laquo;غرافيتيraquo; في ميدان التحرير

الانطباع الذي يأتي به هذا التقرير هو أن حكومة الرئيس محمد مرسي تصرف كل جهودها لتنظيف المدن والبلدات من مخلفات الثورة، كما يتضح في إزالة laquo;الغرافيتيraquo; من شوارع القاهرة مثلا، وذلك على حساب مسؤولياتها الحقيقية التي انتخبت من أجلها.


منذ الشهر الماضي والحكومة المصرية مشغولة بتنظيف شوارع القاهرة وساحاتها من الشعارات والرسومات على الجدران (الغرافيتي). وكان بين هذه laquo;تنظيفraquo; شارع محمد محمود الذي كان الشريان الرئيسي لـlaquo;مليونية إنقاذ الثورةraquo; وصار يعرف في الغرب بـlaquo;شارع الغرافيتيraquo;.

يأتي هذا في تقرير مشترك لـlaquo;غارديان ويكليraquo; - الصادرة عن صحيفة laquo;غارديانraquo; البريطانية بالاشتراك مع laquo;لوموند الفرنسيةraquo; - التي قالت إن الملصقات والغرافيتي في هذا الشارع إنما هي شهادات على والقمع الذي واجهه المتظاهرون على نظام الرئيس حسني مبارك بيد الشرطة والجيش وسقوط القتلى والجرحى وروح التمرد الجديدة التي انتظمت مصر خلال انتقاضة شعبها وبعدها.

دنيوية وليست دينية

لكن الفنانين الذي حولوا ذلك الشارع الى laquo;لوحة تذكارية عريضةraquo;، تجمعوا، على تعدد توجهاتهم السياسية، في اليوم التالي لعملية التنظيف وأرجعوا المكان الى ما كان عليه. وكان هؤلاء يتساءلون عن الحكمة وراء إسراع الحكومة الجديدة الى محو صورة صارت رمزا للثورة ومركز جذب للسياح والمؤرخين والمحللين السياسيين من شتى بقاع العالم.

فذهب فريق الى القول إن بعض المسؤولين ربما حرصوا على laquo;تنظيفraquo; الشارع لإيمانهم بأن حكومة الإخوان المسلمين الجديدة قد تجد في بعض الصور ما يخدش الحياء من الناحية الدينية. لكن يبدو أن الأمر لا يتعلق بهذا مطلقا وأن دوافعه دنيوية فقط.

ويقول التقرير إن الرئيس مبارك تمكن من السيطرة على مظاهر التململ السياسي - الاجتماعي عبر سماحه لشرائح معينة في المجتمع بالعمل والسكن من دون أي اعتبار للوائح المتعلقة بذلك. وأفرز هذا الوضع - في أفضل أحواله - ما يمكن ان يسمّى laquo;ثقافة اللامبالاةraquo; بقوانين البلاد.

القشرة فقط

حملة لتنظيف شوارع القاهرة

لكن هذا الأمر أفرز أيضا، في بعض أسوأ حالاته من وجهة نظر السلطات نفسها وكناتج منطقي حتمي، كراهية عميقة من رجل الشارع العادي إزاء من يتحكمون في مصائره. فكيف لمصر الجديدة أن تتخذ جذورها في تربة الديمقراطية وهي المحملة بذلك النوع من التركات؟

منذ انتخاب مرشح الإسلاميين محمد مرسي رئيسا للجمهورية وفي غياب ما ينبئ بحملة الإصلاحات الحقيقية العميقة، صار laquo;الفضاء العامraquo; مرتعا خصبا لتحرك محموم من الحكومة الجديدة للتعامل مع المظهر وتجميل القشرة. وصار جليا أن مجهود الإخوان المسلمين الرامي لفتح صفحة جديدة في مصر انصب بأكمله على نتظيف الشوارع والساحات من مخلفات الثورة وتذكاراتها، بحيث صارت لهذا الأمر الأولوية على معالجة جهاز الدولة من السوس الذي ظل ينخر عظامه لعقود طويلة.

لهذا جردوا ميدان التحرير، مسرح الثورة الرئيسي، من الخيام وصار المرء يرى عمّال النظافة يزيحون القامامة وعمال البستنة يزعون النخيل والزهور. وفي غضون هذا تنهمك قوات الشرطة بتعقب فناني الغرافيتي والباعة المتجولين الذي يزدحم بهم الميدان والطرقات المؤدية اليه والقريبة منه. لكن إزالة الأوساخ شيء وحرمان الباعة من أزراقهم اليومية شيء آخر. ففي آخر المطاف، يشكل هؤلاء laquo;اقتصادا موازيا غير رسميraquo; مسؤولا عن ثلث إجمالي الناتج المحلي المصري.

غضب وسخرية

في السابع من الشهر الماضي أغارت الشرطة في الاسكندرية على سوق الكتب القديمة الشهيرة بشارع النبي دانيال فهدمت في لمح البصر الأكشاك وأرففها ومزقت محتوياتها من ثمار المعرفة. وأثار هذا العمل موجة من الغضب الشعبي بحيث أن وزير الثقافة اضطر للاعتذار شخصيا وإعلان أن ما حدث كان خطأ.

محمود مرسي... هل يبدأ الانصراف الى الهموم الحقيقية؟

وفي فورة laquo;التنظيفraquo; هذه وجهت حكومة الإخوان عددا من الجماعات الشبابية الراغبة في إعادة بناء الوطن لنتظيف الشوارع والأحياء من أكوام القمامة التي تؤذي العين في مختلف نواحي البلاد. ورغم أن هذا عمل يُحمد ويُثنى عليه، فقد أثار موجة من السخرية إزاء انصراف الدولة الى صغائر الأمور وكأنها حلت الكبيرة ولم يبق أمامها ما تفعله.

والثابت هو أن laquo;ضحاياraquo; هجمة الشرطة التنظيفية على الشوارع والأحياء والأسواق لا ينخدعون بأحلام الحكومة في بلاد محفوفة بصفوف الزهور وغيرها من العمليات التجميلية القشرية. ويقول هؤلاء إن على الحكومة ترك ساحات العمل مفتوحة للناس بدلا من مصادرتها منهم وصرف الجهود بأكملها لنظافة المظهر بينما الجوهر يبقى بكل أوساخه.

بدون حمّام

هل تقنن الحكومة laquo;الغرافيتيraquo;؟ النفي القاطع هو الإجابة الوحيدة الماثلة للأعين. وهذا على الرغم من أن رئيس الوزراء الجديد، هشام قنديل، أبدى أسفه على إزالة laquo;لوحة الصورة التذكاريةraquo; في شارع محمد محود. ففي اليوم الذي أزيلت فيه الملضقات والشعارات والرسوم الجدرانية أصدر هذا الرجل رجاء الى الفنّانين بإنتاج غرافيتي في ميدان التحرير laquo;يعكش روح الثورة الحقيقيةraquo;.

وكان الرد الآتي من جماعات معنيّة بالأمر، مثل laquo;رابطة فناني الثورraquo;، أن من يصر على تغيير ملبسه بدون حمّام يصاب بالطفح الجلدي... وكانت الصورة التي رسمها أحد هؤلاء في شارع محمد محمود تظهر وجها يمد لسانه طويلا ويتحدى الحكومة laquo;الجبانةraquo; أن تمحوه مجددا.