منذ اندلاع الثورة الليبية ضد العقيد معمّر القذافي قبل ستة أشهر ارتبط اسمها بوزير الداخلية السابق اللواء عبد الفتاح يونس، الذي انضم منذ البداية إليها منشقاً عن القذافي الذي كان رفيقاً له طيلة فترة حكمه لـ42 عاماً، بيد أن مقتل يونس بطريقة غامضة قبل نحو شهرين شكّل منعطفاً مهماً في مسيرة الثورة التي يبدو أنها حققت مرادها.


مقتل وزير الداخلية الليبيّ السابق اللواء عبد الفتاح يونس لايزال يطرح نقاط إستفهام عدّة

الرياض: أثار التقدم السريع لثوار ليبيا الكثير من الأسئلة حول أدوار متعددة اضطلع بها الكثيرون حتى تحقق الفتح، وهرب القذافي.

هذه الروايات تتنوع ما بين من يحيلها إلى الفترة التي وفرتها الشهور الستة لتدريب وتأهيل الثوار، أو من خلال الدور الذي لعبه اغتيال القائد العسكري للثوار عبدالفتاح يونس، أو من خلال الغطاء السياسي الذي وفره المجلس الانتقالي ولعب دوراً بارزًا حتى على المستوى الإعلامي القوي.

أكثر الأشياء إثارة المرتبطة بسرعة تقدم الثوار، تكمن في اغتيال القائد العسكري للثوار اللواء عبدالفتاح يونس، ذلك لأن غموضا كبيراًلفّ قضية اغتياله، وروايات عديدة تم تداولها بشأن الحادثة، من دون أن يعلن المجلس الانتقالي عن نتائج التحقيق الذي وعد بإجرائه، وسط اتهامات للمجلس بأنه ضالع بطريقة أو بأخرى بعملية الاغتيال، إن لم يكن بالمشاركة الفعلية، فبالصمت وبحجب الحقيقة التي من المؤكد أن قادته يعلمونها جيداً.

وإذا كانت مجريات الأحداث على الأرض خلال الفترة الماضية تجعل التكهّن بالجهة الضالعة بعملية الاغتيال صعبة، فإن نجاح الثورة وتقدمها بشكل مذهل منذ اغتيال يونس، قد يجعل الفكرة أكثر أثارة، بانتظار ما تخبئه الأيام المقبلة بشأن هذه القضية التي ستعود حتماً إلى الواجهة بعد نجاح الثورة الليبية.

ثمة احتمال يردده البعض وبقوة الآن، ومفاده أن يونس اصطدم منذ بداية توليه الإشراف على جيش الثوار ببعض الأفكار والأشخاص الذين يختلفون معه فكرياً، وعارض الرجل quot;أسلمة الثورةquot; وانضمام الكثير من الجماعات الإسلامية إليها، وهو أمر فشل في تحقيقه، ولم يجد من يدعمه في هذه الاتجاه، خصوصاً رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل المعروف بتوجهاته الإسلامية quot;المعتدلةquot;.

بالتوازي مع هذا الاختلاف كانت الأمور على الأرض تتغير والقذافي يحقق بعض المكاسب والتعاطف وإن كانت طفيفة، بفعل أخطاء قوات حلف الناتو التي قتلت الكثير من المدنيين في طرابلس من دون أي مبرر، بينما تزيد الشكوك في الشارع ولدى المراقبين في نوايا الناتو الذي كان يعمل على إطالة أمد الحرب حسبما نقل عن يونس.

هذه المعطيات دفعت يونس ndash; بحسب هذه الرواية ndash; للعودة إلى العمل مع القذافي سراً، وهو أمر اكتشفه الثوار سريعاً، وطُلب يونس للتحقيق في بنغازي، بينما كان يوجد في البريقة، وتم تصفيته مع اثنين من مرافقيه وحرق جثثهم، وخرج حينما مصطفى عبد الجليل معلناً نبأ quot;مقتلquot; يونس من دون أن يقول إنه استشهد، كما دأب أن يقول عن غيره من عناصر الثوار، وأكد أنه تم فتح تحقيق في الحادث وستعلن النتائج على الملأ قريباً، بيد أن شيئاً لم يُذكر حتى الآن.

أما الرواية الثانية التي يتم تداولها حالياً، فتؤكد أن يونس قتل عمداً على يد شبان إسلاميين من الثوار، تعرضوا وذويهم للتعذيب على يديه حينما كان وزيراً لداخلية القذافي، أي إنه قتل بدافع الثأر فقط ومن دون أي تخطيط مع جهات رسمية، سواء من المعارضة أو الحكومة الليبية.

وفيما لو صحّت هذه الرواية، فإن ذلك يقود إلى تساؤل حول خروج الوضع عن سيطرة المجلس الانتقالي، إذ إن مقتل قائد كبير بحجم يونس في ذروة الثورة وفي ظل الحاجة الماسة لخبراته يعني انفلات الأمور، وأن المقبل قد يكون أسوأ الآن، وقد نجحت الثورة، وأصبحت ليبيا بكاملها في قبضة الثوار.

