الأحزاب التونسية تسعى إلى الاندماج استجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة

تجري في تونس حاليًا مبادرات اندماج لعدد من الأحزاب في حزب واحد، يكون قادرًا على الاستجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة، وتحقيق التوازن السياسي. ويرى سياسيون ومحللون أن هذه المبادرة إيجابية، وقد تضمن مستقبلاً جيدًا للبلاد.


تونس:تشهد الساحة السياسية في تونس في الفترة التي أعقبت انتخابات المجلس التأسيسي، مبادرات اندماج لعدد من الأحزاب، تنوعت أفكارها وأهدافها في حزب واحد، يكون قادرًا على الإستجابة لمقتضيات المرحلة المقبلة، وتحقيق التوازن السياسي في المجتمعبضمان التداول على الحكم، من خلال التواجد بقوة في الإستحقاقات السياسية المقبلة، ومنها الإنتخابات الرئاسية والتشريعية.

وقد أعلنت يوم الأحد الماضي ثلاثة أحزاب وسطية، هي الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب آفاق، والحزب الجمهوري، إلى جانب بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، اندماجها في حزب واحد، سيعلن عنه في آذار (مارس) المقبل، يستجيب لمقتضيات الفترة المقبلة، ويكون قادرًا على تحقيق التوازن السياسي، ويضمن التداول على السلطة. إلى جانب مبادرات أخرى بين أحزاب قومية وليبرالية ودستورية وماركسية.

الأستاذ مصباح شنيب عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي يتحدث عن عملية تشخيص قاسية داخل الحزب: quot;نحن واظبنا في الحزب الديمقراطي التقدمي بعد الإنتخابات الأخيرة مباشرة، على قراءة المشهد الإنتخابي وفحص الأخطاء، وكل ما حصل خلال الإنتخابات، وكان نقدًا ذاتيًا قاسيًا، كما وقفنا على جملة من الأخطاء، وأدركنا كذلك أننا لن نبني هذا الحزب القوي، الذي نريده بمفردنا، الحزب الديمقراطي التقدمي لم يكن حزبًا قويًا، ولكنه كان حزبًا مناضلاً، ولا يتفوق عليه غيره في الفاتورة التي دفعها في عهد بن علي،الذي أكسب فراره الحزب شعبية، واعترف له الجميع بذلكquot;.

وأضاف quot;لكن بعد ذلك ارتكبت أخطاء فادحة من قبل القيادة تحديدًا، وبعد ذلك تلاقى علينا أطراف من اليمين واليسار، تلاقوا علينا بالتشويه والإنتقاد المبالغ فيه، وتناسوا كل نضالاتنا، وتداخلت عوامل عديدة، ومنها تأخير الإنتخابات، وهذا ما أدى إلى تلك النكسة الإنتخابية، التي مني بها الحزبquot;.

يتحدث الخبير والمحلل السياسي سالم لبيض عن هذه المبادرات السياسية قائلاً: quot;هي أربع محاولات اندماج حتى الآن على الساحة السياسية في تونس، فهناك الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب آفاق، والحزب الجمهوري، وعدد من الشخصيات المستقلة، وهذه الأحزاب كانت ستتوحد مع حزب التجديد والقطب الحداثي، لكن يبدو أن هناك خلافات، وقد يكون اتفق هؤلاء مع حزب العمل التونسي، ومن جهة ثانية هناك الأحزاب ذات التوجه الدستوري، وكذلك هناك القوميون وهم ممثلون في حركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية، حيث تم الإعلان عن التوحيد في جبهة واحدة مع البعثيين والعروبيين والماركسيين العرب... وكل العائلات السياسية يبدو أنّ ديناميكية التوحيد قد أصابتهاquot;.

أما الأستاذ مصباح شنيب فقد تحدث عن هذا الإندماج مؤكدًا على أنه: quot;بعد العثرة الإنتخابية لعدد من الأحزاب في الإنتخابات الأخيرة، هناك إحساس مشترك لدى الأطراف الموجودة بأنه ليس بمقدورها أن تشكل أحزابًا قوية، إلا إذا اجتمعت ورأت في التشرذم والتشتت عوامل ضعف لها، وأن هذا الواقع لا يمكنه أن يفرز حزبًا قوياً يساهم في إقامة التوازن مع الترويكا الحاكمة، ورأوا أن ديمومة الديمقراطية مشكوك فيها بدون قيام حزب كبير، يكون في وزن حركة النهضة أو قريبًا منها، والأمر لم يحصل في الواقعمع الحزب الديمقراطي التقدمي فقط، بل كذلكمع أحزاب أخرى، من بينها حزب آفاق وحزب الجمهوري، وشخصيات وطنية قبلت الإنصهار في الديمقراطي التقدمي، إلى جانب حزب التجديد والقطب الحداثي، ولكن النقاشلا يزال قائمًا، وهذه الخطوة الأولى التينراهن على أن تكون بمثابة كرة الثلج، والتي ستساعد على تكوين هذا الحزب القوي، وسيكون الإدماج بصفة رسمية في 17 آذار (مارس) المقبل موعد مؤتمر الحزب الديمقراطي التقدميquot;.

