ظهرت بوادر خلافات بين المجلس الانتقالي الليبي والمحكمة الجنائية حول أحقية محاكمة العقيد معمر القذافي ونجله سيف الاسلام ورئيس جهاز مخابراته عبد الله السنوسي. واعتبر خبراء مصريونان المحاكمة من حق ليبيا انطلاقاً من قاعدة إقليمية القانون التي تفيدبأن القانون الدولي مكمل للقانون الوطني ولا يتعداه.

خبراء يرون لليبيا الأحقية بمحاكمة القذافي ونجله ورموز نظامه

القاهرة: قال خبراء قانون إن من حق ليبيا محاكمة القذافي ونجله سيف الاسلام ورئيس مخابراته عبد الله السنوسي، وليس من حق المحكمة الجنائية الدولية المطالبة بتسليمهم عملاً بمبدأ quot;إقليمية القانونquot;، كما أن القانون الدولي مكمل للقانون الوطني ولا يتعداه. وتوقع الخبراء الذين تحدثت quot;إيلافquot; إليهم إجراء محاكمة عادلة لرموز نظام القذافي أمام القضاء الطبيعي وعدم لجوء المجلس الإنتقالي الليبي للإنتقام وتنفيذ إعدامات بدون أحكام قضائية. وأكدوا أن المنشقين عن نظام القذافي والمنضمين للثورة هم جزء منها وسبب مباشر في نجاحها، ولا يستقيم تقديمهم للمحاكمة.

فيما لا يزال العقيد معمر القذافي الذي فر هارباً من معقله في باب العزيزية يوم 22 أغسطس الجاري، يطلق تسجيلات صوتية، يدعو فيها أنصاره للقتال وإستعادة العاصمة طرابلس من أيدي الثوار، بدأ الحديث عن إجرءات محاكمته هو ورموز نظام حكمه وأبنائه بتهم عديدة منها إرتكاب جرائم قتل وإبادة جماعية وفساد مالي وسياسي. وظهرت بوادر خلاف بين السلطات الليبية الثورية متمثلة في المجلس الوطني الإنتقالي والمحكمة الجنائية الدولية حول أحقية كليهما في محاكمة القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس جهاز مخابراته عبد الله السنوسي، لاسيما أن الرجال الثلاثة صدرت بحقهم مذكرة إعتقال من المحكمة الدولية بتهم إرتكاب جرائم ضد الإنسانية.

20 ألف قتيل

وحسب تصريحات صحافية للمستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي فإن 20 ألف شخص لقوا حتفهم منذ اندلاع الإحتجاجات ضد نظام حكم القذافي بتاريخ 17 فبراير الماضي، وحتى سقوط العاصمة طرابلس في أيدي الثوار في 12 أغسطس الجاري. ووفقاً لتقارير صحافية فإن ثلاثة آلاف شخص قتلوا خلال الشهر الأول من عمر الثورة، نتيجة قصف كتائب القذافي للمحتجين السلميين بالدبابات والطائرات.

الإعدام بإنتظار القذافي

ووفقاً لخبير القانون الجنائي المستشار بهاء أبو شقة نائب رئيس حزب الوفد المصريفإن ما تم إرتكابه حتى الآن في ليبيا من قبل نظام حكم القذافي يندرج تحت جرائم الإبادة الجماعية حسب القانون الدولي. وقال أبو شقة لـquot;إيلافquot; إن القذافي وإبنه سيف الاسلاموقواته العسكرية التي قاتلت ومازالت تقاتل معه قصفت مبانٍ سكنية وتجمعات بشرية سلمية كانت تحتج على نظام حكمه، مشيراً إلى أنها جرائم ينظر إليها القانون الدولي على أنها جرائم ضد الإنسانية، ولذلك صدرت مذكرة إعتقال بحقه وهو ونجله ومدير مخابراته عبد الله السنوسي.

وفيما يخص توصيف القانون الليبي لجرائم القذافي ورموز نظام حكمه، أوضح أبوشقة أن جميع التشريعات الوطنية تعتبر أن الإفراط في القتل هو جرائم ضد الإنسانية، مشيراً إلى أن القانون الليبي يعاقب على ارتكاب جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد بالإعدام شنقاً، مؤكداً أن تلك العقوبة يواجهها القذافي وجميع المتورطين في جرائم قتل الثوار والمواطنين العزل الذين ماتوا جراء القصف لمنازلهم أثناء تواجدهم في تظاهرات ضده.

