وفّرت العلاقة الوثيقة التي أقامها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حليفًا مسلمًا قويًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعملت واشنطن وأنقرة بصورة وثيقة على تحقيق الاستقرار في العراق. لكن زوبعة تنتظر العاصمتين اليوم في سوريا.
لاجئون سوريون يعبرون الحدود التركية هربًا من العنف |
إعداد عبد الإله مجيد: في حين أعلنت تركيا يوم الخميس السماح لقواتها بالتوغل داخل الأراضي السورية بدا البيت الأبيض مستعدًا للتريث بانتظار أن ينهار نظام الرئيس بشار الأسد من الداخل على النقيض من إجراءات الطوارئ التي اتخذتها أنقرة تحت وطأة الأزمة السورية.
وخلال 18 شهرًا من الانتفاضة المتصاعدة في سوريا، افترضت تركيا أن الولايات المتحدة متفقة معها على تغيير النظام، ولكن مراقبين يلاحظون أن خلافات أخذت تظهر الآن.
ولتردد الولايات المتحدة بشأن سوريا أسباب متعددة، بينها الامتناع عن القيام بتحرك ذي معنى قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر وتعب الأميركيين من الحروب.
ويبدو أن أردوغان ينظر إلى هذه الكوابح على أنها غطاء يخفي وراءه لامبالاة عامة تجاه مشكلة تركيا مع سوريا. وعبّر أردوغان عن موقفه هذا منذ شهر عندما انتقد أوباما على شبكة سي إن إن لغياب أية مبادرة من جانب الرئيس الأميركي بشأن سوريا.
وكان ذلك توبيخًا نادرًا من صديق حميم عادة، بحسب تعبير صحيفة واشنطن بوست، التي أضافت أن تذمّر أردوغان قد يكون نذيرًا بما هو أكبر نظرًا إلى ميل رئيس الوزراء التركي إلى معاملة بعض زعماء العالم على أنهم أصدقاء، ثم يفقد أعصابه عندما يظن أن أصدقاءه لم يقفوا معه عند الحاجة. وكلما غضّت واشنطن الطرف عن سوريا زاد امتعاض أردوغان، مما يعده إحجام أوباما عن دعم سياسته.
بنظر البيت الأبيض فإن الأزمة السورية أزمة من الممكن إدارتها. ومع استمرار النزاع أبدى مسؤولون أميركيون مخاوف من أن تتجه سوريا نحو التطرف، كما فعلت البوسنة في التسعينات.
فعندما تقاعس العالم عن التحرك لإنهاء المجازر المرتكبة ضد مسلمي البوسنة، بادر الجهاديون إلى الانخراط في القتال، ونجحوا في إقناع مسلمي البوسنة ذوي التفكير العلماني عادة بأن العالم تخلّى عنهم، وبأن فرص نجاتهم ستكون أفضل مع الجهاديين.
تقوم السياسة الأميركية الحالية على إمكانية إنهاء الأزمة السورية تدريجيًا من دون تدخل خارجي. وتراهن الإدارة الأميركية على نجاح المعارضة في توحيد قواها وإسقاط نظام الأسد، مستغنية عن الحاجة إلى تدخل خارجي عاجل، وهو خيار تخشى واشنطن أن يؤدي إلى الفوضى، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
لكن أنقرة تريد نهاية سريعة. وبعد احداث الأيام الثلاثة الماضية بصفة خاصة تشعر تركيا بحرارة النار المستعرة على عتبتها. ولدى اردوغان ما يدعوه إلى الاعتقاد بأن الوقت ليس لمصلحته. فان البعد الطائفي للنزاع السوري أخذ يتسرب الى تركيا، حيث لجأ اكثر من 100 الف سوري، غالبيتهم من السنة، هربًا من بطش الأسد وشبيحته، الذين غالبيتهم من العلويين، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.
مشيرة الى ان موقف العلويين في جنوب تركيا من اللاجئين السنة يعكس الانقسام العلوي ـ السني في سوريا نفسها. ويعارض علويون غاضبون في إقليم هاتاي في جنوب تركيا سياسة حكومتهم تجاه نظام الأسد، وهم منذ الصيف يخرجون في تظاهرات منتظمة مؤيدة لدمشق ومناوئة لأنقرة. وهذه هي مشكلة تواجه أنقرة الآن، وقد تتفاقم إذا انزلقت سوريا إلى حرب طائفية مكشوفة.
كما تنظر انقرة بتوجس الى حزب العمال الكردستاني، الذي سمح له نظام الأسد في الآونة الأخيرة بالعمل داخل الأراضي السورية ردا على موقف انقرة. ورفع ذلك كله الثمن السياسي المرتبط بالأزمة السياسية على اردوغان.
تؤثر هذه التطورات سلبا على طموح اردوغان لأن يصبح اول رئيس تركي يأتي بانتخابات مباشرة في عام 2014 بعدما كان البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس طيلة السنوات الماضية. ورغم حصول حزب العدالة والتنمية على 49.5 في المئة من الأصوات في انتخابات العام الماضي، فمن المرجّح أن تتضرر صورة الزعيم الحازم التي يتمتع بها اردوغان إذا تزايدت هجمات حزب العمال.
يضاف الى ذلك، ان اردوغان فاز في الانتخابات المتعاقبة منذ عام 2002 بتحقيق معدلات نمو قياسية أسهمت فيها سمعة تركيا بوصفها بلدا مستقرا آمنا للاستثمار والنشاط التجاري. وكلما طال امد الأزمة السورية زادت امكانية النيل من هذه السمعة، وبذلك إضعاف عنصر اساسي من عناصر النجاح الاقتصادي، وتكريس الرأي القائل إن اردوغان لم يعد قادرا على تحقيق الأهداف الموعودة بمواصلة النمو والازدهار. ويعتقد اردوغان انه لا يمكن ان يقف متفرجًا على سوريا، وهي تجرّ تركيا الى هذه الزاوية.
ويُرجح ان تطالب انقرة خلال الأيام المقبلة بموقف أشد حزمًا من واشنطن ضد نظام الأسد، بما في ذلك إقامة ملاذات مدعومة اميركيًا للاجئين داخل الأراضي السورية للتعجيل برحيل الأسد. ومن المرجح ان يكون رد واشنطن الاستمرار في الرهان على إنهاء الأزمة تدريجيًا أو استراتيجية quot;الهبوط الناعمquot; محاولة في الوقت نفسه تهدئة اردوغان.
لكن هذه الخلافات على جديتها من المستبعد ان تفصم عرى الصداقة بين اوباما واردوغان. فان اعتماد تركيا على الولايات المتحدة لا يسمح لها بالتفريط بمثل هذه العلاقة. وتنظر تركيا بتوجس متزايد الى طموحات ايران الاقليمية. ويعرف اردوغان ان طهران تدعم نظام الأسد عسكريًا وحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي تمقته انقرة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
لافتة الى ان انتفاضات الربيع العربي دفعت انقرة الى اعادة النظر بسياستها الخارجية الأحادية، وان تركيا تطلب الأمن الآن في كنف حلف الأطلسي، وهو تحول تبدى في موافقة انقرة في ايلول/سبتمبر 2011 على استضافة قاعدة كبيرة للدفاع الجوي يمكن ان يستخدمها حلف الأطلسي سدا بوجه ايران فضلا عن روسيا والصين. ولكن إزاء الاختلاف الواضح بين سياسات اوباما واردوغان، يبدو ان لا مفر تقريبًا من الزوبعة المقبلة بينهما.
التعليقات