فرحة العراقيين بانسحاب القوات الأميركية لم تدم طويلاً

تصاعدت وتيرة الخلافات السياسية على الساحة العراقية بين الساسة العراقيين بعد انسحاب القوات الأميركية،مما أسهم في الإعتقاد أن ذلك قد يكون مقدمة لحرب أهلية، وهو ما يعني عدم جاهزية العراق والعراقيين لهذه اللحظة التاريخية، خاصة مع عودة الإغتيالات والتفجيرات إلى الساحة، على الرغم من مناداة بعض الأصوات بالإسراع في العملية الإنتخابية لنقل السلطةمن أجل المساهمة في عودة الهدوء والتماسك إلى الشارع العراقي.


خلّفت القوات الأميركية بعد انسحابها من العراق في أواخر هذا العام الكثير من الأزماتالسياسية، وخلافات بين الفرقاء العراقيين، واتهامات متبادلة بتورّط شخصيات وقيادات عراقية بعمليات إرهابية وقتل للمواطنين، ومطالبة بعض المحافظات العراقية بإنشاء أقاليم مستقلة، إضافة إلى عودة عمليات القتل والتفجير، التي حصلت في أواخر العام، والتي راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين.

وهو ما خلف تساؤلات كبيرة لدى المراقبين والسياسيين حول مستقبل العراق بعد خروج القوات الأميركية منه، ومدى جاهزيته للمرحلة الجديدة المقبلة، وهي خطوة تعدّ تحديا كبيرًا للعراق والساسة، للبدء من جديد في إدارة شؤون البلاد، بعد عقود من الإحتلال.

ليث كبة: الصراعات الموجودة استعراض عضلات وتركيز قوى
يرى السياسي العراقي الدكتور ليث كبة أن العملية السياسية، التي تأسست بعد سقوط نظام صدام حسين، والتي مهدت لثلاث عمليات انتخابية، بوجود القوات الأميركية، هي موضع اختبار حقيقي، متمثلاً في قدرة الفرقاء السياسين على الصمود وعدم الإنهيار بعد خروج القوات الأميركية. وهو ما يعدّ مثار قلق وتساؤل للجميع قائلاً: quot;التدافع السياسي في العراق نابع من التدخل الإقليمي للدول المجاورة للعراق، التي لديها حساباتها السياسية، فوضعها يتأثر بما يحدث في العراق، الذي هو ليس في معزل عن حساباتها السياسية. إذن فهل توجد عملية سياسيةقادرة على الصمود أمام الضغوط والتدافعات الإقليمة الموجودة في المنطقة المحيطة بالعراق... هذا هو السؤال؟quot;.

معتبرًا أن قدرة الحكومة العراقية ستكون موضع اختبار حقيقي، ليس فقط في المجال السياسي، بل والإقتصادي أيضًا، فالعملية مترابطة بينهما. وذلك لن يتم بدون توفير خدمات جيدة، وتقديم برامج تنموية، تسهم في تحسين الإقتصاد.

وقال: quot;المواطنون لديهم آمال وتوقعات بتوفير جيد للخدمات، وتوفير فرص العمل، التي من شأنها مكافحة البطالة. ولكن في الوقت الحالي قدرة الحكومة متعطلة بسبب سياسة المحاصصة الطائفية، التي ولدت مع النظام السياسي الجديد في العراق. مضيفًا: quot;لا يمكن للحكومة تقديم أجود الخدمات إذا كانت قائمة على مبدأ المحاصصة الطائفية، فالإدارة تقوم على أساس الكفاءات، وليس الولاءات والإنتماءات الطائفيةquot;.

وفيما يرى الأميركيون أن خروجهم قد جاء بعدما تركوا عراقًا ديمقراطيًا مستقرًا آمنًا، كما ألمح الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت سابق.. يرى كبة أن الديمقراطية لا تقاس فقط بصناديق الإقتراع، على الرغم من وجود انتخابات حقيقية، ونتائجها تعكس رأي الشارع العراقي من خلال تلك الصناديق.

وأوضح أن quot;الديمقراطية تتطلب صحافة قادرة على تسليط الضوء على أداء الحكومة ومحاسبتها في حال وجود فساد من دون التعرّض لمضايقات. وهو ما يعني استقلال القضاء والصحافة، فهي من الشروط المطلوبة للديمقراطية، وغير المتوافرة بالشكل المطلوب في الوقت الحاضر، مع ذلك هي ليست غائبة بشكل كامل، بدليل وجود صحافة جريئة، تكتب ما تريد، وصحافيين جرئيين، لا يهابون، الموت يتكلمون وينقدون، في المقابل هناك نسبة إغتيالات عالية يتعرّض لها الصحافيون والمراسلون، وهذا يحجّم مسألة الديمقراطية، التي أساسها حرية الكلمة والتعبيرquot;.

يطرح خروج القوات الأميركية من العراق تساؤلات بين المراقبيين للشأن العراقي حول قدرة الحكومة العراقية على إدارة شئون البلاد، واستعادة العراق مكانته السابقة في ظل الصراع الحالي الدائر ما بين رئيس الوزراء نوري المالكي ونائب الرئيس طارق الهاشمي،خاصة بعد مطالبة بعض الأصوات بالإسراع في الإنتخابات كحل لإنهاء الصراع.

وبالرغم من عدم تفاؤل كبة بقدرة العراق على استعادة مكانته في الواقت الراهن، خاصة في ظل الإضطرابات الموجودة في المنطقة، إلا أنه يعتقد أن العراق خلال سنوات لا بد أن تكون لديه القدرةعلى استعادة مكانته السابقة.

