مناورات إيرانية بحرية حول مضيق هرمز

تكثر التحليلات من الجانبين الأميركي والايراني حول تداعيات الحظر على نفط هذه الأخيرة، وما قد تؤول إليه الأمور الاقتصادية والسياسية في حال إغلاق مضيق هرمز، ليس فقط على الغرب وإنما على ايران نفسها، وقال محللون إنه قد يكون إجراء انتحارياً.


لندن: ينصب قرار الاتحاد الاوروبي فرض حظر نفطي على ايران كما اتفق وزراء خارجيته يوم الاثنين، قنبلة موقوتة موعد انفجارها 1 تموز (يوليو) حين يدخل الحظر حيز التنفيذ. ففي ذلك اليوم، ستتوقف اوروبا عن استيراد النفط من ايران التي تذهب نحو 20 في المئة من صادراتها الى دول الاتحاد الاوروبي. كما ستبدأ في الموعد نفسه تقريبا العقوبات الاميركية التي تستهدف التحويلات المالية عن مشتريات النفط الايراني عبر البنك المركزي الايراني. وسيبقى بمقدور ايران تصدير كميات من نفطها الى آسيا ولكن بحسومات كبيرة.

وبخلاف العقوبات السابقة ضد ايران، فإن مراقبين يرون ان الحظر النفطي سيطاول جميع الايرانيين تقريبا ويمثل تهديدا للنظام. ودأبت ايران منذ زمن طويل على القول ان مثل هذه الاجراءات، ستكون بمثابة اعلان حرب وهناك خبراء قانونيون في الغرب يتفقون مع الرأي الايراني.

ومن المتوقع ان تتصاعد حدة التوتر مع اقتراب موعد الحظر النفطي. وبدأت الولايات المتحدة منذ الآن تعزيز وجودها العسكري في المنطقة بدخول مزيد من القطعات البحرية مياه الخليج خلال الايام الماضية، فيما يخطط الحرس الثوري الايراني لإجراء مناورات بحرية جديدة الشهر المقبل. واعلنت قيادة الحرس الثوري ان المناورات الجديدة ستكون مختلفة دون الخوض في التفاصيل.

ويشكل مضيق هرمز الممر الذي تعبر منه صادرات الخليج النفطية الى اسواق العالم، ويمكن لقدر محدود من الضغط ان يمارس تأثيرا غير متناسب رافعا اسعار النفط الى مستويات قياسية مع إلحاق أفدح الأضرار بالاقتصادات التي تعتمد على النفط.

ويبلغ عرض مضيق هرمز في اضيق نقطة 32 كلم، ولكن القنوات التي يتدفق عبرها أكثر من ثلث صادرات النفط المنقولة بحرا في العالم ـ 17 مليون برميل يوميا ـ أضيق من ذلك، فان ممرات الناقلات بالاتجاهين لا يزيد عرضها على 3.2 كلم في بعض المناطق. وهنا تكون الناقلات مكشوفة لأي محاولة ايرانية وقف هذه الحركة. وكان تلويح مسؤول ايراني بغلق الممر ردا على التهديد بالعقوبات كافيا لرفع سعر النفط الى 115 دولارا للبرميل. وإذا بقي سعر النفط بهذا المستوى فترة طويلة، فسيكون باهظا بما فيه الكفاية لتوجيه ضربة قاضية الى أي بوادر انتعاش في الاقتصاد العالمي.

وهذا ما يجعل أي اجراء بحري ايراني في الخليج سلاحا ماضيا، ولكنه سلاح ذو حدين قد يكون أوخم عاقبة على ايران منه على خصومها. ففي حين ان المملكةالعربية السعودية تستطيع ان تستغني عن المضيق بما لديها من انابيب تصل الى منافذ اخرى، فإن جميع موانئ التحميل الايرانية تقع على الجانب الآخر من المضيق.

وستقطع ايران شريان الحياة على نفسها بتوقف صادراتها النفطية التي تشكل 60 في المئة من اقتصادها.

والأكثر من ذلك ان الولايات المتحدة اوضحت بلا لبس، ان أي تعطيل للحركة البحرية في الخليج سيكون quot;خطا احمرquot; يستدعي ردا عسكريا ساحقا يشمل منشآت ايران النووية. وحتى الآن استبعد الجيش الأميركي توجيه ضربات الى البرنامج النووي الايراني لأن تكاليف اشعال حرب مع ايران، تفوق المكاسب التي ستتحقق من تأخير البرنامج عاما أو عامين في احسن الأحوال، بتقدير وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا. ولكن إذا قررت الولايات المتحدة خوض حرب من اجل النفط فان حسابات الكلفة هذه ستتغير.