وأشار أبو شقة إلى أن القذافي وحده دون أبنائه ورموز نظام حكمه يواجه تهمة الخيانة العظمى، موضحاً أن القذافي وفقاً للقانون الليبي والتشريعات الدولية ارتكب جريمة الخيانة العظمى بتعمده إستخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وطائرات في قتل المواطنين العزل، حيث خان الثقة التي وضعها شعبه في شخصه بألا يتم توجيه تلك الأسلحة إلا إلى صدور الأعداء، فضلاً على التفريط في مقدرات وثروات الوطن وتسخيرها لخدمة مصالحه الخاصة. مؤكداً أن الإعدام هي عقوبة جريمة الخيانة العظمى أيضاً.

ليبيا أحق بمحاكمة القذافي من الجنائية الدولية

وعن الخلاف بين المحكمة الجنائية الدولية والمجلس الوطني الليبي الحاكم حول الأحقية بمحاكمة القذافي، قال أبوشقة إن الشعب الليبي صاحب الحق الأصيل في محاكمة القذافي ونجله ورئيس جهاز المخابرات عبدالله السنوسي، وفقاً لقاعدة quot;إقليمية القانونquot;، أي أن القانون الدولي جزء مكمل للقانون الوطني، ولا يتعداه، والأولى أن يحاكم القذافي وأي حاكم آخر أمام محاكم دولته، فإذا وجدت المحكمة الجنائية الدولية إنحرافاً في المحاكمة عن العدالة او أن هناك إنتقاص من حقه في الدفاع عن نفسه يكون لها الحق في المطالبة بتسليمه إليها ومحاكمته. ومن هذا المنطق يكون لليبيا الحق في محاكمة القذافي ونجله وصهره السنوسي.

لا محاكم إستثنائية

وفيما يخص توقعاته للمحاكمة، قال أبوشقة إن هناك بوادر تدل على أن الثورة الليبية لن تنشىء محاكم إستثنائية للقذافي ورموز نظام حكمه، مشيراً إلى أن تصريحات رئيس المجلس الوطني الإنتقالي تؤكد أنه سوف يحاكم هؤلاء أمام القانون، كما دعا الثوار إلى عدم الإنتقام والقتل وتسليم رموز النظام أو المتورطين في جرائم قتل أو فساد للمجلس لمحاكمتهم. وعلى الصعيد السياسي توقع أبوشقة نائب رئيس حزب الوفد المصريأن تكون ليبيا ما بعد القذافي دولة ديمقراطية يسودها العدل والقانون.

لا قرار بإعتقال القذافي أو نجله أو السنوسي

وفجّر المحامي والناشط الحقوقي المصري شريف الهلالي مفاجأة بالقول إنه لا يوجد قرار من المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال القذافي ونجله سيف وعبد الله السنوسي، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن المحكمة الدولية أعدت لائحة الإتهام، لكنها لم تصدر مذكرة اعتقال، وإنما ما حدث كان في إطار الضغوط على القذافي.

ويرجع الهلالي ذلك إلى أن المحكمة لم تستطع توثيق الجرائم نظراً للقتال بين القذافي والثوار، واعتمدت على روايات بعض الشهود والتقارير الإعلامية، متوقعاً أن يصدر قرارها بعد زيارة لجان من المحكمة ليبيا بعد إنهيار حكم القذافي.

وأكد أن القانون الدولي مكملاً للقانون الوطني، ولا يجبه أبداً، ضارباً مثلاً بما حدث في السودان، وقال إن المحكمة الجنائية الدولية بعد أن وثقت جرائم النظام السوداني وميلشيات الجانجاويد ضد المواطنين العزل في دار فور طلبت من القضاء السوداني القبض عليه و محاكمته، ومنحته فرصة تلو الأخرى، لكن دون جدوى فأصدرت مذكرة إعتقال ضد المهتمين وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير.

إتجاهان للمحاكمة

و فيما يخص توقعاته لمحاكمة القذافي ورموز نظام حكمه، قال الهلالي إن هناك إتجاهين لا ثالث لهما يمكن أن تسلكهما الثورة الليبية، الأول: يتمثل في إقامة محاكمات خاصة وإستثنائية بموجب قرار من المجلس الوطني الإنتقالي، وعادةً ما تكون محاكم ثورية أو عسكرية يمثل أمام القذافي ورموز نظامه، وتصدر الأحكام خلال أيام قليلة أو ساعات كما حدث في رومانيا أثناء محاكمة شاوسيسكو حيث جرت محاكمة وإعدامه خلال ساعتين. ولفت إلى أن غالبية الثورات إتخدت هذا المسلك، لكن تلك المحاكمات لا تتوافر فيها أدنى درجات العدالة وتتسم بروح الإنتقامية.

