عنصر من الجيش الحر خلال فترة استراحة في حلب

يؤكد عدد كبير من مسيحيي سوريا تمسكهم بجذروهم وبقاءهم في أرضهم بالرغم من الأحداث، لكنهم لا يخفون خوفهم من هجرة قسرية في حال وصول الإسلاميين الى سدة الحكم.


دمشق: يقول فادي (29 عامًا) الذي يدير متجرًا للتحف الشرقية في دمشق القديمة إن الشرق مهد المسيحية، مضيفًا quot;كل الازمات التي مرت على البلاد منذ الفي عام لم تتمكن من مسحنا من الخارطة الوطنيةquot;، والكنائس والاديرة quot;التي نمارس فيها طقوسنا وصلواتنالا تزال قائمةquot; منذ مئات السنين.

ويذكر فادي الذي عانى قطاع عمله من الاحداث غير المسبوقة التي تمر بها بلاده بعبارة للمسيح quot;واردة في الانجيل وفيها في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالمquot;. ويرى فادي أن الوجود المسيحي في المنطقة مهم جدًا quot;لاكتمال موزاييك البلدquot;، رافضًا هجرة المسيحيين وquot;صبغ البلد بلون واحدquot;.

ورغم تأكيده على التمسك quot;بمهد المسيحيةquot; مع ابناء طائفته لأنه quot;صاحب الارض وليس ضيفًا عليهاquot;، يستدرك فادي بأنه قد يضطر للهجرة موقتًا حتى انتهاء الازمة لانه لا يريد أن يصيبه مكروه quot;كشأن كل السوريينquot;. ويشيد فادي مناشري (25 عامًا)، الطالب سنة ثانية ماجستير صيدلة، بسوريا البلد quot;الحاضن الايجابيquot; لكل الاديان، مؤكدا بقاءه في البلد، الا اذا quot;تغيّر الوضع السياسيquot; واصبح quot;غير مناسبquot;، ما قد يدفعه الى السفر.

ويقول سلوم (35 عامًا)، وهو موظف في مكتب سياحي اقفل بسبب قلة المورد، إن المسيحيين، رغم أنهم اقلية، هم quot;مثل الخميرة للعجين ومن دونهم لا يصلح الخبزquot;. ويشكل المسيحيون نحو خمسة في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة.

لكن سلوم الذي يبحث عن عمل جديد يستدرك أنه قد يضطر quot;الى الهجرة مرغمًا في يوم ماquot;، مشيرًا الى تخوفه من quot;حكم اسلامي وليس من تغيير النظامquot;. ولطالما عاش المسيحيون في اطمئنان في سوريا حيث الغالبية سنية والحكم في ايدي الاقلية العلوية (10 في المئة) منذ اربعين عامًا.

مستقبل ضبابي

الا أن كثيرين منهم يتخوفون من أن تفرز quot;الثورةquot; حكمًا اسلاميًا متطرفًا مناهضًا للحريات الدينية التي نعموا بها على مدى عقود طويلة رغم انضمام اعداد منهم الى المعارضة وquot;الحراك الثوريquot; خلال الاشهر الاخيرة خصوصاً. ويعبر ابراهيم حداد (53 عامًا) عن تخوفه quot;من أن يحول دخول المتطرفين التكفيريين السلفيين البلد الى مأساةquot;، مشيراً الى أن السلفيين يختلفون عن المسلمين الذين quot;لا مشاكل بيننا وبينهم ونعيش معهم بمحبة وأخوةquot;.

في المقابل، يرى المطران لوقا الخوري المعاون البطريركي في مطرانية الروم الاورثوذكس أن quot;ليس هناك تخوف بمعنى التخوف في هذا الوقتquot;، مضيفًا quot;عندما احتدت الاحداث وهجر المسيحيون من بيوتهم في بعض المناطق المسيحية، فإن الشعب السوري كله تعرض للمخاطر وللعصابات المسلحةquot;.

واضاف quot;أن من حمل السلاح وأتى سوريا لخرابها سيخرب سوريا بكاملها ولا يميز بين كنيسة أو جامعquot;. الا أن جورج خ. (30 عامًا) الذي يسكن في منطقة السليمانية في حلب ذات الأغلبية المسيحية، يعبر عن اعتقاده بأن الثورة quot;صبغت باللون الاسلامي المتطرف، وتشهد على ذلك اسماء الكتائب المحاربة والمجاهدين الوافدين الى البلد للجهاد في سورياquot;.

ويقول جورج إنه يفكر حاليًا في الانتقال الى لبنان مع انتظار الفرصة المناسبة للمرور الى دولة اوروبية، لأن quot;المستقبل بات ضبابيًاquot;، على حد قوله.

حروب المنطقة في الأذهان

ويبدو أن المشهدين اللبناني ابان الحرب الاهلية (1975-1990) والعراقي بعد اسقاط نظام صدام حسين والحرب الاميركية والاعمال الطائفية التي quot;دفعت الى هجرة المسيحيينquot;، حاضران في اذهان العديد من مسيحيي سوريا. يضاف اليهما تسلم الاخوان المسلمين الحكم في مصر بعد الاطاحة بحكم الرئيس حسني مبارك.

وتعتبر فاديا (48 عامًا) أن الاضطرابات التي يمر بها الشرق الاوسط والتغييرات التي حدثت quot;غير مطمئنةquot; على المدى البعيد. وتقول quot;الفاتيكان لم يتمكن من حماية المسيحيين خلال الحرب اللبنانية ولم يتمكن من ذلك في العراقquot;.

وتتمنى المعلمة دعاء العمر (23 عامًا) أن تكون هذه الازمة quot;لفترة زمنية وتمرquot;. وتطالب الدول التي quot;تعتقد أنها تقوم بدعم المسيحيينquot; بأن quot;تشجع المسيحيين على البقاء في أرضهم بدلاً من تسهيل هجرتهم وأن ترسل لنا السلامquot;.

ويؤكد المطران لوقا الخوري على فكرة استهداف سوريا باكملها quot;بسبب الحرب الكونية على سوريا، لا شك أن هناك بعض الدول التي تريد تفريغ البلاد (من مسيحييها) وتريد الفتنة بين الشعب السوريquot;، مشيراً الى أن هذا الامر بدأ قبل الازمة الحالية. ويوضح أن المسيحيين يجب أن يبقوا هنا quot;لان قبر المسيح هنا وقيامته هنا وصلب هنا وتعذب هناquot;.

ويؤكد الخوري وقوف المسيحيين في وجه التدخل الخارجي لحل الازمة في سوريا، لأن هذا التدخل quot;لن يرحم احداً لا مسيحيين ولا مسلمين (...) وهو لم يرحم احدًا في ليبيا وفي العراقquot;. ويضيف quot;التدخل الخارجي هو لخراب البلاد نحن نرفضه سورياً ومسيحيًا واسلاميًاquot;.