يرفض البدو في العراق الذي يقدر عددهم بنحو 100 الف نسمة،التسجيل في الدوائر الرسمية،ويتمتعون بالعديد من المزايا، منها أن يرفضون العمل في تهريب الأسلحة المستخدمة في عمليات القتل والإرهاب ويعتبرونهذا الفعل عملاً غير شرعي يستوجب الطرد من القوم.


النجف: لا يخترق صمت المكان في البادية جنوب مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) باتجاه ناحية القادسية وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، سوى حركة الجمال والخيول المتناغمة مع رمال الصحراء.

وفي تلك الصحراء الممتدة إلى أعماق الحدود لا تلمح عينك سوى الخيام وقوافل البدو ومراعيهم وماشيتهم من أغنام و جمال وخيول الفت المكان وسبرت أغواره، حتى صارت بمثابة الدليل للبدوي.

ويتحدث أبو سعيد بمرارة عن بيئة قاسية لم تعد كما خلقها الله، بسبب جور الإنسان والمناخ عليها، فلم تعد ثمة مراع خضراء يتنقلون بينها بسبب شحة الأمطار، ولم يعد سوى نبات العاقول، والصبار، والمياه الجوفية المالحة في بعضها، المصدر الوحيد لإنقاذ الجمال والماشية من الموت عطشا أو جوعا، ولعل هذا احد أسباب لجوء بعض البدو إلى تهريب الماشية والأسلحة عبر الحدود بين العراق والدول المجاورة.

وتمتاز الصحراء في العراق على أنها بيئة قاسية الملامح يقاومها البدوي بسلاح الصبر والخبرة المتراكمة. وبحسب الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط العراقية فان عدد البدو الموجودين في العراق يصل عددهم إلى 100 ألف نسمة، موزعين على ست محافظات بحسب تخمينات الجهاز في 2010.

رمضان عند البدو

وفي النجف الواقعة على حافة الصحراء عند أقصى الطرف الجنوبي الغربي للسهل، وفي طرف الصحراء من الجهة الغربية لنهر الفرات تمتد مساحات شاسعة بين الهضبة الغربية والجزيرة العربية حيث يسود مناخ صحراوي يتميز بأنه حار جاف صيفا وبارد شتاء والاختلاف الكبير.

يصف أبو كميل الخزاعي الذي يرجع اصل قبيلته إلى خزاعة في الجزيرة العربية كيف يصوم البدو شهر رمضان، في بيوت الشعر والمراعي وهم يبحثون عن الماء والكلأ.

ويقول: quot;في اغلب الأحيان افطر بالتمر ولبن الإبل وأنا في البرية، حيث يعد ذلك إفطارا شهيا وكافيا يسد به رمقه، لتعوّد جسمه على الأعمال الشاقة والصبر على الجوع والعطش لساعات طويلةquot;.

ويغرس ابو كميل العصا بشكل عمودي ايمنا حل، لأنها تمثل ساعة الوقت بالنسبة له، حيث يحدد الوقت بحسب مقدار ظل العصا الذي يتغير بتغير حركة الشمس.

ويحدد البدو خزاعة بحسب أبو كميل، مواقيت الفطور والسحور ومواقيت الأذان عبر طلوع الفجر وغروب الشمس، فهم يمسكون في الفجر مع الشفق الأول، ويفطرون مع اختفاء غسق الشمس وقت الغروب.

ويضيف: quot;صلاة الظهر تكون بتعامد الشمس على الأرض حين ينحسر ظل الإنسان تماما، أما إذا أصبح طول الظل وطول الجسم متعامدين ومتساويين فهو موعد آذان العصر، ويكون العشاء في الربع الأول من الليلquot;. ويصف الخزاعي اللبن وكذلك اللحوم والثريد والرز والسمن والتمور بأنها من الوجبات المهمة في رمضان والتي يحرص البدوي على توفرها.

صراع مع السلطات

وعبر عقود الزمن دخل بدو العراق في صراع مع السلطات، فبينما تتهمهم الحكومات المتعاقبة بأنهم سبب في الفوضى الامنية وعمليات التهريب عبر الحدود، وإيواء الخارجين على القانون، فان البدو يرون أن الحكومات دأبت على إطلاق وعود انجازات لم يتحقق منها أي شيء، ولعل هذا أحد أسباب عدم ثقتهم بوعود السلطات.

وحاولت السلطات في تسعينات القرن الماضي توطين البدو في الصحراء الغربية في المناطق الممتدة بين مدينتي النجف و كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد)، حيث تم توزيع أراض عليهم بالمجان، لكن المشروع باء بالفشل، بسبب تعوّد البدو على التنقل المستمر كما أن الحاجة المالية دفعت الكثير منهم الى بيع تلك الأراضي التي يتطلب تأهيلها للزراعة مبالغا كبيرة لا يقوى البدوي عليها.

وبحسب ابو رفاعة ( 70 سنة )، فان اغلب الالتزامات بين السلطات والبدو فشلت لان السلطات تفرض على البدو قوانين وشروط لا يستطيعون الالتزام بها لكونهم قوم رحل وراء الماء والكلأ في حين ان السلطات تشترط امورا من مثل إحصائيات سكانية للبدو، كما تشترط حوزتهم على أوراق رسمية تحدد الهوية وهذا ما لا يتوفر لدى جميع البدو حيث يعدونها تقييدا لحريتهم او مصيدة للإيقاع بهم بغية إجبارهم على تنفيذ التزامات معينة اتجاه الدولة من مثل الخدمة العسكرية.

