أزمة الكهرباء في لبنان تتصاعد لا سيما بسبب مواقف وزير الطاقة جبران باسيل المثيرة للجدل، فهو رغم موقعه كمسؤول أول عن هذا القطاع، يدعو المواطنين إلى الاحتجاج في ظاهرة هي الأولى لوزير في لبنان وربما في العالم أجمع، والنتيجة ظلام يخيم على اللبنانيين.


وزير الطاقة جبران باسيل

بيروت: يطغى الكلام في لبنان عن انقطاع التيار الكهربائي وتوزيع ساعات الظلام على المناطق، على بقية الأزمات الصعبة والمعقدة التي يعانيها هذا البلد، وأسوأ ما في هذه الأزمة أن هناك من يحاول أخذها في اتجاهات طائفية.

نادراً ما يجتمع الحلفاء والخصوم على مهاجمة وزير ما، كما يحصل منذ أيام عدة مع وزير الطاقة والكهرباء جبران باسيل الذي يتعرض لحملات تهاجمه على مدار الساعة في محطات التلفزيون من خلال quot;كليباتquot; تُصنع خصيصاً لتدمير صورته، فضلاً عن تصريحات السياسيين المناوئين والمتحالفين مع quot;التيار الوطني الحرquot; وquot;تكتل التغيير والإصلاحquot; النيابي والوزاري التابع له، حتى أصبح شعار quot;التغيير والإصلاحquot; مادة تهكم وسخرية يومية على ألسنة الناس وفي برامج الفكاهة والكاريكاتور.

وأكثر ما يُلصق بباسيل من إتهامات أنه يعطي الأولوية القصوى لمصالحه المالية وحساباته السلطوية، ولا سيما المتعلقة بدخوله مجلس النواب نائباً عن منطقته البترون، وتقوية موقعه في quot;التيار العونيquot; ليتولى قيادته بعد والد زوجته الجنرال ميشال عون، علماً أن لا جدل في أنه أصبح القيادي الرقم 2 منذ زمن بعيد في هذا quot;التيارquot; وكلمته فيه لا تُردّ.

وتنهال الإتهامات يومياً على الشاب المحظوظ من مختلف الإتجاهات، بأنه أصبح ثرياً كبيراً يملك عدداً كبيراً من المباني، كما من المنازل الأثرية القديمة التي يهوى ضمها إلى مجموعته وتحويلها أشبه بالفيلات العصرية.

كما شاع أنه امتلك طائرة خاصة هو ابن العائلة غير الغنية، وبعضهم قال لا بل امتلك يختاً ضخماً وحساباته أصبحت بالملايين من مصادر عدة، منها تلزيمه كمهندس بعد حرب تموز/ يوليو 2006 إعمار مبان كثيرة في أحياء الضاحية الجنوبية التي دمرها القصف الإسرائيلي.

ومع اتساع المناطق التي يلفها الظلام في لبنان بفعل سياسة التقنين وزيادة ساعات الإنقطاع إلى نحو 14 يوميا على الأقل، ارتفعت شكاوى الناس المضطرين إلى الإشتراك في مولدات كهربائية لقاء بدلات تغذية غالية الثمن يعجز عنها ذوو الدخل المحدود.

خصوصا أن الزيادات، التي يفرضها أصحاب المولدات الخاصة، عشوائية وتتفاوت بحدة بين منطقة وأخرى. لكن الذريعة التي يتلطى بها هؤلاء هي غلاء مادة المازوت التي تسيّر المولدات.

وهذه أيضاً تعود السلطة في شأنها إلى باسيل الذي يصدر بيانا أسبوعياً بأسعارها التصاعدية كل يوم أربعاء.

وما زاد الطين بلة اتساع دائرة الكلام حول صفقات مشبوهة اختفت بموجبها مادة المازوت الأحمر الذي كانت تدعمه الدولة طيلة أشهر لتسلم كميات كبيرة منها إلى التجار، ما يعني أنهم جنوا أرباحاً طائلة نتيجة لسياسة الوزارة التي يتولاها جبران باسيل.

