وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة، وتبوّأ محمد مرسي سدة الرئاسة المصرية، مستلهمين خطى رجب طيب إردوغان الذي تمكن من السيطرة على الحياة السياسية التركية بإسلامية متنورة وخطة اقتصادية طموحة، وركن الجيش التركي على الرف... لكن تبقى العلمانية عقدة بلا حل.


القاهرة: وصل الرئيس محمد مرسي إلى الرئاسة بإسلامية لم ترفض كامب دايفيد، وركن الطنطاوي وصحبه العسكر على الرف. وفي الوقت نفسه، افتتح مرسي عهدًا جديدًا من العلاقات مع إيران الثورة الإسلامية التي ترى فيه واليًا إسلاميًا على مصر. لا بد من تلاقي التجربتين المصرية والتركية مع بعض الاختلاف، لكن التجربة الإردوغانية في تركيا العلمانية غير قابلة للاستنساخ في مصر ذات الخلفية الإسلامية المحافظة.
في سياق موازٍ، ثمة من يتهم مرسي بالسعي إلى إمامة إسلاميي المغرب العربي، تاركًا إمامة سنة المشرق لإردوغان، وإمامة الشيعة لإيران، وهو ما دفع إيران إلى الإفراط في الاحتفاء بمرسي عند وصوله إلى طهران لحضور قمة دول عدم الانحياز، ودفع تركياإلى دعوةمرسي لحضور اجتماعات الحزب الحاكم فيها.

تجربتان تفرقهما العلمانية

يرى الدكتور مدحت حماد، مدير مركز دراساتالشرق الأوسط، لـquot;إيلافquot; أن أوجه الشبه بين التجربتين المصرية والتركية تتمثل في تحكم الحزب الإسلامي بالسلطة في الدولتين، وقيام السلطتين الاسلاميتين في مصر وتركيا بعزل الجيش تمامًا عن الحكم والعمل السياسي، بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي بالمجلس العسكري.
يضيف حماد: quot;إلى ذلك، يسعى حزب الحرية والعدالة في مصر إلى استرجاع أمجاد الخلافة الإسلامية في المنطقة، فمرسي يسعى إلى إمامة إسلامية تشمل تركيا، ولهذا يرى الإخوان في التجربة التركية النموذج الأفضل لتحتذيهquot;.

إردوغان ومرسي

إلا أن حماد يستدرك قائلًا: quot;ثمة عامل أساسي يقف حائلًا بين تماهي التجربتين، هو علمانية تركيا التي لا يقبلها الشعب المصري بعد اتجاه الدولة نحو الأسلمة بعد الثورةquot;. فليس بوسع حزب الحرية والعدالة أن يلعب دور حزب العدالة والتنمية بصبغ المجتمع بالعلمانية والإسلامية، في ظل رهاب مصري من كلمة علمانية، واعتبار الدولة العلمانية بلا دين.
وأشار حماد إلى أن تركيا تريد تحقيق طموحها في الشرق الأوسط من طريق مصر، quot;لذلك أيّد حزب العدالة والتنمية الإسلامي بقيادة إردوغان وصول الإخوان للحكم ومساندة الثورة، فوجود حزب إسلامي على رأس السلطة في مصر يساعده على تقارب وجهات النظر السياسيةquot;.

ورقة طهران

وما بين مصر وإيران من تشابه في التجربة السلطوية الاسلامية، يقول حماد إن الإخوان المسلمين quot;لا يتآلفون مع التجربة الإيرانية، فقد ترتبط الدولتان بالعلاقات ومصالح اقتصادية وسياسية فقط، إذ يرى نظام الحكم في مصر أن إيران تحول دون تحقيق حلم الخلافة السنية للمنطقة، إذ تريد إيران إنشاء خلافة شيعية في المنطقة على هلال شيعي واسعquot;، وهو ما قد يقف عائقًا أمام تحقيق علاقات طيبة بين مصر وإيران.