وعلى هذا الأساس، يؤكد محللونأن غلق المضيق سيلحق ضررا جسيما بايران، نفسها إن لم يكن اجراء انتحاريا. ولكن الخيار المتاح لإيران ليس خيارا ثنائيا على قاعدة quot;إما أوquot;، بل هناك جملة خيارات لا تذهب الى حد الغلق الكامل للمضيق، بينها اشكال من المضايقة التي تستهدف تجارة النفط بما يؤدي الى رفع سعر النفط وإبقائه مرتفعا لصالح ايران، ولكن من دون ان تصبح هذه المضايقات سببا للحرب. بيد ان مثل هذه الخيارات تتطلب حسابا وتقديرا دقيقا من جانب كل الأطراف، ومثل هذا الحذر ليس مضمونا بأي حال. ففي فترة من التوتر المستمر يمكن لقائد متحمس في الحرس الثوري الايراني ان يسيء قراءة اللحظة، لاشعال حرب أو ان قبطانا اميركيا متوتر الأعصاب، سفينته تبعد ثواني معدودة عن صواريخ ايران، يمكن بكل سهولة ان يرتكب الخطأ نفسه في الحساب. وكانت آخر لعبة كهذه لاختبار الأعصاب في عام 1988 عندما أسقط طراد أميركي طائرة ركاب ايرانية متسببا بمقتل 290 مدنيا بينهم 66 طفلا. ويلقي هذا الحادث بظله على المواجهة الحالية.

وإذا كان الجيش الايراني يبدو قزما بالمقارنة مع القوة النارية التي تمتلكها الولايات المتحدة في المنطقة، فانه قوي بما فيه الكفاية لإنزال أضرار بالتجارية البحرية.

الحظر الغربي على النفط الايراني قنبلة موقوتة

إذ لدى ايران ثلاث غواصات روسية الصنع، تمخر عباب البحر بصمت من الناحية العملية ويُعتقد ان لديها القدرة على زرع ألغام. ولديها اسطول من الغواصات الصغرى، وآلاف الزوارق السريعة المسلحة بقذائف مضادة للسفن والتي يمكن ان تفلت من رادارات السفن، الى ان تكون اقتربت منها مسافة خطرة. كما ان لدى الجيش الايراني تقاليد في quot;الشهادةquot;، يمكن ان تمده بانتحاريين مستعدين للموت، بحسب صحيفة الغارديان.

وأشد ما يقلق الأسطول الخامس الأميركي، ان تُستخدم مثل هذه الحرب اللامتناظرة، للتفوق على دفاعات سفنه المتطورة وخاصة في المسرح المحدود للعمليات العسكرية في مضيق هرمز المزروع بجزر ايرانية صغيرة، تصلح لشن هجمات في الخفاء.

وكانت القوات الأميركية اجرت عام 2002 تمارين على مواجهة دولة مارقة بلا اسم، لديها الكثير من الزوارق الصغيرة والألوية الاستشهادية. وانتهت الحرب المفترضة بانتصار الدولة المارقة، أو انها كانت في طريقها الى الانتصار عندما قرر القادة العسكريون في البنتاغون انهاء التمارين، على اساس ان الدولة المارقة وقتذاك كانت عراق صدام حسين وان الحرب القادمة معها ستكون حربا جوية اساسا.

ومنذ ذلك الحين، استأثر التصدي لمثل هذه الهجمات التي تستخدم اسرابا من الزوارق الصغيرة ومئات الصواريخ والانتحاريين والألغام بقدر كبير من الاهتمام في التخطيط البحري للقوات الاميركية، ونقلت صحيفة الغارديان عن الكولونيل السابق في سلاح الجو الاميركي، سام غارداينر الذي عمل مدرسا للتخطيط الاستراتيجي والعمليات العسكرية في كلية الحرب الوطنية، قوله ان مؤتمرا مختلفا يُعقد كل اسبوعين في واشنطن لبحث مثل هذه الهجمات التي تُشن في quot;أسرابquot; وان المناورات اظهرت ان اسراب الزوارق والصواريخ والألغام تشكل عبئا على قدرات السفن للدفاع عن نفسها. وأضاف ان التحدي يتمثل في حماية كاسحات الالغام من الاساليب القتالية التي تعتمد على هذه الأسراب.