ويدافع الوزير الشاب عن التجار في هذه القضية، ما يرسم المزيد من علامات الإستفهام حوله، إذ يقول انquot;هناك الكثير من المغالطات في مقاربة موضوع المازوت الأحمر،quot; ويضيف ان quot;منشآت النفط التي يراد اتهامها بالفساد وجني الأرباح غير المشروعة، يجب ان تكافأ في واقع الأمر لأنها باعت المازوت بكمية إجمالية هي أقل من المسموح لها لا أكثر كما يشاع، وحققت وفرا للخزينة بقيمة ثلاثة مليارات ليرة لبنانيةquot; وشكر رئيس مجلس النواب نبيه بري على طلبه التحقيق في هذه القضية، رغم انتماء باسيل إلى الخط السياسي نفسه الذي يلتزمه بري تحت عباءة quot;حزب اللهquot; والنظام السوري.

ولعل خطأ الوزير الشاب الأكبر أنه وعد مواطنيه بحلول عجائبية لأزمة الكهرباء المزمنة، والتي عجز وزراء quot;التيار العونيquot; وحلفاؤه عن تحقيق إنجازات إيجابية فيها طيلة الأعوام الخمسة الماضية التي تسلموا فيها هذه الوزارة، وذلك بعدما كان باسيل قاد معركة في الحكومة لحملها على دعم خطته التي تكلف نحو 7 مليارات دولار.

وكل يوم تقريبا، يقطع محتجون في الضاحية الجنوبية طريقا جانبية تؤدي إلى مطار بيروت الدولي، كما تُقطع الطرق بالإطارات المشتعلة في أنحاء متعددة من لبنان، ويحمل المحتجون لافتات تندد بباسيل وتكيل له اتهامات، وبعضهم يدوس صوره ويحرقها، ما أثار تساؤلات عن حقيقة موقف quot;حزب اللهquot; من باسيل وراعيه الجنرال عون.

وحول سلوك quot;حزب اللهquot; أوضح نواب ووزراء سابقون لـquot;إيلافquot; أن النقمة الشعبية الناتجة من انقطاع الكهرباء كبيرة، ولا يريد الحزب على ما يبدو أن يتصدى لها، لكن ذلك لا يعني توجها إلى فك تحالف أو التسبب بإزعاج لحليف الحزب الرئيس ميشال عون.

وقد رد عون وباسيل على التحية بمثلها، فدعوا المواطنين الذين يدفعون فواتير الكهرباء إلى الإستعداد للتظاهر، علماً أن الإنطباع العام المستند إلى تقارير وإحصاءات تبين أن الضاحية الجنوبية معقل quot;حزب اللهquot; تضم أكبر نسبة ممن لا يدفعون الفواتير وممن يسرقون التيار الكهربائي.

ولم تلق دعوات quot;التيار العونيquot; الى التظاهر احتجاجاً على أزمة الكهرباء أي صدى لدى المعارضة (قوى 14 آذار/ مارس) بل تساءلت quot;التظاهر ضدّ من؟ داعية الوزراء العونيين الى الاستقالة، في حين نُقل عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استغرابه وسؤاله : quot;ضد من دعوة عون إلى التظاهر؟ ضد الحكومة التي هو شريك فيها، أم ضد الوزير باسيل وهو وزيره المسؤول عن ملف الكهرباء؟

وكان quot;الصهرquot; الذي فرضه الجنرال عون وزيراً في الحكومة قد تسبّب بأزمة سياسية أخّرت تأليفها نحو ستة أشهر، ويعكس الوضع المتأزم الذي وصل إليه باسيل اهتزازاً شديداً في وضع حميه وحاميه السياسي بعد سلسلة إخفاقات مني بها قائد الجيش السابق في الإستراتيجيات الكبيرة والتكتيك على السواء.

ويقول خصوم عون إنه راهن في السياسات الكبيرة من خلال تحالفه مع quot;حزب اللهquot; على انتصار أو استمرار ممانعة المحور الإيراني- السوري، وجاءت الثورة الشعبية في سورية في لحظة مباغتة لتعيده إلى وضع عاش مثيلاً له قبل 23 عاماً عندما راهن على quot;البعث العراقيquot; في وجه إرادة المجتمعين العربي والدولي التي ترجمها quot;اتفاق الطائفquot;.

فكانت النتيجة أن خرج من قصر الرئاسة ومن لبنان، وبعد 15 عاماً عاد من المنفى الباريسي إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإخراج الجيش السوري من لبنان ليراهن مجدداً، ولكن هذه المرة على نظام quot;البعث السوريquot; ليعود إلى قصر رئاسة الجمهورية الذي شغله سنتين داميتين بصفته رئيساً لحكومة العسكريين، لكن النتيجة على ما يبدو ستكون خروج حليفه بشار الأسد من قصر رئاسة الجمهورية السورية عاجلاً أم آجلاً.