وجد مواطنون عراقيون في ظهور السياسيين المكثف في المدة الأخيرة وسيلة للسخرية بقدر عدم الارتياح، الذي يبدو عليهم، بسبب التصريحات التي لا تنقطع، والتواجد الدائم على الشاشات، وتحولهم من ضيوف إلى مقيمين في استوديوهات الفضائيات، التي هي الأخرى فتحت فضاءاتها لهم، بعدما تناست النجوم في مختلف مجالات الإبداع، واتجهت نحو السياسيين، لتحولهم إلى نجوم بديلة، ولكن ليست مضيئة، كما يريد مواطنوهم.


عراقيون يتابعون مجريات الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي

عبد الجبار العتابي من بغداد: بدأت الحكاية في مقهى في منطقة الكرادة في بغداد، عندما اجتمع عدد من المثقفين والناس العاديين ومن العابرين في المكان. انتبه أحدهم إلى الممثل، الذي كان يجلس قريبًا منه، فشدته الدهشة، وهزّه الإعجاب، لينظر إليه ويصافحه، ومن ثم يثني على نجوميته، ويسأله: (لم نعد نراك على الشاشة منذ زمن بعيد.. إن شاء الله خيرًا).

ابتسم الممثل، وقال له بلهجة ساخرة: quot;تركنا النجومية للسياسيين، ألم ترهم يملؤون شاشات الفضائيات صباحًا وظهرًا وما بعد الظهر وعصرًا وليلاً إلى ما بعد فيلم السهرة، إن كان هناك فيلم للسهرة غير فيلمهمquot;!!.

ضحك الرجال الآخرون ممن حولهما، وسمعت كلمات تتردد (أي والله .. صدقًا، الآن السياسيون هم أصحاب النجومية، واختفى الفنانون وراءهم)، وسرعان ما أصبح الحديث في المقهى عن الظهور الكثيف للسياسيين في كل البرامج التلفزيونية، وتحول القنوات الفضائية إلى ساحات للترويج لهم، ولتصديع رؤوس المواطنين بالمعارك والنزاعات في ما بينهم.

قال أحدهم: أي والله، خلال الأيام الماضية هناك سياسيون لم يتركوا قناة فضائية إلا وظهروا فيها، واللطيف أن أحد مذيعي إحدى القنوات قال لنائبة في البرلمان (انتي نجمة الفضائيات).

وأضاف الرجل مخاطبًا الفنان، بعدما أطلق ضحكة: النجومية الآن ليست لكم أيها الفنانون، بل لإخوانكم البرلمانيين، (مساكين أعطوهم مجالاً)، فيما قال ممثل: البرلمانيون أصبحوا أفضل منا نحن الممثلين، أين نحن منهم، فهم ممثلون بارعون ونجوم (عليهم العتب)، ونحن نسينا التمثيل بسببهم. هل تعرفون أنا أين أذهب بالريموت حين تزدحم أوقات الذروة بالسياسيين، صدقوني أذهب إلى مشاهدة أفلام كارتون، أجدها أكثر متعة من تمثيليات البرلمانيين.

المتابع للشاشات خلال الأسابيع الأخيرة تحديدًا، وبعد تفجّر الأزمة السياسية في البلاد، يرى أنها أصبحت لا تتسع إلا للسياسيين والمحللين، وأصبح حضور البرلمانيين متواصلاً متى ما ضغطت على أزرار التحكم، وصراعاتهم مستمرة، لا سيما في الأوقات التي تسمّى بالذهبية، ناهيك عن الأوقات الأخرى، التي تظهر فيها إعادات للحوارات والسجالات والتصريحات من هؤلاء السياسيين، الذين تجدهم يتبارون في كيل الذم والتهم لسواهم، واستعراض عضلاتهم في الجرأة والقبح والطائفية أيضًا.

مثلما عبّر صحافي، طلب عدم ذكر اسمه، قائلاً: لأنني أعمل في مجال الأخبار وأتابعها في وكالات الأنباء والفضائيات، فلطالما أذهلني ما أشاهده، وهو أن هناك عددًا من البرلمانيين لا بد أن تكون لهم تصريحات بشكل يومي، ولا أعتقد أنهم في يوم من الأيام لم يصرحوا، والأنكى هو أنني أراهم في كل ليلة أيضًا على شاشات الفضائيات، حتى صرت أكره مشاهدة التلفزيون، أنا أعرف أن الفنان إذا ظهر على الشاشة يوميًا تمله الناس، فكيف بالسياسي؟، الله يعين الناس!!.

يقول الدكتور صادق عزيز، الأستاذ في كلية اللغات/ جامعة بغداد لـquot;إيلافquot;: وسائل إعلامنا، سواء كانت المقروءة أو المسموعة أو المرئية، ركزت في الآونة الأخيرة على موضوعين فقط هما: العنف والسياسة، وأهملت بشكل كبير الجوانب الفنية والثقافية والأدبية، التي يزخر بها العراق، ولربما نعطيها بعض الحق لتسارع الأحداث وتزامن شهري محرم وصفر، لما لهما من حرمة عند الناس، لذلك أصبح السياسيون نجوم الشاشات الصغيرة بشكل لافت لنظر المشاهد، فنحن لا ننفك نشاهدهم يتسابقون بأقوالهم وتصريحاتهم.

