قدّمت تركيا رؤيةً لإعادة ترتيب الشرق الأوسط، بعد تداعي تحالفاتها السابقة مع سوريا وإسرائيل وتراجع النفوذ الأميركي في المنطقة. وتنبأ وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بحدوث شراكة بين تركيا ومصر وهي الشراكة التي تخلق محوراً جديداً للقوة.

وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو

القاهرة: عرضت تركيا يوم الأحد رؤية لإعادة ترتيب الشرق الأوسط، في وقت ينغمس فيه حلفاء البلاد السابقون بكل من سوريا وإسرائيل في حالة من العزلة، ويدعم التحالف المزدهر مع مصر إنشاء نظام جديد في منطقة تهيمن عليها أجواء التمرد والثورات.

وهو الأمر الذي أكده وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، في مقابلة مطولة أجريت معه على مدار ساعة كاملة، قبل مغادرته الأمم المتحدة، حيث يتوقع نشوب جدل محتدم هذا الأسبوع بشأن محاولة فلسطين الحصول على حق الاعتراف بها كدولة.

وفي وقت ينظر فيه كثيرون إلى أوغلو باعتباره مهندساً للسياسة الخارجية التي جعلت من تركيا واحدة من أبرز الأطراف في العالم الإسلامي، فقد تحدث عن هذا الموضوع وموضوعات أخرى، لوصف منطقة في خضم التحول. وأكد في هذا السياق أن تركيا كانت محقة في كل شيء. وأعلن أيضاً أن إسرائيل هي المسؤولة وحدها عن الانهيار الوشيك في العلاقات مع تركيا، التي كانت حليفاً لها من قبل، واتهم الرئيس السوري بالكذب عليه، بعد أن عرض المسؤولون الأتراك على الحكومة هناك quot;فرصة أخيرةquot; لإنقاذ السلطة من خلال وقف حملتها الوحشية ضد المعارضة.

وتنبأ أوغلو، بشكل لافت للنظر، حدوث شراكة بين تركيا ومصر، اللتين تعتبران اثنتين من أقوى بلاد المنطقة عسكرياً وأكثرها كثافةً سكانيةً وتأثيراً، وهي الشراكة التي تخلق محوراً جديداً للقوة في وقت يبدو فيه أن النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط يتراجع.

وأوردت في هذا الشأن اليوم الاثنين صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن داوود أوغلو، قوله :quot; هذا ما نريده. لكن هذا المحور لن يكون ضد أي دولة أخرى ndash; فلن يكون ضد إسرائيل أو ضد إيران أو ضد أي دولة أخرى، بل إنه سيكون محوراً للديمقراطية، الديمقراطية الحقيقية. وسيكون ذلك محور ديمقراطية لأكبر دولتين في منطقتنا، من الشمال إلى الجنوب، من البحر الأسود حتى وادي النيل في السودانquot;.

وقالت الصحيفة إن تعليقات أوغلو جاءت بعد جولة قام بها الأسبوع الماضي مجموعة من المسؤولين الأتراك ndash; رافق فيها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغانndash; لكل من تونس ومصر وليبيا. وأشارت الصحيفة إلى أن انتقاد أوغلو لحلفاء بلاده القدامى وترحيبه بالحلفاء الجدد أبرز ثقة تركيا هذه الأيام، في الوقت الذي تحاول أن تبرز فيه نفسها مع الجانب الفائز في منطقة لا يمكن التعرف عليها قبل عام.

كما تحدث أوغلو عما وصفه بـ quot;التقارب النفسيquot; بين تركيا وجزء كبير من العالم العربي، الذي حكمته الإمبراطورية العثمانية على مدار أربعة قرون من إسطنبول. ثم مضت الصحيفة تبرز تفوق الجانب العلماني على الجانب السياسي في شخصية أوغلو، الذي يبلغ من العمر 52 عاماً، رغم امتلاكه الموهبة الدبلوماسية في رأب الصدع.

وتابعت الصحيفة هنا بقولها إن ذلك الإحساس بالتقارب الثقافي سهَّل على تركيا مهمة دخول المنطقة، مثلما حدث مع النموذج الناجح لحزب العدالة والتنمية الخاص بأوغلو، الذي فاز قادته الأتقياء للغاية في ثلاثة انتخابات متعاقبة، لترؤس اقتصاد مزدهر وبدء مرحلة إصلاح جعلت تركيا أكثر ليبرالية وحداثة وثقة. كما تم تعزيز الشعبية التي يحظى بها أردوغان نتيجة دفاعه عن حقوق الفلسطينيين وانتقاده لإسرائيل.

وأكد أوغلو ndash; الذي رافق أردوغان في زيارته الأخيرة للقاهرة ndash; أن مصر ستكون محوراً للجهود التركية. وتنبأ كذلك بأن تزيد الاستثمارات التركية في مصر، التي تقدر حالياً بـ 1.5 مليار دولار، إلى 5 مليارات دولار في غضون عامين، وأن ترتفع المبادلات التجارية إلى 5 مليارات دولار، في وقت تقف فيه الآن عند 3.5 مليارات دولار، وذلك بحلول عام 2012، على أن تصل إلى 10مليارات دولار بحلول عام 2015. وللتأكيد على الأهمية التي تراها تركيا في التعاون الاقتصادي مع مصر، أوضحت الصحيفة أن 280 رجل أعمال رافقوا الوفد التركي إلى القاهرة، وأشار أوغلو إلى أنهم قاموا بالتوقيع على صفقات تقدر بحوالي مليار دولار في يوم واحد فقط. وتابع quot; من أجل تحقيق الديمقراطية، نحن بحاجة إلى كيان اقتصادي قويquot;.

وفي سياق متصل، عاود أوغلو ليقول quot; من أجل تحقيق توازن إقليمي في القوى، نحن بحاجة إلى دولة مصرية قوية للغاية. وقد يظن البعض أن مصر وتركيا تتنافسان. وهذا غير صحيح. وذلك هو قرارنا الاستراتيجي. فنحن بحاجة إلى مصر قوية الآنquot;. كما حمَّل أوغلو إسرائيل وحدها مسؤولية حالة العزلة التي تعيشها، وتوقع أن تزيد عزلتها، إذا واصلت انتهاجها تلك السياسة الخاصة برفض أي مقترحات. واتهم أيضاً الرئيس السوري بشار الأسد بعدم الوفاء بالوعود وعدم قول الحقيقة.