليومين في بين قرية كوم أشفين ونوى في محافظة القليوبية بالقرب من القاهرة، وأسفرت عن إصابة أربعة أشخاص، وإقتحام قسم شرطة قليوب والإستيلاء على الأسلحة منه وإحراقه، بدأت الخلافات بين الجانبين بالخلاف على مناطق النفوذ، وأدت إلى قيام مجموعة من قرية نوى بخطف ثلاثة أشخاص من مجموعة قرية كوم أشفين، ثم اندلعت معركة بين الجانبين بالأسلحة النارية الشوم والسكاكين، ولما استنجد أحد الطرفين بالشرطة، لم تعره أدنى اهتمام، فقامت مجموعة باقتحام القسم وأحرقته واستولت على الأسلحة منه.
إفرازات الثورة
ويعتبر اللواء عاصم رفاعي الخبير الأمني أن تلك الحوادث طبيعية إذا ما تمت قراءتها في السياق العام، وأوضح لquot;إيلافquot; أن العنف يزداد في أوقات الصراعات الدولية أو الإنقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وبصفة عامة يظهر العنف وتنتعش تجارة المخدرات وشتى الجرائم عقب التغييرات السياسية الكبرى التي تقع بشكل مفاجئ، مشيراً إلى أن الأمن عادة ما يكون في حالة ضعف وتسيطر عليه مشاعر الإنهزامية، ويخشى مواجهة الجماعات المسلحة، أو الدخول في معارك بين طرفين كبيرين، ويفضل الجلوس في مقعد المتفرجين لحين انتهاء المعركة.
غياب القانون والحزم
غير أن رفاعي يحمّل السلطات الحالية في مصر ممثلة في وزارة الداخلية والمجلس العسكري الجزء الأكبر من المسؤولية عن انتشار العنف الجماعي، لافتاً إلى أن قبضة المجلس العسكري حريرية، أو ناعمة ولا يستخدم الحزم في مواجهة حالة الإنفلات الأمني ضد الخارجين عن القانون، وانتقد إستمرار اللجوء للجلسات العرفية في حل تلك المشاكل الأمنية الكبرى، معتبراً أن المجتمع في تلك الظروف يحتاج للحزم والشدة، في مواجهة الخارجين عن القانون ورجال وضباط الشرطة المتقاعسين عن أداء واجبهم نحو حفظ الأمن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
التعليقات