مبنى المفاعل مثار الجدل

يعتبر مفاعل بوشهر النووي الإيراني من أكثر الاماكن سرية في العالم، فهذا المكان تتجه العيون إليه بشكل مستمر لما يثيره من مخاوف وريبة حول النوايا من إقامته، ففي وقت تقول طهران أن هدفها سلمي ترى الدول الغربية أنه مطامح إيران تصل إلى أبعد من ذلك.

وقد نشرت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; تقريراً يتناول بداية إنشاء مفاعل بوشهر، وطموحات إيران بامتلاك الطاقة النووية، ومما جاء في هذا التقرير أن هذا المفاعل واحداً من قصص الطموح والحماقة على حد سواء، في دولة نجت أحلامها بحيازة الطاقة النووية من ثورة أسقطت شاه إيران، وحرب عرقلت الجهود في هذا السياق، والحماس الديني في حين آخر.

لكن إيران ليست وحدها المذنبة بارتكاب الحماقة في الطموح، فأعداء هذه الدولة كثر، من بينهم الولايات المتحدة وإسرائيل وجيرانها السنة، الذين أدت معارضتهم لفكرة ايران النووية إلى خلق ظروف تتطلب من طهران تسخير الذرة لفعل الخير، مهما كانت العواقب.

تعود قصة بوشهر إلى عقود طويلة قبل عهد الرئيس محمود احمدي نجاد وآيات الله، وبدأت أثناء حكم الشاه المصاب بجنون العظمة الذي قرر بين ليلة وضحاها أن البلاد بحاجة الى الطاقة النووية للتحضر لحياة ما بعد النفط.

اعتاد الشاه أن يقول: quot;النفط مادة نبيلة وينبغي عدم إضاعتهاquot;، فبالنسبة له، كانت التكنولوجيا النووية شرطاً لا غنى عنه للحداثة، كما انها ترمز إلى قوة ايران وهيبتها.

في ذلك الوقت ، كانت الولايات المتحدة لا تزال تعاني من تجارب الهند النووية الأولى، واعتبرت أن نوايا الشاه بامتلاك الطاقة النووية مشبوهة. وامتنعت واشنطن عن الدخول في البازار النووي الإيراني المربح، لكن ألمانيا تدخلت وتعاقدت مع إيران لبناء مفاعلين بقوة 1200 ميغاواط في بوشهر، المدينة التي تقع على طول الساحل بالقرب من مدينة شيراز. ونصّ العقد على إنهاء المفاعلات بقيمة 4.3 مليار دولار.

بدأ البناء في عام 1975، وتم تعيين تاريخ الانتهاء لسنة 1981. ولكن ثبت أن التقدير لم يكن دقيقاً وبفارق ما لا يقل عن ثلاثة عقود. ففي عام 1978، وصلت المفاعل إلى 85% من مرحلة الانتهاء، لكن إيران بدأت بالانزلاق في الفوضى الثورية، التي أسفرت عن سقوط النظام الملكي والبرنامج النووي على حد سواء.

وردا على فشل ايران في غارة سبتمبر 1980 على مفاعل أوزيراك في العراق، هاجم العراق محطة بوشهر الإيرانية سبع مرات بين عامي 1984 و1988.

وفي الوقت الذي توقف فيه القتال في أغسطس 1988 ، كان المفاعل في حال يرثى له، وأشارت التقديرات إلى أن الإصلاحات التي ستنفذها الشركات الأوروبية ستتكلف ما بين 2.9 مليار دولار و 4.6 بليون دولار.

طرقت ايران أبواباً كثيرة للبحث عن شريك لاستكمال مشروع بوشهر، حتى وافقت روسيا أخيرا على القيام بالمهمة في عام 1992. وكان دافع موسكو لدخول السوق الإيرانية قبل كل شيء هو انقاذ الصناعة النووية من الإفلاس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

على الرغم من ذلك، بقي مشروع مفاعل بوشهر النووي حلماً لم يتحقق لمدة عشر سنوات أخرى، بسبب سوء الإدارة المالية، وضغط الولايات المتحدة، والخلل في الإمدادات والمشاكل التقنية.

وعندما بدأت الأمور تتجه نحو التحسن، تعرض مفاعل بوشهر في تموز 2010 إلى أضرار بسبب هجوم إلكتروني من قبلquot;ستاكسنتquot;- فيروس كمبيوتر متطور - هدف إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم في المنشأة النووية الايرانية الأخرى في ناتانز.

وعلى الرغم من أنه لم يتم التأكد من مصدر الفيروس بشكل قاطع، إلا أن الشكوك تمحورت حول اسرائيل والولايات المتحدة. وتبعت ذلك العديد من الأحداث الغامضة: في تموز، قتل خمسة من العلماء النوويين الروس الذين ساعدوا في بناء محطة بوشهر في حادث تحطم طائرة. وبعد شهر، اغتيل عالم نووي إيراني في طهران من قبل رجال مجهولين على دراجة نارية. ومن المرجح أن تكون الاضطرابات الماضية في مفاعل بوشهر مستمرة، وقد ترافقه في المستقبل.

وعلى الرغم من عدم خبرتها في تشغيل المفاعلات النووية، تصر إيران على تولي إدارة المفاعل من روسيا بعد عام واحد فقط من تفعيله. إن عدم وجود جهات تنظيم مستقلة، والنقص في المشغلين ذوي الخبرة العالية، ورفض إيران التصديق على الاتفاقيات الدولية بشأن السلامة النووية يجعل بوشهر عرضة لحدوث كارثة نووية.