رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني

على إثر مقتل اسامة بن لادن على أراضيها، بعثت باكستان بمذكرة سرية الى البيت الأبيض تطلب عونه في وجه قلاقل محتملة قد تنتهي بتدخل الجيش. والآن تعيد إسلام أباد الكرّة مع بريطانيا قائلة إن العسكر يستعدون لانتزاع السلطة. وكل هذا يضيف الى الاعتقاد أن حكومتها أضعف من أن تحل مشاكلها بنفسها.


تسربت أنباء إلى الصحف البريطانية تفيد أن رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، أجرى اتصالا هاتفيا، وُصف بأنه laquo;حمل لكنة الفزعraquo;، بالسفير البريطاني في إسلام أباد، آدم تومبسون، يطلب فيه عون بلاده إزاء انقلاب عسكري قال إنه قد يحدث في أي لحظة الآن.
وقالت الأنباء نفسها إن رئيس الوزراء الباكستاني laquo;لوى ذراع بريطانيا بالإعراب عن مخاوفه العميقة من أن تقع ترسانة بلاده النووية في أيد غير مسؤولةraquo;. وسارع المراقبون لتأويل عبارة laquo;أيد غير مسؤولةraquo; بنسبتها الى عناصر الإسلاميين الأصوليين داخل القوات المسلحة.

وقال جيلاني إن مخاوفه حقيقية على استقرار الوضع في بلاده بعد حصوله على تقارير تفيد أن قائد الجيش، الجنرال اشفاق برويز كياني سيتصدرانقلابا عسكريا أو سيدعم تحركا محتملا لدى المحكمة الباكستانية العليا في اتجاه إطاحة حكومته.
وتمثلت ردة فعل بريطانيا في دعوة وزير خارجيتها، وليام هيغ، الى الهدوء وضبط النفس. وقال: laquo;نقر بتوتر الأجواء في باكستان ووجود قدر كبير من المخاطر. لكن كثرة الحديث عنها سيكون بمثابة صب مزيد من الزيت على النارraquo;. ورفض هيغ التأكيد أو النفي في ما يتعلق بحقيقة اتصال جيلاني بالسفير البريطاني في إسلام أباد.

ويأتي الحديث عن استنجاد رئيس الوزراء الباكستاني ببريطانيا في وجه العسكر في أعقاب توترات داخلية خطيرة ناتجة عما قيل من استنجاد مشابه لحكومة إسلام أباد بالإدارة الأميركية من عواقب قتلها زعيم القاعدة أسامة بن لادن في أبوت أباد، شمال شرق إسلام أباد في الثاني من مايو / ايار الماضي.

فقد تسرّب أن محكمة باكستان العليا تنظر في قضية تدور حول مذكرة سرية بدون توقيع تطلب الى الولايات المتحدة المساعدة في منع المؤسسة العسكرية النافذة أبدا من الاستيلاء على الحكم. وقالت تكهنات راجت بشدة إن جهة مقربة من الرئيس آصف علي زرداري (سفيره لدى واشنطن حسين حقاني) هي التي تقف ورآد هذه المذكرة.

وأدت المذكرة، التي سميت laquo;ميمو غيتraquo; (فضيحة المذكرة)، الى استقالة من منصبه الشهر الماضي. لكنها ألقت الضوء بشكل ساطع على ضعف الحكومة الباكستانية وعززت الاعتقاد السائد وسط المواطنين وهو لجوؤها الى القوى الخارجية من أجل حل مشاكلها الداخية.
وتسببت هذه الخطوة في إغضاب الجنرالات الباكستانيين الذين فسروها باعتبارها انشقاقا على وحدة الصف الوطني وشكوى أيضا من اعتبارهم خطرا داهما على الحكومة المدنية. وزاد الطين بلة مصادقة الرئيس زرداري على قرار طرد وزير الدفاع، الجنرال نعيم خالد لودي.

وقالت الحكومة في معرض تبريرها لهذا القرار إن الجنرال laquo;يتجاوز صلاحياته بشكل غير قانوني وعلى نحو لا يتلاءم ومنصبه ومسؤولياتهraquo;. وكانت هذه الخطوة مفاجئة للمراقبين لأن اختيار لودي لمنصب وزير الدفاع جاء أصلا بسبب أنه كان الشخصية العكسرية الأمثل لأن تكون جسر تفاهم وسلام بين الحكومة المدنية من جهة والمؤسسة العسكرية من الجهة الأخرى.
وفي ظل هذا الوضع العسير على المواطنين انتشرت الشائعات بقرب انقلاب عسكري. وسارع الجيش، على غرار الحكومة نفسها، الى محاولة إطفائها، لكن التوتر في وجه المجهول صار هو ديدن الحياة. ويقول المراقبون الآن إنه حتى في حال امتنع العسكر عن الاستيلاء على السلطة ففي يدهم أساليب سياسية عديدة أخرى للتخلص من زرداري وزمرته.
لكن وليام هيغ استبق أي تكهنات بشأن تدخل بريطاني مباشر فقال: laquo;نعلم أن الوضع ساخن للغاية داخل باكستان، لكن هذا شأن داخلي ولا علاقة لنا به. وعلى هذا الأساس فإن أي حديث عن تدخل بريطاني للتأثير على الأوضاع الباكستانية لا يستند الى أي قدر من الحقيقة أو المصداقيةraquo;.

والواقع أن مخاوف الحكومة الباكستانية من تدخل الجيش لانتزاع زمام الحكم ليست على سبيل المبالغة والخوف الزائد عن الحد. فمنذ تقسيم شبه القارة الهندية بعيد استقلالها عن بريطانيا في 1947 وتأسيس باكستان لتكون وطنا للمسلمين، انتزع العسكر السلطة أربع مرات قائلين إنهم الجهة الوحية القادرة على رعاية مصالح الأمة... فهل يشهد العالم عودتهم الى السلطة للمرة الخامسة؟