أما الإتجاه الآخر الذي يمكن أن تسلكه الثورة الليبية في محاكمة القذافي ورموز نظام حكمه، فتتمثل في السير حسب القضاء العادي سيراً على نهج الثورة المصرية، حيث تجري محاكمة مبارك نجليه ورموز نظامه البائد أمام القضاء الطبيعي بدون اللجوء للمحاكمات العسكرية أو المحاكم الإستثنائية، لافتاً إلى أن هذا المسلك يسمح للسلطات بتشكيل محاكمة خاصة وليست إستثنائية، مثل تخصيص دوائر معينة للمحاكمات كما يحدث في محاكمة مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من قياداة وزارته، وإنشاء هيئات حكومية للتحقيق وتقصي الحقائق، وإثبات الأدلة والقرائن وتحقيقها. بحيث تكون المحاكمات سريعة وتحافظ على العدالة وتمنح المتهمين الفرصة الكافية للدفاع عن أنفسهم. وهو المسلك يعرف في القانون الدولي باسم quot;العدالة الإنتقاليةquot;.

وتوقع الهلالي أن يحذو المجلس الإنتقالي الليبي حذو الثورة المصرية في تطبيق القانون الطبيعي على القذافي ورموز نظام حكمه، حيث تشي تصريحات مسؤوليه بأنهم يسعون لإقامة نظام يحقق العدالة والدمقراطية في البلاد.

المنشقون عن القذافي سبب نجاح الثورة

وحول الموقف من رموز نظام حكم القذافي الذين إنشقوا عنه وإنضموا للثوار، رغمارتكابهم جرائم ضد الشعب الليبي منها الفساد، قال الهلالي إن القانون لا يعرف الإستثناءات، فإذا كانوا ممن تلوثت أيديهم بالدماء أو تورطوا في جرائم نهب للمال العام يجب محاكمتهم، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن quot;الأعمال بخواتيمهاquot;، فإذا كان هؤلاء تطهروا من تلقاء أنفسهم ورفضوا قتل المدنيين وغامروا بحياتهم ومستقبلهم وإنضموا للثورة فمن حقهم العفو عنهم. متوقعاً ألا يحاكم هؤلاء فقد كانوا سبباً في نجاح الثورة، لاسيما المقربين من القذافي وقادة الكتائب والألوية العسكرية التي إنقلبت عليه وإنضموا لصفوف الثوار.

المجلس الإنتقالي سيد قراره

الثورة الليبية سيدة قرارها الآن فيما يخص محاكمة القذافي وأبنائه ورموز نظام حكمه، هكذا رأي أبو العز الحريري عضو مجلس أمناء الثورة المصرية، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن المجلس الوطني الإنتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل قاد الثورة منذ إنطلاقتها الأولى في 17 فبراير، وهو من سيدير البلاد في المرحلة الإنتقالية، ويمكن إقامة محاكم خاصة أو إستثنائية لرموز نظام القذافي، مشيراً إلى أن حال الثورة الليبية أفضل من المصرية في هذا الشأن، وقال إن الثورة المصرية كانت ثورة شعبية أزاحت نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، ولكنها لم تتول الحكم، آلت السلطة للمجلس العسكري، وبالتالي كان على الشعب أن يقوم بالتظاهر أو الحشد لمليونيات لتحقيق مطالب الثورة واحداً تلو الآخر، بدءاً من تطهير المؤسسات الحكومية من رموز الحزب الوطني وإقالة حكومة أحمد شفيق ومحاكمة مبارك ونجليه علاء وجمال، وعلانية المحاكمات، وإصدار قانون الغدر.

وأضاف الحريري أن المجلس الوطني الإنتقالي إختار الإنحياز للقانون وقرر أن تتم محاكمة القذافي ورموز نظام حكمه أمام القضاء، حيث لم تصدر قرارات بإعدام أي منهم حتى الآن رغم إعتقال بعضهم أثناء المعارك طوال الستة أشهر الماضية. وتوقع أن تكون محاكمة القذافي سريعة نظراً لتوافر الأدلة والشهود على ارتكاب جرائم قتل جماعي وجرائم ضد الإنسانية

حرب أهلية

واعتبر أن أركان نظام القذافي الذين إنشقوا عنه وإنضموا للثورة جزء منها وشريك فيها، وساهموا في إنتصارها مثل قادة القوات الجوية وقادة القوات البحرية والكثير من قادة الكتائب الذين إنضموا للثورة. وأوضح انه وليس من الوارد محاكمتهم على جرائم فساد أو ما شابه ذلك، لاسيما أن الإقدام على تلك الخطوة من شأنه بذر الإنشقاق في صفوف المجلس الإنتقالي والتهديد بإندلاع حرب أهلية لأن هؤلاء لديهم أنصار ومعهم أسلحة.