أضاف: quot;كان الغرض من الاستقبال الحافل لمرسي في طهران تحقيق مكاسب سياسية فقط. فطهران ترى أن التعاون مع القاهرة يساعد النظام الإيراني ضد الضغوط الأميركية والإسرائيلية، بينما تعلم مصر جيدًا أن إقامة علاقات جيدة مع إيران سيكون على حساب العلاقات مع دول الخليج، وهو ما لا تريدهquot;.
لكن الإخوان يريدون تحقيق مكاسب سياسية بالتهديد بفتح علاقات مع إيران، من خلال جعلها ورقة ضغط بوجه الولايات المتحدة الأميركية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

دور مصر الاقليمي

من جانبه، يرى الدكتور جمال حشمت، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، أن السياسة المصرية تتجه نحو quot;خلق دور إقليمي لمصر يعيد لها توازنها ودورها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للشعب المصري، ومن هذا المنطلق كانت زيارة مرسي لطهران وأنقرةquot;.
فحزب الحرية والعدالة يؤمن بإقامة علاقات جيدة مع جميع الدول، شرط ألا يكون على حساب الكرامة والتبعية لدولة ما، كالولايات المتحدة الأميركية مثلًا.

يضيف حشمت: quot;من هذا المنطلق، نرحب بالتعاون مع إيران، بضمان عدم تأثيره سلبيًافي علاقاتنا بدول الخليج، ووقف المد الشيعي الإيراني في دول المنطقةquot;.
واستبعد حشمت وجود تشابه كبير بين التجربة الإسلامية في مصر والتجربة الإيرانية، لاختلاف أسلوب الحكم والرؤية السياسية لكل دولة، وعلاقة البلدين بدول الجوار.

نكهة مختلفة

وتطرق حشمت إلى التجربة التركية، وما قد يتوافق بينها وبين التجربة الاخوانية المستجدة، فقال لـquot;إيلافquot;: quot;هناك تشابه كبير بين التجربتين في ظل وصول حزب إسلامي للسلطة في البلدين، فطموح الدولتين يكاد يكون واحدًا نحو العمل على إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، والوقوف في وجه الغطرسة الإسرائيلية، بجانب توحد الدولتين في المواقف السياسية تجاه عدد من القضايا كالأزمة في سوريا وضرورة انتقال فوري للسلطة، ورفض التدخل الأجنبي المسلح، كذلك وجود توافق حول القضية الفلسطينيةquot;.

وأشار حشمت إلى أن الحائل الوحيد أمام التطابق الكامل للتجربتين هو اعتماد الدستور التركي للفكر العلماني، quot;وهو ما يتعارض تمامًا مع العادات والتقاليد التي تربى عليها الشعب المصري، لكنّ مرسي يسعى لأن تتمتع التجربة المصرية بعد الثورة بطعم مختلف عن التجربة التركية، بالعمل على أن تكون مصر دولة مدنية تحافظ على طابعها الإسلاميquot;.
وما إن يسمع حشمت في الوقت نفسه بطموح مرسي في تكوين إمارة إسلامية في الغرب العربي مقابل إمارة إسلامية في تركيا، حتى ينفي ذلك بشدة، كما ينفي السماح لتركيا باستعادة الخلافة الاسلامية عن طريق مصر، quot;فكل ما يسعى إليه الرئيس حاليًا هو العمل لصالح البلاد فقط، من دون النظر لأي أغراض سياسيةquot;.

سابقة غير مستغربة

الدكتور كمال حبيب، المختصّ في شؤون الجماعات الإسلامية، أكد لـquot;إيلافquot; سعي الإخوان المسلمين للتحالف القوي مع تركيا، quot;بدليل وجود تعاون كبير ودعم قدمه حزب العدالة والتنمية لوصول الإخوان للسلطة، ولا ينسى أحد مطالبة إردوغان الشعب المصري التصويت لمرسيquot;، وعلى الإخوان ومرسي رد الجميل لتركيا بإقامة علاقات طيبة على مختلف المستويات، وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها مرسي خير دليل على ذلك.

ولفت حبيب إلى أن جميع الدلائل تشير إلى وجود quot;تشابه بين الحزبين الحاكمين في تركيا ومصر، والدليل الجلي حضور مرسي اجتماعات حزب العدالة والتنمية في تركيا، في واقعة تحدث لأول مرة أن يحضر رئيس جمهورية اجتماعات حزب حاكم في جمهورية أخرى، لكن الأمر ليس غريبًا فمرسي لا يجد فارقًا كبيرًا بين حزبه في مصر وحزب إردوغان في تركياquot;.