ويؤكد ابو رفاعة ذلك بالقول: quot;الكثير من البدو لا يعملون ذلك لعدم حاجتهم إليها، كما انهم لم يتلقوا أي مساعدات او امتيازات من الدولة تشجعهم على تسجيل أنفسهم في دوائر النفوسquot;.

ويضيف: quot;على العكس من ذلك، ففي أبان الحرب العراقية الإيرانية يتهرب البدوي من تسجيل نفسه في دوائر النفوس لخوفه من الانخراط في الخدمة العسكرية الإلزامية. ويتابع : السلطات السابقة كانت تتهمنا بالتهرب من المشاركة في الدفاع عن العراق، وبعد العام 2003 ألصقت بنا السلطات تهمة إيوائنا الجماعات المسلحة التي تعبر الحدودquot;.

ويؤكد: quot;على العكس من ذلك فان أفراد الجماعات المسلحة يتجنبون الاحتكاك بالبدو ويبتعدون عنهم قدر الامكان خوفا من افتضاح أمرهم، ولان البدوي يأنف التعامل مع الخارجين على القانونquot;.

التهريب

ومن الاتهامات التي توجه للبدو القاطنين في بادية النجف والرمادي (110 كم غربي بغداد)، تهريبهم للماشية إلى الدول المجاورة. لكن ابو رفاعة يقول إن البدو لا يفعلون ذلك، بل أن الذي يفعله أهل المدن الذين يأتون بسياراتهم وخيامهم مع البضاعة المهربة ويعسكرون عدة أيام على الحدود السعودية والأردنية حيث يتعاملون مع شبكات تهريب داخل الدول المجاورة. وتعيش أعداد كبيرة من البدو في في الصحراء الواسعة التي تمتد من النجف باتجاه الحدود العراقية - الأردنية - السورية حيث محافظة الأنبار.

الماشية والأسلحة

اما وضاح جايش الذي يسكن مدينة شبجة في صحراء النجف فيتحدث عن ذكرياته وهو الآن في الخامسة والستين من العمر بالقول إن قومه كانوا يجوبون الصحراء من كربلاء الى الرمادي باتجاه سنجار و تلعفر ( مدن في شمال العراق) بحثا عن العشب والماء.

ويضيف: quot;التهريب صار من مهن الكثير من البدو، وليس في هذا عيبا، لأنه بحسب كثيرين من أبناء البادية، صار (مهنة) تتطلب الفروسية والشجاعةquot;. ويضيف: quot;في حياتي دخلت مهربا إلى السعودية أكثر من خمس مرات، حيث هربنا وقتها الماشية والأسلحةquot;.

لكن جايش يؤكد أن البدوي يأبى تهريب الأسلحة تستخدم في أعمال القتل والإرهاب. ويؤكد من ما يهربه البدو هو بنادق الصيد والمسدسات للاستعمال الشخصي. ويقول إن البدوي يأبى ايضا بسبب قيمه البدوية العمل في تهريب المخدرات، وإذا اكتشف قومه ذلك يطردونه على الفور.

تأهيل مناطق البدو

لكن ابو صايل الذي التقيناه وهو يستقل سيارة (البكيب) عائدًا من مدينة النجف وبحوزته مئونة غذائية خاصة لشهر رمضان يشير إلى أن هناك من يقوم بعمليات تهريب فعلاً، لكن هؤلاء في الغالب بعيدين عن اعين كبار رجال القبيلة الذي يرفضون من مثل هذه الأعمال ويتعبونها عارا وأعمالا مشينة تلحق الضرر بسمعة القبيلة.

ويتابع إذا كانت السلطات بعددها وعديدها لا تستطيع لجم هؤلاء المهربين فكيف يستطيع البدو ذلك؟ ويقترح أبو صايل تأهيل مناطق البدو والمساعدة في توطينهم وتقديم الامتيازات لهم لكي يستطيعون مسك ارض التي يعيشون فوقها وتطويرها وتأهيلها لتتحول الى واحات ومناطق زراعية ورعوية تعود بالنفع الى الاقتصاد.

ويتحدث أبو صايل عن الكثير من الحالات التي نجح فيها البدو من طرد الجماعات المسلحة بعد عام 2003. ويقول في عام 2005 حصل اشتباك بين قبيلة بني مالك في صحراء النجف وعدد من المسلحين مما أدى إلى مقتل احد البدو.

مهربو آثار

ويتحدث أبو صايل كيف استطاعت مجموعة من البدو من الإمساك بمهربي آثار كانوا في طريقهم إلى محافظة الرمادي عبر مسالك صحراوية حيث عثر بحوزتهم على مجموعة آثار وتم تسليمهم الى الجهات المختصة.

ويقف الملازم الأول حسين زكي من مديرية شرطة النجف على الضد مما صرح به أبو صايل حيث يؤكد ان الأحداث اليومية والوقائع على الأرض تؤكد ضلوع الكثير من جماعات البدو في في تهريب الماشية الى الدول المجاورة لاسيما السعودية .
ويتابع: quot;تشير الوقائع الى ان الكثير من المهربين والجماعات المسلحة في الأعوام الأربعة الأولى وفروا مأوى لجماعات مسلحة وخارجين على القانون مستفيدين من البيئة القاسية وصعوبة وصل السلطات إلى عمق الصحراء، إضافة إلى أنهم استفادوا من تعدد مسالك الصحراء التي لا يعرفها إلا البدوquot;.

وتعد صحراء النخيب من أكثر الصحارى قسوة في ظروفها وتمتد الى الربع الخالي داخل الأراضي السعودية، وتتميز ببدوها الرحل الذي يتنقلون عبر الحدود من دولة إلى أخرى، حتى يصبح اكتشاف حقيقة هويتهم أمرا صعباً.