وعن الجوانب الإيجابية في هذه المبادرات، يقول أستاذ علم الإجتماع السياسي سالم لبيض في إفادة لـquot;إيلافquot;: quot;بالتأكيد تحمل هذه المبادرة الكثير من الإيجابيات، حيث كان المشهد السياسي متشرذمًا ومتفرقًا، وهو عنصر استغلته حركة النهضة تقريبًا، وبالتالي فالجميع يفكر في تكوين كتل تضاهي هذه الحركة، ويمكن أن يكونوا كتلاً قوية، ولكن أن تكون في مستوى حركة النهضة، فهذا صعب، لأنه لا يمكن بلوغ القاعدة الشعبية للحركة نفسهاquot;.

وأضاف quot;بالتالي الكتل التي يمكن أن تجد مكانًا على المستوى الشعبي، نجد التيار القومي بعد التوحيد، وكذلك التيارات اليسارية التي لها وجود في عدد من المدن التونسية، إذا كوّنوا كتلة واحدة، ولكن النية حاليًا تبدو أنها غير موجودة على غرار حزب العمال الشيوعي، وحزب الوطنيين الديمقراطيين. وفي هذه الحالة يمكن أن تكون مجموعات ضغط على المستوى الجهوي والمحلي، والجانب الإيجابي الأبرز هو بروز كتل كبرى قادرة على إيجاد التوازن، الذي يجعل من هذه الكتل تحسب حسابًا لبعضها البعض، وتكون السياسة على قواعدها، وليس كما حدث في الإنتخابات الماضية، والكتل القوية هي صمام الأمان لضمان الديمقراطية في البلاد أفضل بكثير من الأحزاب المتشظية، التي تعطي الفرصة للحزب القوي حتى يحكم، ويمكن بالتالي أن تراوده فكرة الهيمنة، ونعيد إنتاج تجارب قديمة، لأن السلطة مغرية، حتى وإن لم تكن هناك رغبةquot;.

ويبدو الهدف الرئيس لهذه الكتل، التيلا تزال في طور التشكل، مرتكزًا أساسًا على الإستحقاق الإنتخابي المقبل الرئاسي منه والتشريعي: quot;هؤلاء سيتوحدون من أجل النجاح في الإنتخابات المقبلة، وإذا بلغوا السلطة، فذلك ما يريدون، ولكنهم برغم ذلك يتناحرون على الكراسي، مثلما حصل أخيرًا، وإن لم ينجحوا في مسعاهم فسيكون الإنفجارquot;.

من جانبه تحدث الأستاذ مصباح شنيب عن الهدف من هذا الإندماج لـquot;إيلافquot;: quot;من بين الأهداف، هناك الإستعداد للإنتخابات المقبلة، ولكن الهدف الأسمى هو إيجاد أحزاب قوية في البلاد، لأن بوجودها سنتمكن من عملية التداول على السلطة، ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية بلا تداول، وفي ظل هذا الوضع أصبح التداول صعبًا، والواقع أن وجود حزب قوي هو الذي يساعد على إنجازه والتعددية الفعلية ووجود ضمانات على الأرض تحمي الديمقراطية، وتضمن استمراريتها وديمومتها، لأنه إذا بقينا على هذه الحال بوجود حزب قوي وأحزاب صغيرة متشرذمة، سنعود حتمًا إلى ما كنا عليه في العهد السابق، والحزب القوي قد لا يتغول في البداية، ولكن قد تحدثه نفسه بذلك، ونفتقد حينئد التعددية، وبالتالي الديمقراطية، وليس من الضروري وجود أحزاب كثيرة في البلاد، ولكن لا بد من وجود أحزاب قوية، تتنافس من أجل السلطة، وتخلق التوازن السياسي في البلادquot;.