القذافي ولّى وليبيا حرّة

لعل ما يدعم هذه الرواية تهديد مصطفى عبد الجليل قبل يومين بالاستقالة من رئاسة المجلس الانتقالي في حال واصل المتطرفون الإسلاميون الخروج عن إمرته، معترفاً للمرة الأولى بأن الكثير من المتطرفين يوجدون بين الثوار، ويريدون أن يسود منطق الانتقام.

لم يعد خافياً على أحد أن الكثير من رموز التيارات الإسلامية الليبية انخرطت في الثورة، ووصل الأمر إلى أن أُسند إلى عبد الحكيم بلحاج إمرة لواء طرابلس من قبل الثوار، علماً أنه كان في وقت سابق أميراً في الجماعة الإسلامية المقاتلة، التي تصنّف على أنها متطرفة، وقد كان الرجل معتقلاً لدى القذافي قبل أن يفرج عنه في مارس/آذار من العام الماضي، ويُعرف في أوساط التيارات الإسلامية باسم quot;أبي عبد الله الصادقquot;.

أما من يجنحون إلى أن الوقت كان هو الحاسم في معركة الثوار والقذافي، فإنهم يحيلون ذلك إلى أن الأمر كان يتطلب فعلاً زمناً وتأهيلاً مناسباً يمكّن الثوار من القيام بالمهمة على النحو الذي حدث.

من ذلك ما قاله الخبير العسكري الكويتي فهد الشليمي خلال حديث مع quot;إيلافquot;، إذ أكد الشليمي أن عوامل أساسية كثيرة ساهمت في السرعة التي تقدم بها الثوار خلال الفترة الأخيرة، وأجملها الشليمي في نقاط عدة.

يقول الشليمي quot;إن تنقل المدني إلى عسكري محترف، فذلك يتطلب وقتاً يمكن فيه تهيئة كل الظروف المناسبة لذلكquot;، وأضاف quot;لقد عانى الثوار في البداية هزائم كبيرة، بسبب أنه لم تكن لديهم قيادة موحدة، ولكنهم مع الوقت والخبرة استطاعوا تهيئة كل الظروف لخلق عسكريين شبه محترفين، واتضحت ملامح انضباطهم بعد دخولهم طرابلس من حيث معاملة الأسرى مثلاً، وهو الأمر الذي أصبح بمثابة جيش شبه نظاميquot;.

وأوضح الشليمي quot;ولا يمكن في هذا الصدد تجاهل الدور الكبير الذي قام به حلف الناتو، سواء من خلال الغطاء الجوي الكثيف، وتأمين السماء للثوار، او من خلال قصف مواقع وثكنات كتائب القذافي المتمركزة خارج المدن الرئيية، أو من خلال تدريب وتأهيل الثوارquot;، وبحسب الشليمي أيضاً فإن هناك دورًا شبه واضح لبريطانيا وفرنسا في تأهيل المتطوعين، ما جعلهم قادرين على تنفيذ عملية معقدة عسكرياً، وهي الإنزال البحري في شمال العاصمة طرابلس.

أما عن دور الغطاء السياسي الذي وفره المجلس الانتقالي بقيادة القاضي ووزير العدل السابق مصطفى عبدالجليل، فيرى المراقبون أن عبدالجليل الذي كان لاعب كرة سابق قد استطاع ببراعة أن ينتزع الكثير من الدعم طوال مرحلة الثورة، وخصوصاً في أيامها الأخيرة.

يستدلون على ذلك بديموقراطيته الكبيرة في توزيع المناصب والأسماء والشخصيات التي تتوزع بين كل الأطياف الفكرية والقبلية تقريباً في ليبيا.

مدّ عبدالجليل خيطاً رفيعاً مع كل الأنظمة الفاعلة في الأزمة الليبية، سواء من حيث الدعم العسكري أو المالي، كما هو الحال مع دول حلف الأطلسي أو دول الخليج العربي والجارتين المهمتين مصر و تونس.

أثمر ذلك عن إنشاء مجموعة الاتصال التي تموّل غالبية عمل المجلس، وتضم المجموعة دولاً عربية وأوروبية، وقالت وزارة الخارجية الأميركية الأثنين إن الوزيرة هيلاري كلينتون واعضاء الائتلاف الدولي المعني بليبيا اتفقوا يوم الاثنين على عقد اجتماع لدبلوماسيين كبار يمثلون دولهم في اسطنبول لمناقشة الخطوات التالية بالنسبة الى ليبيا.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند ان كلينتون تحدثت هاتفيًا مع اعضاء quot;مجموعة الاتصالquot; بشأن ليبيا، وعبّرت عن تأييدها القوي للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يخطط مسارًا لانتقال ديمقراطي في ليبيا.

وقالت نولاند quot;الخطة هي أن يجتمع المديرون السياسيون يوم الخميسquot;، مضيفة ان اجتماع اسطنبول سيسمح للائتلاف الدولي بمناقشة اشكال المساعدة التي يمكن تقديمها للمعارضة الليبية.