وكان احد ردود البحرية الأميركية تطوير سفينة قتالية جديدة لمواجهة التكتيكات البحرية الايرانية تسمى quot;سفينة القتال الساحليquot;. وهي سفينة صغيرة سريعة قادرة على الإبحار في المياه الضحلة، بما يتيح لها الاقتراب من الشواطئ التي تتخللها جزر صغيرة.

وعلى مستوى ادنى من التطور التكنولوجي، تردد أن الأسطول الخامس يستخدم عددا كبيرا من الدلافين المدربة للبحث عن الالغام.

وفي نهاية المطاف، سيرتكز الرد الاميركي على الهجوم بأسراب الى السيطرة الأميركية في الجو والترسانة الضخمة من الصواريخ الموجهة بدقة لتدمير منصات الصواريخ الايرانية وراداراتها وموانئها البحرية ومواقعها الساحلية. ويكاد يكون مؤكدا ان تستهدف الضربات الأميركية مراكز القيادة، ومنشآت نووية ايضا. ولا يشك احد في فاعلية مثل هذه الاستراتيجية كرادع، ولكنها تهدد ايضا بتحويل مناوشات بحرية الى حرب شاملة.

ونقلت صحيفة الغارديان عن محللين عسكريين انه إذا قررت ايران الانتقام من العقوبات النفطية فالمرجح انها ستمضي في طريق آخر، ويعتقد الكولونيل غارداينر ان النموذج الأرجح هو quot;حرب الناقلاتquot; بين ايران والعراق، في الفترة الممتدة من 1984 الى 1987. وسيكون الهدف من حرب كهذه رفع رسوم التأمين وغير ذلك من تكاليف النقل البحري، وزيادة أسعار النفط لإلحاق ضرر بالغرب والتعويض عن العائدات المفقودة بسبب الحظر. وقال غارداينر ان الرد على هذه الاستراتيجية لا يكون بالتصعيد وانما بحماية الناقلات والبحث عن الالغام.

وحتى إذا قررت ايران الرد فان ردّها لن يقتصر على المضيق، بل يمكن ان تستهدف اسعار النفط بأعمال تخريبية، ضد منشآت نفطية عربية على ساحل الخليج الجنوبي أو تستهدف المصالح الغربية في أنحاء العالم بعد أشهر أو سنوات على فرض الحظر النفطي.

وقال الأدميرال لاوثر من الجامعة الجوية التابعة لسلاح الجوي الأميركي ان عملاء وزارة الاستخبارات، والأمن القومي الايرانية، تمكنوا خلال السنوات الثلاثين الماضية من تعقب واغتيال معارضين ومسؤولين سابقين في حكومة الشاه، وتنفيذ عمليات تجسسية وغيرها من الهجمات ضد اهداف حكومية ومدنية. واضاف لاوثر، ان من المرجح ان يكون لدى الاستخبارات الايرانية عملاء في الولايات المتحدة نفسها.

ويعتقد مسؤولون في ادارة اوباما ان مخطط اغتيال السفير السعودي في واشنطن الذي كُشف العام الماضي، ربما كان محاولة لتسوية حسابات قديمة عن حادثة سابقة.

وقال المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية بروس ريدل خلال ندوة نظمها المجلس الأطلسي مؤخرا إن إحدى الطرق التي يمكن ان تستخدمها ايران لايذاء الولايات المتحدة هي قدرتها على إلحاق مثل الأذى في افغانستان. واضاف ان الايرانيين في موقع يتيح لهم quot;ان يجعلوا الحرب الصعبة في ايران حربا مستحيلةquot;.

ولكن هذه الخيارات كلها تمثل استراتيجيات محفوفة بمخاطر، سببها ارتكاب خطأ في الحساب. وفي سيناريو حرب الناقلات مثلا، فان مهمة الحفاظ على الخط الفاصل بين الحرب والسلام، ستُناط بضباط صغار نسبيا عليهم ان يتخذوا قرارات صعبة في غضون ثوان، على غرار الملابسات التي ادت الى اسقاط طائرة الركاب الايرانية عام 1988. وحتى إذا بقيت واشنطن وطهران عازميتن على تفادي الحرب الشاملة، فان احتمالات اندلاع حرب كهذه بطريق الخطأ ستزداد مع كل شهر يمر.