يس إبراهيم رئيس حزب آفاق، تحدث بدوره عن هذا الإندماج: quot;هي مرحلة طبيعية، بعد المرحلة الأولى لإنجاز الديمقراطية في بلادنا، وهي مرحلة لتكوين قوة سياسية بعيدًا عن التشرذم والتشتت، يمكن لها أن تضع برامج، ولها رؤية واضحة للمستقبل في المجتمع التونسي للإستعداد للمراحل المقبلة، وهي مهمة جدًا، ومنها صياغة الدستور والإنتخابات التشريعية، وضرورة التواجد في كامل أنحاء البلاد، وبين كامل الطبقات الإجتماعية، وكذلك تقريبنا من الأحزاب القريبة، في التوجهات والرؤى والبرامج. وهذه المبادرة مفتوحة أمام أحزاب وشخصيات أخرىquot;.

من ناحيته قال صلاح الدين الزحاف، رئيس قائمة صوت المستقبل في دائرة صفاقس، الذي اندمج في هذه المبادرة: quot;الحزب الجديد سيكون منافسًا قويًا للأحزاب القوية الأخرى، ويعمل على تعزيز تجذّر قيمنا الحضارية العربية والإسلامية في المجتمع التونسي، ويدعم الحريات الموجودة ويعززهاquot;.

أما الوزير السابق للتشغيل في حكومتي الغنوشي والسبسي سعيد العايدي، فقد أكد انضمامه إلى هذه المبادرة قائلاً: quot;أنا مقتنع بضرورة وجود أحزاب قوية، وأنّ مستقبل تونس يكمن في الإعتدال والوسطية، وسيكون هذا الحزب مفتوحًا أمام الكفاءات التونسية، التي ترغب في الإفادة لمصلحة تونسquot;.

لكن يبدو أن بعض الإختلافات قدتقلل من انتشار هذه المبادرة بين الأحزاب التي شهدت تقاربًا مع الحزب الديمقراطي التقدمي، ففي بيان مشترك لحزب التجديد وحزب العمل إطلعت عليه quot;إيلافquot;،حيث quot;يعتبران أن الوحدة الإندماجية بين الأحزاب الثلاثة، تمثل خطوة إيجابية في اتجاه توحيد القوى الديمقراطية، والحدّ من تشتتها بعد الإنتخابات الأخيرةquot;.

ويضيف البيان quot;هما يعتقدان أن نجاح المسار التوحيدي يتطلب الترفع عن الاعتبارات الحزبية، والسعي المشترك في كنف الاحترام المتبادل بين كل الأطراف المعنية بهذا التوحيدquot;.

ويعود د. سالم لبيض للإشارة إلى إمكانية الإختلاف بين هذه الأحزاب، لا حول البرامج، بل حول الزعامات: quot;بالنسبة إلى المجموعة الأولى، التي تضم الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب آفاق والحزب الجمهوري، مع حزب التجديد، برامجها متقاربة، حيث هناك توجه يساري ليبرالي، لكن الإختلاف يتمثل أساسًا في الزعامات بينها، وهو العنصر الذي أفشل هذا الإندماج مع حزب التجديد بالخصوص، وهذه لا يمكن إيجاد حلّ لها بين زعيم الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي وزعيم حزب التجديد أحمد إبراهيمquot;.

بالنسبة إلى حزب آفاق ليس له كاريزما لحزب قوي، وبالتالي فقد قبل رجال هذا الحزب أن يعملوا تحت راية الشابي، بينما يعتبر أحمد إبراهيم نفسه زعيمًا كبيرًا يضاهي نجيب الشابي، وبالتالي فلم يقبل الإنصهار في حزب جديد برئاسة الشابي، وتبقى مشكلة الزعامة مشكلة كبيرة بين الأحزاب السياسية، فالأحزاب التي ليس لديها زعامة تاريخية، فهي لا تمتنع عن الإندماج، بينما سترفع الأحزاب الأخرى ذات الشخصيات التاريخية الإندماج كشعار، ولكن مع أول إشكال يمكن أن يضيع كل شيءquot;.

أما عن الأحزاب التي تحكم الآن، أو ما أطلق عليها quot;الترويكاquot;، فقد أشار د. لبيض إلى أنّ حزب التكتل يمسك العصا من وسطها حاليًا، ويدعم القوى الليبرالية على مستوى المواقف وفي الإمتيازات، فهو يعمل مع حركة النهضة في السلطة للحصول على وزارات وغيرها. وبالتالي سيصل إلى مرحلة لا يمكنه بعدها الخروج من هذا التحالف، لأنه حينئذ ستكون البقية، أي القوى الليبرالية، قد دخلت في تحالفات وارتباطات ووعود وتوزيع لـquot;خبزة القاطوquot; المقبلة، ولن يجد مكانًا بين هذه القوى التي يدعمها بمواقفه حاليًا.