مستدلاً على ذلك بالدور الذي لعبه العراق في موضوع سوريا، قائلاً: quot;على الرغم من أن الدور قد لا يكون كبيرًا، إلا أن ذلك له مدلول سياسي كبير، وأن العراق آخذ في العودة إلى مكانه الطبيعي بين الدول، ومع الوقت سوف يكتشف العراق نفسه وبأنه يملك أكثر مما حكامه يعرفون.

معتقدًا أن الصراعات الحالية ما هي إلا عملية تركيز قوى واستعراض عضلات. ومحذرًا الساسة العراقيين من مغبّة ما يحدث. فقد يؤجّج نارًا لا يعرف مداها، خاصة في ظل أوضاع المنطقة العربية الحالية. مرجّحًا أن الدعوة إلى انتخابات جديدة قد تكون نوعًا من الضغط السياسي،من الصعب التكهن بتبعاته وأبعاده.

وأكد كبةفي الوقت عينه أن الإستراتيجية التي يجب أن يتبناها العراق هي إعادة بناء قوته الذاتية والداخلية، وإعادة توحيد شعبه، لكون العراق بلدًا متعدد الديانات والطوائف، وهو قادر على أن يكون له نفوذ على أرضه وشعبهوبناء جيش قوي، ولكن الحروب ساهمت كثيرًا في إضعافه وتجزئته، ما أعطى الفرصة لإيران بالتدخل وزيادة نفوذها، وذلك على حد تعبيره.

لؤي بحري: العراق يحتاج جيشًا وطنيًا مستقلاً لكي يواجه التدخلات الإقليمية
من جهته، أبدى المحلل السياسي الدكتور لؤي بحري حماسة شديدة تجاه خروج القوات الأميركية، مؤكدًا أن العراقيين هم المعنيون بتقرير مصيرمستقبلهم. مع إقراره بوجود تحديات أمنية داخلية وخارجية، متمثلةفي الوضع الأمني والإقتصادي.

معتبرًا أن الديمقراطية تحتاج بعض التغييرات في العملية السياسية وتصحيحيات يتوجب على الساسة العراقيين إنجازها، حتى تسير العملية الديمقراطية في مسارها الصحيح، والحلّ لن يكون إلابمشاركة الجميع في الحل، سنة وشيعة وأكرادًا وعربًا ومسيحيين وجميع أطياف المجتمع، بدون النظر إلى مسألة الديانة والمذهب.

وعلى الأحزاب السياسية عدم تغليب مصالحها الخاصة ومصالح زعمائها على مصلحة العراق العامة ومصلحة المواطنين، الذين انتخبوهم من خلال صناديق الإقتراع، كي يمثلونهم لتحقيق توقعاتهم، وذلك على حد تعبيره.

حمّل بحري الساسة العراقيينوالبرلمان العراقي مسؤولية ما يحدث من صراعات دائرة الآن، معتبًا أن عدم وضوح الدستور العراقي ساهم كثيرًا في هذه الأزمة. قائلاً: quot;إن عدم احتواء الأزمة المتفجرة ما بين المالكي والهاشمي سيؤدي حتمًا إلى تفجير صراعات طائفيةquot;.

ينبثق ذلك من عدم وضوح الدستور في بعض المواد. وفي حالة كتلك الخلافات التي نشهدها يوميًا، كان لا بد أن تكون النتائج مختلفة، لو كانت هنالك مواد في الدستور تنصّ على معاقبة المخالفين. فما يحدث في العراق غير منطقي وغير مقبول لدى المواطن العراقي، الذي ينشد الإستقرار، وتعب من تلك الصراعات، التي لا تعود عليه إلا بالدمار. فعلى رئيس الجمهورية بذل جهوده من أجل حلّ الأزمة بشكل سريع وحاسم مع جميع الأطراف، بحسب بحري.

كما ويعتقد بحري بعدم جدوى الإسراع في العملية الإنتخابية كحل للأزمة لكونها لن تكون نتائجها أفضل مما سبقتها. وذلك بسبب عدم وجود الشفافية ونقص الخبرة. فالإنتخابات، التي جرت قبل عامين،كانت نتائجها عدم تشكيل الوزارة حتى الآن، وعدم تسليم منصب وزير الدفاع والداخلية، وذلك على حد تعبيره.

لذلك فهو يتوقعتدخل واشنطن، ولكن دورها سيكون مقتصرًا على تقديم النصح والمناقشة، مؤكدا أن الحل الحقيقي يكمن في يد العراقيين والأطراف المتصارعة.

وبالرغم من انتظار العراقيين لهذه اللحظة كثيرًا، إلا أن ذلك لا يبدد مخاوفهم تجاه التدخل الإيراني في البلاد. خاصة أن شريحة كبيرة من العراقيين ترى أن خروج القوات الأميركية من العراق سوف يسمح بزيادة النفوذ الإيراني في بلادهم،خصوصًا أن العراق لا يمتلك جيشًا قويًا، وذلك على حد تعبير بحري، الذي يرى أن على الساسة العراقيين إفهام إيران بعد التدخل في شؤون بلادهم، كما يجب أن يمتلك العراق الجيش القوي المؤهل، والمدعّم بسلاح وعتاد وقواعد سلوكية، لكي يكون جيشًا وطنيًا، يخضع لرئاسة الدولة بعيدًا عن الضغط السياسي والعقائدي.