وأضاف quot;أعتقد أنه من الضروري من الآن فصاعدًا إعطاء الاهتمام إلى تلك الجوانب لتخفيف الضغط النفسي على المواطن العراقي، وخاصة المثقف، وفسح المجال أمام الخلق والإبداع وتفجير الطاقات والمواهب لدى المثقف العراقيquot;.

أما الكاتب والصحافي هيثم الطيب فقال: العراق يختلف عن غيره من البلدان التي يشتهر لديها الأدباء والمفكرون والرياضيون والفنانون، لأنه وببساطة بلد يشتهر فيه السياسيون، فهم نجوم الشاشة، ويعرفهم أطفالنا أكثر من الشخصيات الكارتونية، وتعرفهم نساؤنا أكثر من مقدمي برامج الطبخ، ويعرفهم أولادنا أكثر من معلميهم، ذلك لأنهم يطلون علينا في كل وقت، وبدون استئذان، عبر القنوات الفضائية، ليتحدثوا بمناسبة وبغير مناسبة، وسواء افتعلوا أزمة أم كانت مياههم صافية، نستغرب عندما لايطلون علينا (لاسمح الله) فهم يحملون إلينا كل ما يمكن أن يعكر علينا مزاجنا، وهم أيضًا مفكرون من طراز فريد ومحللون استراتيجيون، تخلو الأرض من أمثالهم، سياسيونا هم.. نجوم الشاشة بلا منازع، وأقترح أن ننظم مهرجانًا لسياسيينا في كل عام، لكي نرشح الأكثر ظهورًا، ونسمّيه (وحش الشاشة)!.

من جانبه يقول الصحافي في جريدة المؤتمر مؤيد عبد الوهاب: فجأة.. أصبح السادة السياسيون يسيطرون على شاشات الفضايات في أوقات الذروة، وظهورهم هذا أصبح كأفلام (الأكشن) الأميركية، فهم يتحدثون مثلما يجري في هذه الأفلام، ويرعبوننا بمشاهدهم طوال الليل.. وكل يوم يأتوننا بمفاجأة غريبة، تجعل من الواقع السياسي العراقي ساخنًا جدًا، لهذا أصبح السياسيون، كأبطال هذه الأفلام، نجومًا على الشاشة الصغيرة، يثيرون المشهد، ويأجّجون الوضع بتصريحاتهم الساخنة.

وتابع quot;لذلك لا تكاد تمر ساعة من دون أن يطلع علينا واحد أو مجموعة وعبر الأقمار الصناعية، واحد من هذه القائمة يخرج بتصريح ناري، ليقوم بإطفائهتصريح لآخر من القائمة الأخرى، وهكذا دواليك، ونحن لا حول ولاقوة لنا سوى فتح عيوننا وآذاننا كي نسمع ونرى نجوم الشاشة يتعاركون من أجل البطلة، أقصد (الغنيمة) حتى دفعونا إلى التشبه بأطفالنا ومتابعة أفلام الكارتون.

ويرى رسام الكاريكاتير عادل صبري أن ظهور السياسيين على الشاشة أصبح أطول من المسلسلات التركية، التي لاتنتهي حلقاتها، بل إن السياسيين صاروا ينافسون تلك المسلسلات.

ويقول: ربما نحن العراقيين الأندر بين شعوب المعمورة، الذين يعتبرون متابعة تصريحات السياسيين وظهورهم بكثرة على الشاشة مسلسلاً مشوقًا لا نهاية له، وواجب وطني مقدس، إضافة إلى أننا أصبحنا نعرف، ليس أسماء السياسيين فقط، بل أسماء أقاربهم وأسلوب حياتهم الفاخر، ومن اللطيف أن يجد العراقي لذته في اكتشاف المفارقة في ما يقوله السياسي وما يعرفه عنه، ولهذا تجد العراقي يسخر مما يرى ويسمع، ولسان حاله يقول (إذهب، فكلامك هراء، لأننا نعرف حقيقتك).

أما الصحافي في جريدة الشرقية علي الشاعر فقال: شيء يثير الاستغراب، بل الحيرة أيضًا، ونحن نطالع المسلسل اليومي، الذي اعتدنا أن نراه كل يوم، بل في كل ساعة، هذا المسلسل الذي لا تمتد إليه يد الرقيب، وليس له وقت محدد أو زمان يعرف به، بل هو مفتوح على الآفاق، وتتباهى به الفضائيات، وهذا المسلسل الذي نشاهده رغمًا عنا أصبح يغيظ نجوم الفن والإبداع في بلادنا، الذين غابوا عن الشاشة، بعدما زاحمهم الإخوة البرلمانيون، الذين لم يجدوا في قاعة البرلمان ما يشفي غليلهم، وأقصد به مسلسل التصريحات، الذي يقدمه معظم أعضاء البرلمان رجالاً ونساء، وكأنهم يمثلون فيه أدوار البطولة المملة، التي نعرف، وهم يعرفون، أنها مملة، لكنهم يريدون أن يحصلوا من خلالها على الشهرة.